دور إمام المسجد في مواجهة الشبهات
بعد أن هدانا الله للإسلام وأمرنا بتجنب الشبهات والتمسك بهديه حتى الممات، وجب على الجميع محاربة وسائل الفتن وما يؤثر الشباب ويلهيهم عن دينهم الحنيف وروحانية وسماحة إسلامهم العظيم.
وبما أن إمام المسجد يأتي على رأس المنوط بهم محاربة الشائعات والفتن،لما له من دور قيادي ومكانة حباه الله بها، واختصه وفضله على كثير من عباده تفضيلا، وجب على الجميع مد يد العون له, والتفكير معه فيما يجب فعله، وما يمكن تجنبه لتفادي الشبهات والفتن عملا بقوله سبحانه وتعالى .. :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
ومن الجدير بحثه والتنبيه عليه هو نوع الفتن والشبهات والشهوات التي تحارب الدين الإسلامي وتشوه صورته لدى الكثيرين، وتصد عن سبيله بل وربما تخرج البعض منه، وتقلل من قيمته لدى البعض الآخر.
وعلى الإمام أن ينتبه إلى التفرقة بين الفتنة في الشبهات، والفتنة في الشهوات.
فالأولى وهي فتنة الشبهات توقع في الشرك بالله عز وجل، وتوقع في البدع والخرافات، وبالتالي فإن محاربتها من أحد أولويات المسلمين جميعا, وأئمة المساجد على وجه الخصوص, فهي توقع في الشرك, لأن يعبد غير الله من الأشجارِ والأحجار والقبور والمشاهد والأضرحة، ويقولون إن هذا من عبادة الله ولا يعتبرونه شركاً وهذا أعظم الفتنة، والتي تستوجب تفنيدها ومحاربتها بالحجة لكي لا تستفحل ويعظم شأنها.
:(أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، يقولون:(مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)، (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ)..فهم يقولون نحن نعلم أنهم لا يُخلقون ولا يرزقون ولا يدبرون من الأمر شيء وإنما نتخذهم وسائط ووسائل بيننا وبين الله لقربونا إلى الله، ويشفعون لنا عند الله، ويصرفون لهم من أنواع العبادات من الذبح والنذر والاستغاثة وغير ذلك ما يجعلهم من المشركين البعيدين عن الله سبحانه وهم يزعمون أنهم يتقربون إلى الله سبحانه وتعالى.
وهنا يبرز دور الداعية والإمام وجماعة المسجد وكل ذي صفة في توضيح الأمور لبعض الجهلاء بها أو المنساقين إليها, ومحاربة حجة العاملين بتلك المبادي ودحضها والقضاء عليها .
ومن المعلوم أن فتنة الشبهات تُوقع في البدع والمحدثات التي تصد عن دين الله، وتستبدله بغيره من الخرافات والتَّرهات والأباطيل، وهذا ما خشي علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله:"وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار"، وقال صلى الله عليه وسلم:"من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"، وأول معصية أخبرنا عنها ربنا عز وجل كانت بالشبهات، يوم رفض إبليس السجود لآدم لشبهة ﴿أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ [الأعراف:12]، ومعصية الشهوة جاءت تالية لها يوم أكل آدم وزوجه من الشجرة.
خطر الشبهات
ومن المعلوم أن الشبهات أخطر من الشهوات لأمور منها، أن صاحب الشبهة أبعد عن التوبة من صاحب الشهوة، وانظر إلى حال إبليس، وحال آدم عليه السلام، أما إبليس فطلب النظرة وأصر على معصيته، وأما آدم وزوجه فقد أقرا بالذنب وطلبا المغفرة ﴿قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف:23].
إن صاحب الشهوة يقر في قرارة نفسه بمعصيته وإن أقدم عليها مرة بعد مرة، بخلاف صاحب الشبهة الذي ينكر ذلك، إما عناداً واستكباراً وإما لما تسببه الشبهة من طمس للبصيرة فيظن أنه على الحق فأنا لهذا أن يرجع؟
إن صاحب الشبهة إن قدر له التوبة منها فلا يسلم غالباً من بقاء أثرها في قلبه، والمعافى من عافاه الله، كما أن الرجوع عن الشبهة أصعب من الرجوع عن الشهوة، لأنها تكون مبنية على مقدمات عقلية يصعب على صاحبها الفكاك منها بخلاف الشهوة التي يمكن بالمجاهدة أن يتغلب المرء عليها.
ومن المعلوم أيضا أن الشبهة غالبا ما تكون في الجانب العقدي وقد تؤدي بالمرء إلى الخروج من الدين بالكلية، بخلاف الشهوة التي ليس فيها إلا مراعاة حظ النفس الآني، وعلى الرغم من أن الشهوات تجد لها نفس الطريق، إلا أن التجربة أثبتت أن الشاب بتقدم العمر يمكن أن يقلع عن الشهوات، وأما الشبهات فإنه بفضلها يصبح معول هدم في الأمة ويزداد خطره بتقدمه في العمر والمنصب.
