أخلاق إمام المسجد
بلا شكٍّ أنَّ إمام المسجد هو داعية إلى الله، ومرشِد لعباد الله إلى ما فيه صلاحُهم في المعاش والمعاد، ودالٌّ لهم على الخير، وهو يُدير مؤسَّسة تربوية إصلاحية، وإنَّ المطلوب منه هو أكثرُ مِن إمامة الناس في الفرائضِ والصلوات الخمس، ألاَ وهو التوجيه والتربية، وأن يكونَ قدوةً حسنةً في نظرِهم، وأنْ يتفقد مَن يصلُّون خلفَه ويتابع شؤونهم،
أخلاق الإمام مع الناس:
أن يكونَ قُدوةً حَسَنةً في سلوكه وتصرُّفاته، فالناس ينظرون إلى الإسلام مِن خلاله؛ إذ هو نافذةٌ تطلُّ على معاني الدِّين، فلا يَنبغي له أن يكون آحاد الناس أفضل منه قيامًا وورعًا، واستقامةً وتهجُّدًا، وصيامًا، وقراءةً للقرآن فلا شكَّ أنَّ الأخلاقَ الحَسَنة، والسِّيرة الطيِّبة لإمام المسجد كتابٌ مفتوح، ينظر الناس من خلالِه إلى معاني الإسلام، ولها الأَثَرُ البالِغ في الاستقامة، حتى ولو لم يَسْمعوا من إمامِهم وعظًا أو إرشادًا، وقد ثبَت في السِّيرة أنَّ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - رآه أعرابي، فاسترْعَى انتباهَه بشاشتُه وعلاماتُ الصِّدق في وجهه، فقال له: أأنتَ الذي تقول عنه قريش: إنَّه كذَّاب؟! والله ما هذا الوجه وجه كذَّاب! وأسلَم إذ دعاهُ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكذا قال الحَبْرُ عبدُالله بن سلام لمَّا خرَج مع اليهود، ونظر إلى وجهه النيِّر، فقال: لما رأيتُ وجهَه علمتُ أنَّ وجهَه ليس بوجه كذَّاب؛ الترمذيُّ في صفة القيامة والرقائق والورَع، رقم (2485).
ولذا يَنبغي على إمامِ المسجد ما يلي:
1- الجُود والكَرَم: ومِن خلال السعيِ في تقديم موائدِ الإفطار، وإعانةِ الفقراء، والإسهام في إيصال المساعداتِ إليهم، والسَّعْي في الدَّلالة على المستحقِّين منهم، وعدمِ الاستئثار بشيء مِن ذلك، وقد كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - جوادًا كريمًا، يُعطي الشاةَ والبعير، وما كان في بيته صاع مِن شعير، وما سُئِل - عليه الصلاة والسلام - شيئًا فقال: لا، يقول عنه حَبْرُ الأمة، وترجمانُ القرآن عبدُالله بن عبَّاس - رضي الله عنه وعن أبيه -: "كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أجودَ بالخيرِ مِن الرِّيح المرسَلة".
2- الحِلْم: وهو سيِّد الأخلاق، فلا يَنبغي لإمام المسجد أن يكونَ نرجسيًّا يُستفزُّ لأتْفه الأسباب، فلا يَقبل نقْدَالناقدين، وكلَّما فتَح عليه المأموم أو نبَّهه إلى خطأٍ ما في تلاوته أو صلاته ثارَ في وجهه، وغضِب لنفسه، بل يكون واسعَ الصدر، حكيمًا في ردِّه وجوابه، ينظر إليهم نظرةَ إشفاقٍ ورحمة، وكان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حليمًا لا تَزيدُه شِدَّةُ الجهلِ عليه إلا حِلمًا، والإمامُ المحروم من صِفة الحِلم، والرحمة وسَعة الصَّدْر لا ينجح في عمله، ولا يَقبل الناسُ قولَه، ولو كان ما يقوله حقًّا، وهذه طبيعةُ الناس.
3- التواضع: مِن صِفات الإمام الناجِحِ التواضعُ وخفْض الجَناح، والابتعاد عن رُوح الكبرياء والتكبُّر، فينبغي له أن يعودَ المرْضَى، ويُجيب الدعوة، ويتبع الجنازة، ويَقبل عُذرَ مَن اعتذر، ويقابل السيئةَ بالحَسَنةِ والعفو والصفْح، يجالس أهلَ بيئته ومحلَّته مِن فقير وجليل ووضيع، وبعض الأئمَّة - هداهم الله - في مسجده دِكتاتوري، يُريد من الجميع أن يُنفِّذ ما يريد، ويُطبِّق ما يأمر به، ويُسارع إلى تلبيةِ حاجاته، وكأنَّه متسلِّطٌ على رقابهم، "وقد كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا يُعرَف من بيْن صحابته من تواضِعه، حتى كان القادِمُ يقول: أيُّكم محمَّد؟ أيُّكم محمد؟ وكان إذا استقبلَه الرجلُ فصافَحَه لا ينزع يدَه مِن يده حتى يكونَ الرجل ينزع يدَه، ولا يصرف وجهَه مِن وجهِه، حتى يكونَ الرجل هو يصرِف".
