ابن تيمية واعظًا وخطيبًا

 لم يرتقِ الإمام ابن تيمية -رحمه الله- المنبر على الأرْجح، يلقي من خلاله خطبة الجمعة، خلافًا لما ذكره الرحَّالة ابن بطوطة في مذكراته[1].

وإن كان الشَّيخ قد دخل الدَّعوة من جميع جوانبها، وشتَّى مجالاتها، وربَّما لو رقي الشَّيخ المنبر لسطر ذلك من جملة مآثره، وسجّل له في سيرته العطِرة، ولدوِّنت مواعظُه وخطبُه في مصنَّف، وأصبحت زادًا للخطباء في مجال وعظهم وإرشادهم؛ لما يمتلك الشَّيخ من قوَّة الحجَّة ووضوحها، ولما له من الأسلوب البياني الرائع، والعلم الغزير في جَميع الفنون والعلوم، شهِد له بذلك الأعداء قبل الأصدقاء[2]، ولكان قد أضيفت تلك الخطب والمواعظ إلى تراث الشَّيخ ضِمْن ما ألَّفه وصنَّفه في بيان المنهج الصَّحيح في العقيدة والسلوك، كما نقل إليْنا تلامذته رسائله ومؤلَّفاته، علمًا أنَّ الشَّيخ جلس للوعْظ والتَّدريس وعُمره تسعَ عشرة سنة.
وكانت دروسه ومواعظه موضع اهتمام وإكبار من أهل العلم قاطبة[3]؛ لكثرة ما تضمَّنت دروسه من فوائد ودُرر، وكان -رحمه الله- "يتكلَّم في الجوامع على المنابر -مواعظ لا خطب- بتفْسير القرآن وغيره، من بعد صلاة الجمُعة إلى العصر"[4]، وبحضور جهابِذة من علماء عصْره، والسَّبب في كوْن الشَّيخ لم يلتزِمْ هذا النَّوع من الوعْظ في رأيي يَرجع إلى ما يلي:
1- لَم يتقيَّد الشَّيخ بهذا النَّوع من التَّبليغ والوعظ، رغْم أهميَّته وكونه وسيلةً مؤثِّرة في التوجيه؛ بسبَب ما لقِيه من تضْييق وإيذاء طوال مسيرته العلميَّة، ومن قبل بعض علماء عصرِه، ووزراء دولته؛ ممَّا أدَّى إلى صدور مرسوم المنْع في حقِّه من إلْقاء الدروس والفتيا لعدَّة مرَّات، ممَّا كان يصعب -والحال تلك- من ممارسة وظيفة التَّعليم والتَّوجيه في المسجِد وخارجه، فكيْف من ارتِقاء المنبر وإلقاء الخطب؟! ومع ذلك فالشَّيخ لم يمتنِع من التَّوجيه والتَّربية حتَّى وهو في داخل محبسِه، كما سيأتي توضيحُه.
2- كرَّس الشيخ -رحمه الله- حياته كلَّها في سبيل الدِّفاع عن قضايا الأمَّة، وتحمَّل من أجْل ذلك المتاعب والمصائب، وحمل راية الإصْلاح والتَّوجيه والتَّربية في السلْم والحرْب، والسرَّاء والضرَّاء، ودخل إلى معترك حياة النَّاس الاجتماعية يوجِّه ويعلم، ويربِّي وينقُد ويصحِّح، ممَّا أغْناه ذلك عن الاقتِصار على هذا النَّوع من أنواع القول والتَّبليغ، وهو الخطابة.