ومن مظاهر الشبهات التي أضحت تضرب مجتمعنا المسلم، وصولنا متأخرين عن الصلاة في جماعة المسجد، حتى مع استماعنا لصوت داعي الله، لا تشتعل بقلوب البعض جذوة الإيمان، وحرارته ونهم للصلاة مثقلين ومتكاسلين ومؤجلين، لانشغالنا بالدنيا ومفاتنها ومحدثاتها .
في صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى الفجر في جماعة، فهو في ذمة الله) وأورده أحمد بلفظ آخر: (من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله، فالله الله، لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فإنه من طلبه من ذمته بشيء أدركه ومن أدركه كبه على وجهه في النار).
قال بعض أهل العلم: مما علم بالاستقراء أن من صلى الفجر في جماعة، وحافظ على ذلك، حفظه الله من الكبائر.
وفي ظل هذا الكم من الشبهات والفتن وجب على إمام المسجد وضع الخطط والبدائل لمواجهتها, والعمل على إيقافها, خصوصا وأنه على الأئمة من الواجبات ما ليس على غيرهم، هو وغيره من العلماء، والدعاة، وطلبة العلم، والخطباء، دون غيرهم من أمة الإسلام.
وبالنسبة لإمام المسجد، فإن له دورا بالغ الأهمية في محاربة الشبهات لأسباب عديدة منها، مكانة المسجد في الإسلام ودوره في بناء المجتمع على تعاليمه، فالمسجد في عهد النبوة لم يكن مكان صلاة وعبادة فحسب، بل كان كذلك مدرسة تعليمية وتربوية، وكان دار حكم وقضاء، وإليه تجمع الزكوات ومنه توزع على المحتاجين، فكان مؤسسة دينية وسياسية واقتصادية واجتماعية.
كما أنه يفترض في إمام المسجد أن يكون أكثر دراية من غيره من الدعاة بأحوال أهل المسجد والحي، فيتفقد أحوالهم، ويعرف أخبارهم، ويطلع على ما قد يعرض لهم من شبهات، أو مشكلات، كما يفترض به كذلك أن يكون أقرب من غيره إلى أهل المسجد والحي، فيكون له من التأثير عليهم ما ليس لغيره، ويتأتى ذلك من أن طول مكثه في المسجد بين أهله يتيح له فرصة أكبر، ووقتاً أوسع للقيام بالتصدي للشبهات وتفنيدها ومحاربتها.
ولمواجهة هذه الشبهات والفتن لابد من أن يتصف الإمام بصفات معينة, والتي بدورها تسهل عليه مواجهة تلك الشبهات, على رأس تلك الصفات الإخلاص، كي يقبل عمله عند الناس وقبله عند الله سبحانه وتعالى، فالإمام المخلص كلمته مسموعة لدى الجميع فهو يدعوهم ويحاول أن يزيل ما يعرض لهم من شبهة، فإخلاص المرء أدعى لقبول قوله، العلم بالشبهة، التي يقوم بردها والإلمام بجوانبها، والعلم بالرد المحكم عليها.، والحكمة، وبعد النظر وهذه صفة مهمة جدا, والحلم، والرفق فإن من تعرض له شبهة أشبه بالمريض الذي يحتاج إلى عناية ورعاية، والحزم، وذلك ينفع مع المعاند، والمجادل، بالباطل الداعي إلى شبهته الراد للحق، والسمعة الحسنة، وحسن السيرة والاستقامة فتحلي المرء بها أدعى لقبول كلامه.، والتواضع والتبسط باعتدال، مما يعينه على إقامة علاقات طيبة مع أهل المسجد والحي، فيرجعون إليه في الملمات ويقبلون كلامه.
طرق مواجهة الإمام للشبهات
وللمساعدة في المواجهة هناك بعض الوسائل المقترحة التي تساعد الإمام على مواجهة الشبهات منها مثلا، الرد بالشرح لبعض الأمور الخلافية في العقيدة وتفنيد الشبهات المثارة حولها, ونشر تلك التفنيدات بسواء بمجلة داخل المسجد تعلق على حوائطه أو بمنشورات توزع بداخل المسجد وخارجه, ويمكن عمل ذلك دون التعرض للشبهة نفسها طالما أنها لم تثر فعلياً، وهذا يكون من باب الوقاية وتحصيناً لعقول وقلوب الناس.
أما في حال إثارة شبهة على نطاق واسع، بحيث تكون متداولة بين الناس فيمكن تفنيدها من كل جوانبها بمجالس علم بعد الصلوات لبيان بطلان الشبهة, وخطب يومية أو لصلاة الجمعة, وتعليق الملصقات، وتوفير المطويات، والكتيبات، والدروس المسموعة، والمرئية التي تناقش الشبهة في قسم خاص من المسجد، ودعوة بعض الدعاة وأهل العلم لإلقاء دروس في المسجد لرد الشبهة.
أما في حال كون الشبهة مثارة على نطاق ضيق وتشكِل على شخص أو أكثر في المسجد فيمكن حصر الجهد السابق وقصره عليهم حتى لا تتسع الشبهة وتصل إلى غيرهم، ويمكن في هذه الحال أن يزور الإمام هؤلاء، أو يدعوهم لزيارته ويقيم معهم علاقات خاصة تأليفاً لقلوبهم.
التعليقات