إمام المسجد بين المنزلة ورسالة الإسلام
الإمامة أمانة، فالله الله في الأمانة، فيخيل إلي بعض الناس أن تلك الإمامة شرف وغنيمة ومنزلة بين الناس فيقبلون عليها ويحاولون أن يكونوا من أهلها على الرغم من أنها وإن كانت كذلك فإنها مسئولية عظيمة سيسأل عنها المرء يوم القيامة ولو علم ما فيها ما تقدم إليها، ولفر منها طالما أنه ليس أهلا لها بل إن من هو أهل لها ومن هو أعظم قدرا وأجل منزلة كالصحابة والصالحين من بعدهم كانوا يفرون من الإمامة ويخافون من تحمل مسئولياتها على الرغم من أهليتهم لها، وهذا يدل على عظم شأن الإمامة، وخطرها على من استهان بأمرها.
فالأنبياء تولوا الإمامة، فيقول المولى تبارك وتعالي: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) وبناء على ذلك، فإن الذى يتصدى للإمامة ينبغى أن تتوافر فيه عدة شروط.
شروط الإمامة
أولها حفظ القرآن الكريم، وثانيها العلم بالأحاديث النبوية الشريفة، أما ثالثها العلم بالأحكام الشرعية، ليستطيع من خلال معرفته بالأحكام الشرعية أداء الصلاة وافية، وكيف يصدر منه الفعل أو القول فى الصلاة، إذا أخطا أو وقع فى السهو.
صفات الإمام
ينبغى أن تتوافر فى الإمام عدة صفات خلقية لابد منها، أولها الصدق، عملا بقول الله تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين) [التوبة: 119].
وثانيهاا الأمانة، لقول الله تعالي: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)، أيضاً عدم مخالفة فعله لقوله، وهذه قضية أساسية لابد أن يلتزم بها كل من يتصدى للإمامة أو يتقدم للإمامة فى الصلاة، فلا يعقل أن يؤم القوم وهو يقرأ فى القرآن الكريم ما يدعو الناس إلى الالتزام بمكارم الأخلاق ثم يخالف هو ما يقرأه فى صلاته، وبناء على ذلك فينبغى عليه ألا يفعل إلا كل ما هو خير، فلا يغش ولا يدلس أو يكذب فى عمله، ثم يتقدم لإمامة الناس، لأنه يخالف ما يقرأ فى القرآن الكريم، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: (ثلاثة لا تقبل منهم الصلاة وعدَّ منهم من أمّ قوماً وهم له كارهون)، والناس لا تكره الإمام الذى يتقدم للصلاة إلا إذا كان سلوكه يخالف قوله.
الإمام القدوة
من أهم الصفات التى ينبغى أن يترسمها الإمام وتكون سمته الدائم أنْ يَكُونَ عَدْلًا وَرِعًا، والعدالة تقتضى ألا يرتكب كبيرة، ولم يلازم ارتكاب صغيرة من الصغائر، فكيف الحال حين نجد من يدفع نفسه للإمامة، وهو من الكاذبين أو ممن يتحايل على الناس ويغشهم، أو ممن يوقع بين الناس ويفتنهم، أو ممن يظلم الناس ويسلبهم حقوقهم. فلا يصح أبدًا للإمام الراتب أن يترك مكانه لمن لا تتوافر فيه شروط العدالة، كيف ذلك والإمام الأصل فيه أن يؤتم به ويقتدى به، فهو القدوة، وسلوكه فى حد ذاته دعوة، فالدعوة سلوك يفعل وليس مجرد كلمة تقال.
لذلك على الأئمة أن يتقوا الله حينما يتقدمون بالناس، فلابد أن يكون الإمام محبوبا، فقد اتفق الأئمة الأربعة على أنه يكره أن يؤم المسلم قوما وهم له كارهون، وذلك إذا كرهوه بمعنى أنه مذموم شرعاً بأن يعرف عنه الكذب والفسق أو أنه لا يحسن الصلاة، أو النفاق، أو التزويغ من العمل) وهذه الجزئية لا تنطبق على الإمام المعين من قبل الحاكم، فهم علماء الأزهر والأوقاف، ودرسوا علوم الشرع والدين وأصبحوا متخصصين فى هذا العمل، فهم أولى الناس بالإمامة وأحق بها.