3- برز دور الشَّيخ كواعظٍ وخطيب وبقوَّة في مجالات عدَّة؛ لما يمتلِك من أسلوب بياني، وحجَّة قاهرة تُزلزل الباطل وتقهره وتقمعه، وشجاعة نادِرة وقوَّة إيمان عميق، وثقة بالله لا حدودَ لها، أعطتْه الجراءة في مواقف كان الكثير من علماء عصره -على جلالةِ قدرهم وعلوّ كعبِهم- يُحجم عن الإقدام عليها[5]، بل تسبَّبت -تلك الجراءة- في بعْض الأحيان إلى تخلِّي بعض الأصحاب والأحباب عنه، فكان لا يعتدّ ولا يهتم لما يقال ويُشاع عنْه بذلك لقوَّة تمسُّكه بالحق، وثباته عليه، ومن هذه المواقف التي برز فيها الشَّيخ كواعظٍ وخطيب مفوّه ما يلي:
أوَّلاً: مواعظه للملوك:
ومن ذلك تصدِّيه للملك التَّتري قازان، هذا الملك الذي تنخلِع القلوب من أماكنِها عند رؤيتِه، وترتعِد الفرائص خوفًا من بطشِه وجبروته، فكان لمواعظ الشَّيخ التي اتَّسمتْ بقوَّة الحجَّة وأسلوب بياني رائع، وبعبارات قاسيةٍ أحيانًا، لكنَّها صادرة من قلبٍ امتلأ يقينًا وخوفًا من الله، كسَرَ بِموعظتِه وبصوتِه الجهْوري شهوة قازان المادّيَّة الظَّالمة، وكبح جماح هواه، وكان لها أبْلغ الأثر في نصْرة الإسلام وأهله، ودفْع شرور عظيمة عن أمَّة الإسلام، ويذكر البزار: أنَّه لما ظهر الملك التتري على دمشْق قام الشَّيخ من فورِه، وشجَّع المسلمين، وألْهب حماسَهم في خطبة وموعظة لم تكن من فوق أعواد المنبر، بل كان في مُجتمع النَّاس وناديهم، ووعدهم بالنَّصر والظَّفر، وتلا عليهم الآيات والأحاديث المتضمّنة للجهاد، أمَّا هو فانتدب ومَن معه لملاقاة الملِك نفسِه، وما أن رآه حتَّى أوْقع الله في قلْب الملك الهيبة، وأدْناه وأجلسه بجنبِه، يقول الحافظ ابن كثير في تصوير مشهد لقاء الشَّيخ بالملك: "ولقد قال أحد الَّذين شاهدوا اللقاء: كنت حاضرًا مع الشَّيخ، فجعل يحدِّث السُّلْطان بقول الله ورسولِه في العدل، ويرفع صوته ويقرب منْه ... والسلطان مع ذلك مقبلٌ عليْه مصغٍ لما يقول، شاخص إليْه لا يُعْرِض عنه، وإنَّ السلطان من شدَّة ما أوْقع الله في قلبه من الهيْبة، والمحبَّة، سأل: مَن هذا الشَّيخ؟ إنِّي لَم أر مثله ولا أثبت قلبًا منه، ولا أوْقع من حديثه في قلبي، ولا رأيتُني أعظم انقيادًا لأحد منه، فأُخْبِر بحاله وما هو عليه من العلم والعمل".
وممَّا خاطبه به في هذه المقابلة وعن طريق الترجمان: "قُل لقازان: أنت تزعُم أنَّك مسلم، ومعك قاض وإمام، وشيخ ومؤذِّنون على ما بلغنا، وأبوك وجدّك كانا كافرَين، وما عمِلا الَّذي عمِلت؛ عاهدا فوَفَيا، وأنت عاهدت فغدرْت، وقُلتَ فما وفيت، وجُرت، ثمَّ خرج بعد هذا القوْل من عنده معزَّزًا مكرَّمًا"[6].
وكان لتلك الخطبة - لما حوتْه من أسلوب رادع، وحجَّة قوية، ودعاء مؤثر في آخِرِها عليْه -والموعظة المؤثرة التي أوْقعت في قلب قازان الخوف والرهبة- أثرُها في تخليص أسْرى المسلمين من بطْش ذلك الجبَّار العنيد.