4- الرحمة:وهي مِن أبرزِ صِفات الإمام الناجِح، وخاصَّةً مع رُوَّاد المسجد الجُدُد، فينظر إليهم كمن يَقِف على حافِّة وادٍ سحيق، فيَحميهم من السقوط والانحدار؛ لذا فهو يَبذُلُ جهدَه لانتشالهم، فيحبُّ لهم ما يحبُّ لنفسه مِن الهُدى، ولا يكفُّ عن نُصحهم وإرشادهم، وعمومًا لا بدَّ له من أن ينبضَ قلبُه بالرَّحْمة على مصلِّي المسجد، فلا يجرح، ولا يُشهِّر على المِنبر كلَّ مَن خالفه، ولا يكسِر الخواطر، ويَكشف الأسرار، وإن أَبدى له بعضُهم نصيحة نَظَر إنْ كانت لها وجهُ نظرٍ شَكَرَه على حِرْصه، وإنْ كانت نصيحة عادية فليقل له خيرًا، وقد كان رسولُنا الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - رحيمًا في توجيهه، وصلاتِه وإمامتِه، وقد دخَل يومًا يُريد أن يُطوِّل، فسَمِع بكاءَ صبيٍّ فقرأ بـ ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾، فلمَّا انفتل من صلاته، قال: ((إنِّي سمعتُ بكاء صبي فأشفقتُ على أُمِّه))، وكان يُوصي الأئمَّةَ، ويقول: ((إذا أَمَّ أحدُكم الناسَ فلْيُخفِّف؛ فإنَّ وراءَه الضعيفَ والسقيمَ، والشيخَ الكبير، وذا الحاجة)).
وقال يوسف بن أسباط: علامة حسن الخلق عشر خصال:
1. قلة الخلاف.
2. وحسن الإنصاف.
3. وترك طلب العثرات.
4. وتحسين ما يبدو من السيئات.
5. والتماس المعذرة.
6. واحتمال الأذى.
7. والرجوع بالملامة على النفس.
8. والتفرد بمعرفة عيوب نفسه دون عيوب غيره.
9. وطلاقة الوجه للصغير والكبير.
10. ولطف الكلام لمن دونه ولمن فوقه 5.
ومن أخلاق العظماء: ما فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما جاءه ملك الجبال لينتقم له من الذين آذوه وأدموه وفعلوا به وفعلوا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً).
ومن أخلاق العظماء: ما فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح مع قومه الذين أخرجوه من أرضه، وحاربوه، وهموا بقتله، وآذوه وآذوا أصحابه واستضعفوهم، فعفا عنهم وقبل توبتهم، إنها عظمة الأخلاق، وأخلاق العظماء.
كما قال محمود الوراق:
سألزم نفسي الصفح عن كل مذنب
وما الناس إلا واحدٌ من ثلاثةٍ
فأما الذي فوقي فأعرف قدره
وأما الذي دوني فإن قال صنت عن
وأما الذي مثلي فإن زلَّ أو هفا
وإن كثرت منه عليَّ الجرائمُ
شريفٌ ومشروفٌ ومثلي مقاومُ
وأتبع فيه الحق والحق لازمُ
إجابته عرضي وإن لام لائمُ
تفضلت إن الفضل بالحلم حاكمُ
إن الإسلام جاء ليدعو إلى أحسن الأخلاق، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمر بحسن الخلق، كما جاء عنه من حديث أبي ذر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن) ، وعنه –صلى الله عليه وسلم- (إن من أحبكم إلي أحسنكم أخلاقاً) ، وكان في دعائه -صلى الله عليه وسلم-: (واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت). وقد بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثته أنها كانت لأجل شيء عظيم كما قال عليه الصلاة والسلام: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق).
إن أخلاق العظماء غالٍ جزاؤها، وعظيم أمرها، أمر بها الإسلام، وحث عليها الشارع، ووصى بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبعث لتتميمها، وأهلها هم أهل السيادة في الأرض، وإن جار الزمن، ولا يحملها إلا:
كل امرئ متَّقٍ لله محتشمِ
مهذبٌ بتقى الرحمن محتسبٌ
الله يحفظه مادام حافظَه
يخشى الذي بيديه منبع النعمِ
في شأنه لعظيم الأجر والكرمِ
ونفسه لمعالي البرِّ في نهمِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أجودَ الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يَلْقاه جبريل، وكان يلقاه في كلِّ ليلة من رمضان فيُدارسه القرآن، فلَرَسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أجودُ بالخير من الرِّيح المرسلة؛ رواه البخاري عن عبدالله بن عباس رقم (6).
2 بعض الأئمَّة يخطئ في التلاوة؛ لكونه يَنسى أو لم يُحضِّر جيدًا، فلا يُريد من أحد أن يَفتح عليه؛ لأنَّه متكبِّر! لا يحب النصيحة؛ لئلاَّ يُقال عنه: إنَّه غير حافظ أو نحوه، أو يَبحث له مخرجًا عند الفقهاء في أنه لا يجوز الفَتْح في الصلاة.
من مقال قيِّم نُشِر في دار الخليج تحت عنوان (أنت المعلِّم يا رسول الله) بقلم أحمد حلمي سيف النصر بتاريخ 5-3-2010 الجمعة، والحديث أورده الألباني - رحمه الله - في ضعيف الجامع برقم (2490) عن أنس بن مالك.
4 ((إذا أَمَّ أحدُكم الناس فليخفف؛ فإنَّ فيهم الصغيرَ والكبير، والضعيفَ والمريض، فإذا صلَّى وحْدَه فليصلِّ كيف شاء))؛ رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة رقم (467).
إحياء علوم الدين: (3/77).
صحيح البخاري: (11/8برقم:2992 ،ومسلم: (11/8 برقم: 3352).
رواه الترمذي: وحسنه الألباني: انظر: المشكاة (5083)، الروض النضير ( 855 ).
8 صحيح البخاري: (12/106برقم: 3476).
صحيح مسلم: (4/169برقم: 1290).
رواه أحمد وقال الألباني:(صحيح) انظر حديث رقم : 2349 في صحيح الجامع.
مراجع الموضوع مختصرا وبتصرف :
http://www.alimam.ws/ref/3198
التعليقات