فقه الإمامة
1- إعطاء الإمامة والصلاة حقها، والحرص على تحري السنة واتباعها في ذلك، والشعور بأداء الواجب والإخلاص في العمل.
2- الاطلاع على أحكام الإمامة والصلاة، والاستزادة منها، ومناقشة بعض الموضوعات المتعلقة بذلك بين وقت وآخر، ورصد الفتاوى وقراءتها، حبذا لو قُرئ من كتاب مخالفات في الصلاة والطهارة للشيخ: السدحان.
3- تحري السنة في المجيء للصلاة، وفي الانصراف منها، وفي الأذكار بعدها، ونحو ذلك؛ لأنه قدوة ينظر إليه.
4- التأني والتوسط في أفعال الصلاة، وتحري السنة فيها، وعدم الاستعجال المخل أو التطويل الممل.
5- المحافظة على السنن الراتبة في المسجد أو المنزل، والتأكيد على أنها حِمىً وسياج للصلاة تحمي صلاة المحافظ عليها.
آداب الإمامة
1- الحرص على المواظبة، وضرب المثل الطيب في ذلك، بحيث يعد غيابه عن المسجد أو تأخره في إقامة الصلاة على مدار العام شيئا لا يذكر.
2- عدم التخلف عن الإمامة، والحرص على المواظبة عليها.
3- الحرص على عدم التخلف في صلاتي الفجر والعصر خاصة، والابتعاد بالنفس عن مواطن سوء الظن والقيل والقال، فهي أكبر ما يقاس به الإمام من محافظة لأنه غالباً موجود في منزله.
4- عند الاضطرار للتخلف عن الإمامة لسفر أو انشغال ينبغي إنابة الكفء، وحين طروء الانشغال والإحساس بعدم القدرة على المجيء للصلاة يكون الاتصال بالمؤذن، أو غيره؛ حتى لا يطول انتظار المصلين ويصيبهم الملل والنفور.
5- الحرص على إقامة الصلاة في مواعيدها، وتثبيت ذلك، وعدم التقدم أو التأخر، وتراعى ظروف مساجد الأسواق ونحوها، أو المساجد المجاورة للمدارس.
6- تفويض المؤذن أو غيره من القادرين على الإمامة في إقامة الصلاة بعد دقيقتين أو ثلاث مثلاً من الوقت المحدد حتى لا يمل الناس الانتظار.
7- التقليل ما أمكن من الارتباطات والأسفار غير المهمة التي تؤدي إلى التخلف عن الإمامة، وإذا اضطر نوّب الكفء.
8- التحلي بالأخلاق الفاضلة وأن يكون قدوة حسنة مألوفاً بين الناس، فأكثر ما يؤثر في الناس حسن الخلق فهو الباب الذي يقرب الناس من الإمام وغيره وقد جاء في وصف الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) وهو أثقل شيء في الميزان تقوى الله وحسن الخلق.
9- تفقد أهل الحي سواء المحتاج منهم أو من يمر بمشاكل والمساهمة في حلها (التوظيف – إصلاح ذات البين) فلكل حي مشاكله وحاجاته فينبغي على الإمام تفقد أهل الحي سواء المحتاج والمريض والذي عليه دين بل حتى السعي مع الوجهاء والمسئولين في الحي في توظيف بعض شباب الحي والعاطلين وكذلك الحرص على السعي في حل النزاعات بين الجيران وكذلك بين الزوجين وإصلاح ذات البين ففيها عظيم الأجر وكذلك محبةً لصاحبها.
خاتمة
فالله نسأل أن يحفظ المساجد وأن يولي عليها أعلمها وأتقاها ممن ينفع المسلمين بعلمه وخلقه ودينه، وأن يحفظها من الجاهلين العوام وأن يغفر لنا ولهم ونختم بقوله سبحانه "وقل رب زدني علما".
التعليقات