ثانيًا: مواعظه لولاة الأمر:
فقدِ اتَّسمت بالرحمة والحكمة؛ لعلم الشيخ بما يجب لولاة أمر المسلمين من الحقوق، والواجبات الشرعيَّة من النصح بالرفق، والتعامُل معهم بالحسنى وفق منهج السَّلف، "وألا يشهِّر بهم علانية، فيتَّخذ من أخطائهم سبيلاً لإثارة الفتن؛ لأنَّ ملء القلوب على ولاة الأمر يُحدث من الشر والفتنة[7] ما لا يعلمه إلاَّ الله"؛ ففي رسالة يوجِّهها للسلطان، ينصحُه فيها بإقامة شعائر الإسلام وتنفيذها، يقول: "من أحمد بن تيمية إلى سلطان المسلمين، ووليِّ أمر المؤمنين، نائب رسول الله في أمَّته بإقامة فرْض الدين وسنَّته، أيَّده الله تأييدًا يصلح به له وللمسلمين أمر الدنيا والآخرة، ويقيم به جميع الأمور الباطنة والظَّاهرة ...".
ثم يقول: "وقد استجاب الله الدعاء في السلطان فجعل فيه الخير الَّذي شهدت به قلوب الأمَّة، ما فضَّله به على غيره، والله المسؤول أن يعينَه؛ فإنَّه أفقر خلْق الله إلى معونة الله وتأييده"[8].
تأمَّل ما تحت تلك الكلمات، من اللُّطف في القول، والحرْص على إقامة شرع الله بأسلوب حكيم، ومن تلك المواعظ قولُه لسلطان مصر لما وجده قد دخل القاهرة، وتفرَّق الجند عنْه بعد سماعهم أنَّ السلطان خارج لملاقاة التَّتر، فقال له: "إن كنتم أعرضتم عن الشام وحمايته، أقمْنا له سلطانًا يحوطه ويحميه ويستغله في زمن الأمن.... إلى أن قال: لو قدّر أنَّكم لستم حكَّامه وسلاطينه، وهم رعاياكم وأنتم مسؤولون عنهم"[9]، ثم حث الأمراء والسلطان بالخروج بالجيش إلى ملاقاة العدو.
ثالثًا: مواعظه في مجامع النَّاس العامة:
وتشمل مجالات عدَّة من حياة الناس، مثل المحافل الشعبية والمناسبات الاجتماعية والنَّوادي الثقافية، انطلاقًا من قوْل الرَّسول - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: "الذي يخالط الناس ..."؛ فلم يكُن ينتظر ليأتيَ إليه الناس يستفْتونه، ويسألونه فيعِظهم ويوجِّههم، بل كان يخرج بنفسه، وأحيانًا مع بعض الأصحاب وبقوَّة إلى حياة النَّاس الاجتماعية، ينصح ويحثّ، ويوجِّه ويدعو، ويأمُر بالتَّمسُّك بالمنهج السَّليم في كلِّ مناحي الحياة، وبما يناسب المقام، مع سداد الرَّأي، وقوَّة الأسلوب ووضوح الحجَّة، يقول البزار: "كان -رضي الله عنْه- من أشْجع النَّاس وأقواهم قلبًا، ما رأيت أحدًا أثبت جأشًا منه، ولا أعظم عناءً في جهاد العدوِّ منه، كان يُجاهد في سبيل الله بقلبِه ولسانه ويده، ولا يخاف في الله لومة لائم"[10].
"وأخبر غير واحد أنَّ الشَّيخ -رضي الله عنْه- كان إذا حضر مع عسْكر المسلمين في جهاد يكون بينهم واقيتهم، وقطب ثباتهم، إن رأى من بعضِهم هلعًا أو رقَّة أو جبانة، شجَّعه، وثبَّته وبشَّره، ووعدَه بالنَّصر والظفر والغنيمة، وبيَّن له فضْل الجهاد والمجاهدين، وإنزال الله عليهم السَّكينة".
