فقه الحج (4/1)
الفصل الأول
معنى الحج ومشروعيته
وفيه بابان:
الباب الأول
تعريف الحج
تعريفه:
أولًا: لغة:
قال ابن منظور: "الحج: القصد. حجَّ إلينا فلان. أي: قدم. وحجّه يحُجُّه حجًا: قصده. وحججتُ فلانًا واعتمدته. أي: قصدته. ورجل محجوج. أي: مقصود". لسان العرب (3/52).
وقيل: الحج لغة: القصد إلى الشيء المعظَّم. التعريفات: الجرجاني (ص115). ثم غلب في الاستعمال الشرعي والعرفي على حج بيت اللَّه تعالى وإتيانه، فلا يُفهم عند الإطلاق إلَّا هذا النَّوع الخاص من القصد؛ لأنَّه هو المشروع، الموجود كثيرًا. شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة: ابن تيمية (1/75).
ثانيًا: شرعًا:
قصد بيت الله تعالى، بصفة مخصوصة، في وقت مخصوص، بشرائط مخصوصة. التعريفات (ص111).
الباب الثاني
مشروعية الحج
دل الكتاب، والسنة، والإجماع، على وجوب الحج مرة واحدة في العمر.
أولًا: من الكتاب:
قال الله تعالى: {وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَـٰعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ} [آل عمران: 97].
قال الطبري: "يعني بذلك -جلَّ ثناؤه-: وفرض واجب لله على من استطاع من أهل التكليف السبيل إلى حج بيته الحرام الحجُ إليه". جامع البيان: الطبري (7/37).
وقال ابن العربي: "قال علماؤنا: هذا من أوكد ألفاظ الوجوب عند العرب، إذا قال العربي: لفلان علي كذا. فقد وكده وأوجبه. قال علماؤنا: فذكر الله سبحانه الحج بأبلغ ألفاظ الوجوب؛ تأكيدًا لحقه، وتعظيمًا لحرمته، وتقوية لفرضه". أحكام القرآن: ابن عربي (1/285).
وقال ابن كثير: "هذه آية وجوب الحج". تفسير القرآن العظيم: ابن كثير (2/66).
ثانيًا: من السنة:
1- عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ". (البخاري رقم 8).
2- وفي حديث جبريل المشهور وفيه: ما الإسلام؟ قال صلى الله عليه وسلم: "أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتِ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا..." الحديث. (مسلم ، رقم 8).
3- وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا". فقال رجل: أكلَّ عام يا رسول الله؟ فَسَكَتَ؛ حتَّى قالها ثلاثًا. فقال صلى الله عليه وسلم: "لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُ". (مسلم.
ثالثًا: من الإجماع:
فقال ابن المنذر رحمه الله: "وأجمعوا أن على المرء في عمره حجة واحدة". الإجماع: ابن المنذر (ص 16).
وممن نقله كذلك ابن عبد البر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "فكل من لم يَر حج البيت واجبًا عليه مع الاستطاعة؛ فهو كافر باتفاق المسلمين" التفسير الكبير: ابن تيمية (3/ 227).
متى فرض الحج؟
اختلف العلماء في ذلك:
فقيل: فرض سنة ست. وقيل: سنة سبع. وقيل: سنة ثمان. وقيل: سنة تسع. وقيل: سنة عشر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وسورة آل عمران إنما نزل صدرها متأخرًا لما قدم وفد نجران بالنقل المستفيض المتواتر، وفيها فرض الحج، وإنما فرض سنة تسع أو عشر، لم يفرض في أول الهجرة باتفاق" التفسير الكبير (7/ 471).
قال ابن القيم -رحمه الله-: "لا خلاف أنه لم يحج بعد هجرته إلى المدينة سوى حجة واحدة، وهي حجة الوداع، ولا خلاف أنها كانت سنة عشر. ولما نزل فرض الحج بادر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحج من غير تأخير. فإن فرض الحج تأخر إلى سنة تسع أو عشر" زاد المعاد: ابن القيم (2/ 101).
التعليقات