يصلي خلف من يلحن في الفاتحة

اللحن في القراءة نوعان:
1-لحن لا يُحيل المعنى، أي لا يغيّره، فتصح معه الصلاة، سواء كان في الفاتحة أو غيرها. وذلك كنصب ( رَبِّ ) أو رفعها في ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )، وهكذا نصب ( الرَّحمنِ ) أو رفعه.
2-لحن يحيل المعني، فإن كان في الفاتحة، لم تصح معه الصلاة، إلا لعاجز عن الإصلاح.
وذلك ككسر كاف (إياك نعبد)، وضم تاء (أنعمت).
وفي حكمه: من يبدل منها حرفا.
قال البهوتي في "كشاف القناع" (1/482):
" (وحكم من أبدل منها) أي الفاتحة (حرفا بحرف لا يبدل، كالألثغ الذي يجعل الراء غينًا، ونحوه: حكمُ من لحن فيها لحنا يحيل المعنى)؛ فلا يصح أن يؤم من لا يُبدله، لما تقدم.
(إلا ضاد المغضوب، والضالين)، إذا أبدلها (بظاء: فتصح) إمامته بمن لا يبدلها ظاء؛ لأنه لا يَصير أُميا بهذا الإبدال. وظاهره: ولو علم الفرق بينهما لفظا ومعنى. (كـ) ما تصح إمامته (بمثله؛ لأن كلا منهما) أي الضاد والظاء (من أطراف اللسان وبين الأسنان، وكذلك مخرج الصوت واحد. قاله الشيخ في شرح العمدة.
وإن قدر على إصلاح ذلك)، أي ما تقدم من إدغام حرف في آخر لا يدغم فيه، أو إبدال حرف بحرف غير ضاد المغضوب والضالين بظاء، أو إصلاح اللحن المحيل للمعنى: (لم تصح) صلاتُه، ما لم يصلحه؛ لأنه أخرجه عن كونه قرآنا" انتهى.
ثم إن كان ذلك في غير الفاتحة، وتعمده: بطلت صلاته؛ لأنه في حكم الكلام الأجنبي.
قال في "الكشاف" (1/481):
"(وما زاد عنها) أي عن الفاتحة (تبطل الصلاة بعمده)؛ أي اللحن المحيل للمعنى فيه، واللحن لا يُبطل الصلاةَ إذا لم يُحل المعنى.
فإن أحاله: كان عمده كالكلام. وسهوه كالسهو عن كلمة. وجهله كجهلها.
(ويكفر إن اعتقد إباحته) أي إباحة اللحن المحيل للمعنى، لإدخاله في القرآن ما ليس منه" انتهى.
ثانيا:
إمامة اللحان فيها تفصيل:
1-تكره إمامة كثير اللحن الذي لا يُحيل المعنى.
قال في "الإنصاف" (2/ 272): " قوله (وتكره إمامة اللحان) يعني الذي لا يحيل المعنى، وهذا المذهب، وعليه الأصحاب، ونقل إسماعيل بن إسحاق الثقفي: لا يُصلَّى خلفَه.
تنبيهان. إحداهما: قال في مجمع البحرين: وقول الشيخ " ويكره إمامة اللحان " أي الكثير اللحن، لا من يسبق لسانه باليسير، فقد لا يخلو من ذلك إمام أو غيره" انتهى.
2-إذا كان لحنه يحيل المعنى، وهو قادر على إصلاحه، ولم يفعل: فلا تصحُّ صلاتُه، ولا إمامته، سواء كان في الفاتحة أو غيرها.
وإن كان عاجزا عن إصلاحه، فتصح صلاته، وتصح إمامته بمثله فقط، وهذا يسمى: الأمي، ولا تصح إمامته بالقارئ.
قال النووي رحمه الله: " إن كان لحنا لا يغير المعنى، كرفع الهاء من الحمد لله، صحت صلاته وصلاة من اقتدى به.
وإن كان يغيّر ، كضم تاء أنعمت عليهم، أو كسرها: تبطله ، كقوله الصراط المستقين.
فإن كان يطاوعه لسانه، ويمكنه التعلم: لزمه ذلك.
فإن قصر وضاق الوقت: صلى، وقضى ، ولا يجوز الاقتداء به .
وإن لم يطاوعه لسانه، أو لم يمض ما يمكن التعلم فيه:
فإن كان في الفاتحة فصلاة مثلِه خلفه صحيحة.
وصلاة صحيح اللسان خلفه: صلاة قارئ خلف أمي. [ يعني أنها لا تصح ].
وإن كان في غير الفاتحة: صحت صلاته وصلاة من خلفه " انتهى من "روضة الطالبين" (1/ 350).
وقال ابن قدامة في "المغني" (2/ 145): " ومن ترك حرفا من حروف الفاتحة؛ لعجزه عنه، أو أبدله بغيره، كالألثغ الذي يجعل الراء غينا، والأرَتِّ الذي يُدغم حرفا في حرف، أو يلحن لحنا يحيل المعنى، كالذي يكسِر الكاف من إياك، أو يضم التاء من أنعمت، ولا يقدر على إصلاحه، فهو كالأمي، لا يصح أن يأتم به قارئ. ويجوز لكل واحد منهم أن يؤم مثله؛ لأنهما أميان، فجاز لأحدهما الائتمام بالآخر، كاللذين لا يحسنان شيئا.
وإن كان يقدر على إصلاح شيء من ذلك، فلم يفعل: لم تصح صلاته، ولا صلاة من يأتم به" انتهى.
إلى أن قال: " تكره إمامة اللحان، الذي لا يحيل المعنى، نص عليه أحمد. وتصح صلاته بمن لا يلحن؛ لأنه أتى بفرض القراءة.
فإن أحال المعنى في غير الفاتحة، لم يمنع صحة الصلاة، ولا الائتمام به، إلا أن يتعمده، فتبطل صلاتهما" انتهى.
ثالثا:
إن خشي المأموم أن الإمام يلحن في الفاتحة لحنا يحيل المعنى، فعزم على أنه إن فعل ذلك أعاد الصلاة، فلا شيء عليه، وليس هذا من تعليق النية، بل هو عزم على فعل ما هو واجب.
والأصل أن يخرج المـأموم من الصلاة؛ لبطلانها، إلا إن خشي فتنة، فيخرج منها بالنية، وله أن يصلي حينئذ منفردا، ويوافق الإمام في الأفعال، وتصح صلاته ولا يعيد.
قال في "كشاف القناع" (1/ 475): " (وإن نوى مأموم الانفراد)، أي نوى المصلي خلف الفاسق صورةَ عدمِ الائتمام به (ووافقه في أفعالها)، أي أفعال الصلاة: (صح) ما صلاه، (ولم يُعِد)؛ لأنه لم يأتم به" انتهى.
التعليقات