بل كان واعظًا وخطيبًا حتَّى وهو في محبسه، فقد دخل الحبس ووجد المحابيس مشتغِلين بأنواع من اللعب، يلتهون بها عمَّا هم فيه، كالشطْرنج والنرْد ونحو ذلك من تضْييع الصَّلوات، فأنكر الشَّيخ عليهم ذلك أشدَّ الإنكار وأمرهم -من خلال خطبةٍ مؤثرة- بملازمة الصَّلاة، والتوجُّه إلى الله بالأعمال الصَّالحة، والتَّسبيح والاستِغْفار، والدّعاء، وعلَّمهم من السنَّة ما يحتاجون إليْه، ورغَّبهم في أعمال الخير، وحضَّهم على ذلك، حتَّى صار الحبْس بما فيه من الاشتِغال بالعلم والدين خيرًا من الزَّوايا والربُط والخوانق والمدارس"[11].
أي موعظة بليغة تلك التي تجعل من السجن -بالرغْم ممَّا يحيط به من ظروف- خيرًا من المدارس والزَّوايا؟!
وللشَّيخ مواقف عديدة في موعظة النَّاس وتذكيرهم، شملت مجالات عدَّة من حياة النَّاس، لا يسَع البحث لسردِها كلها، وقد تميَّزت تلك المواعظ المؤثرة بجملة ميزات جعلتها القمَّة في التأْثير والقبول، ولنبدأ ببيان صفة وعظِه، وطريقة إرشاده، وبما كان يستفتح دروسه، ثمَّ نتبع ذلك بمميزات الوعظ:
صفة مجالس وعظه:
أفضل مَن نقل إليْنا صفة وعظِه وإرشاده تلامذتُه وأصحابه، يقول البزَّار: "وأمَّا ذكْر دروسه، فقد كنت في حال إقامتي بدمشْق لا أفوِّتُها، وكان لا يهيِّئ شيئًا من العلم ليلقيَه ويُورده، بل يجلس بعد أن يصلِّي ركعتَين، فيحمد الله ويثني عليْه، ويصلِّي على رسوله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - على صفة مستحْسَنة مستعذبة لم أسمعها من غيره، ثم يَشْرع فيفتح الله عليْه إيراد علوم، وغوامض ولطائف، ودقائق وفنون، ونقول، واستدلالات بآيات وأحاديث، وأقوال العلماء، ونصْر بعضها وتبْيين صحَّته، أو تزييف بعضِها وإيضاح حجَّته، واستشهاد بأشعار العرب، وربَّما ذكر اسم ناظمها، وهو مع ذلك يَجري كما يجري السيل، ويفيض كما يفيض البحْر، ويصير منذ يتكلَّم إلى أن يفرغ كالغائِب عن الحاضرين مغمضًا عينيْه، وذلك كله مع عدم فكر فيه أو رويَّة، من غير تعجرُف ولا توقُّف، ولا لحْن بل فيض إلَهي، حتَّى يبهر كلَّ سامع وناظر، فلا يزال كذلك إلى أن يصمت، وكنت أراه حينئذ كأنَّه قد صار بحضرة مَن يشغله عن غيره، ويقع عليه إذ ذاك من المهابة ما يرعد القلوب، ويُحيِّر الأبصار والعقول، وكان لا يذكُر رسولَ الله قطّ إلا ويصلِّي ويسلِّم عليه، ولا -والله- ما رأيت أحدًا أشدَّ تعظيمًا لرسول الله، ولا أحرص على اتّباعه ونصر ما جاء به منْه، حتَّى إذا كان ورد شيءٌ من حديثه في مسألة ويرى أنَّه لم ينسخْه شيء غيره من حديثِه يعمل به ويَقضي ويُفتي بمقتضاه، ولا يلتفت إلى قول غيره من المخلوقين كائنًا مَن كان، وقال -رضي الله عنه-: "كلّ قائل إنَّما يحتجّ لقولِه لا به إلاَّ الله ورسوله"[12].
أمَّا تواضُعه مع المدعوين، فيقول:
"وكان لا يسأَم ممَّن يستفْتيه، أو يسأله، بل يُقبل عليْه ببشاشة وجْه ولين عريكة، ويقِف معه حتَّى يكون هو الَّذي يفارقه، كبيرًا كان أو صغيرًا، رجُلا أو امرأة، حرًّا أو عبدًا، عالمًا أو عاميًّا، حاضرًا أو باديًا، ولا يجبنه، ولا يحرجه، ولا ينفِّره بكلام يُوحشه، بل يجيبه ويفهمه، ويعرفه الخطأ من الصَّواب بلُطْف وانبساط".
وأمَّا صفة خاتمة دروسه فيقول أيضًا:
"وكان إذا فرغ من درْسه يفتح عينيْه، ويقبل على النَّاس بوجه طلق بشيش، وخلق دمث كأنَّه قد لقِيهم حينئذ، وربَّما اعتذر إلى بعضِهم من التَّقصير في المقال مع ذلك الحال، ولقد كان درْسه الَّذي يورده حينئذٍ قدْر عدَّة كراريس، وهذا الَّذي ذكرته من أحوال درْسه أمر مشهور يوافقُني عليه كلُّ حاضر بها، وهم بِحمْد الله خلق كثير لَم يحصر عددهم، علماء ورؤساء وفضلاء، من القرَّاء والمحدّثين، والفقهاء والأدباء، وغيرهم من عوامّ المسلمين"[13].
أمَّا ما تميَّزت به مواعظه من ميزات ومقوِّمات، فهي:
1- التَّأكيد على معاني العقيدة:
وهو الذي جاهد الشَّيخ طيلة حياته من أجل توضيحها، وغرس معانيها في النفوس، والتَّحذير من وسائل الشرك المضادَّة لها، وشدّ النَّاس إلى غاية عظيمة وهي ابتغاء مرضاة الله، وتقْديم رضاه على رضا المخلوقين، والتطلُّع إلى ما عند الله من النَّعيم، ومن تلك المواعظ المؤثرة أنَّه:
كان مرَّة عند بعض أمراء التَّتر بالمشرِق، وكان له صنم يعبده، قال: فقال لي: هذا الصَّنم يأكُل من هذا الطَّعام كلَّ يوم، ويبقى أثر الأكْلِ في الطَّعام بيِّنًا يُرى فيه، فأنكرتُ ذلك، فقال لي: إنْ كان يأكل أنت تَموت؟ فقلت: نعم.
فأقمتُ عنده إلى نصْف النَّهار ولم يظهر في الطَّعام أثر، فاستعظمَ التَّتريُّ ذلك، وأقسم بأيمان مغلَّظة أنَّه كلَّ يوم يرى فيه أثرَ الأكل لكن اليوم بحضورِك لم يظهر ذلك، فقلتُ لهذا الشَّيخ - تأمَّل موعظة الشَّيخ وأسلوبه في الإقناع -: أنا أبيِّن لك سبب ذلك، ذلك التَّتري كافر مشرك، ولصنمِه شيطان يُغْويه بما يظهرُه من الأثَر في الطعام، وأنت كان معك من نور الإسلام وتأْييد الله -تعالى- ما أوْجب انصراف الشَّيطان عن أن يفعل ذلك بحضورك، وأنت وأمثالك بالنسبة إلى أهل الإسلام الخالص كالتَّتري بالنسبة إلى أمثالك؛ فالتَّتري وأمثاله سود، وأهل الإسلام المحض بيض، وأنتم بلق فيكم سواد وبياض، فأعجب هذا المثل من كان حاضرًا.
وقلت لهم في مجلس آخر لما قالوا: تريد أن نظهر هذه الإشارات؟ قلت: إن عمِلْتموها بحضور مَن ليس من أهل الشَّأن من الأعراب والفلاحين، أو الأتراك أو العامة، أو جمهور المتفقهة والمتفقِّرة والمتصوفة -لم يحسب لكم ذلك، فمن معه ذهَب، فليأتِ به إلى سوق الصَّرف إلى عند الجهابذة الَّذين يعرفون الذَّهَب الخالص من المغشوش من الصفر، لا يذهب إلى عند أهل الجهْل بذلك، فقالوا لي: لا نعمل هذا إلاَّ أن تكون همَّتك معنا، فقلت: همَّتي ليست معكم بل أنا معارض لكم مانع لكُم؛ لأنَّكم تقصدون بذلك إبطال شريعة رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم-؛ فإن كان لكم قدرة على إظهار ذلك فافعلوا، فانقلبوا صاغرين"[14].
2- اتباع السنَّة في الموعظة:
فقد كان الشَّيخ كثيرًا ما يبدأ بخُطبة الحاجة، ويقتصد في الموعظة، ولا يتحدَّث إلاَّ فيما يعقله النَّاس من مسائل الدين، قال البزار: "وفي يوم الجمعة صلَّى الشَّيخ في جامع الحاكم، وجلس فاجتمع إليه خلْق عظيم، وسأله بعضهم أن يتكلَّم بشيء يسمعونه منه، فلم يُجِبْهم إلى ذلك، بل كان يتبسَّم وينظر يمنة ويسرة، فقال له رجل: قال الله في كتابه الكريم: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ)[آل عمران: 187]؛ فنهض الشيخ قائمًا، وابتدأ بخُطبة الحاجة -خطبة ابن مسعودٍ، رضي الله عنْه- ثمَّ استعاذ بالله من الشَّيطان الرَّجيم وقرأ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ)[الفاتحة: 1 - 7].
وتكلَّم على تفسير قوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، وفي معنى العِبادة والاستعانة إلى أن أذَّن مؤذِّن العصر"[15].
ويقول أيضًا: "وكان غالبًا لا يقطع إلاَّ ويفهم السَّامعون أنَّه لولا مضيّ الزَّمن المعتاد، لأوْرد أشياءَ أُخَر في معنى ما هو فيه من التَّفسير، لكن يقطع نظرًا في مصالح الحاضرين"[16].
3- الإخلاص والصدق:
فكانت مواعظه تصدرُ من قلبٍ صادق، لا يَحول بيْنه وبين المدعوِّين أيّ حائل سوى مخافة الله ومراقبته، وكانت مواعظه تأتي بنتائج إيجابيَّة مؤثرة، بخلاف ما كان يعتقِد أصحابه وأتْباعه من أنَّها سوف تؤدِّي إلى قتله، أو إحداث فتنة كبيرة، ومن ذلك قيام جماعة من الغوْغاء على الشَّيخ بجامع مصر، وضرْبه وقيام أهل الحسينيَّة وغيرهم انتصارًا للشيخ، ثمَّ صفْحه هو عمَّن آذوه، فقد تكلَّم الشَّيخ في تفسير: (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، وفي المسألة التي كانت الفتنة بسببها، لكن بأسلوبٍ بليغ وواضح، قطَع به الحجَّة، وأزال الشُّبَه؛ فقال خصومُه بعد سماعهم للموعظة البليغة: "والله لقد كنَّا غالطين في هذا الرَّجُل لقيامنا عليه، والله إنَّ الَّذي يقوله هذا هو الحق، ولو تكلَّم هذا بغير الحقّ لم نمهِلْه إلى أن يسكت، بل كنَّا نبادر إلى قتله"[17].
وهذا السّرُّ في تأثير مواعظ الشَّيخ فيمن يخاطبهم ويدعوهم؛ لصدقه وإخلاصه أوَّلاً، وثانيًا فقد كان لا يكتفي بالخطب والمواعظ الرنَّانة، بل كان يقارن الموعظة بالتَّطبيق، والقول بالعمل والمشاركة الفعَّالة.
4- قوَّة الحجَّة ووضوح البرهان:
وقد تميَّزت مواعظ الشَّيخ ومحاورته -خاصَّة لضعاف البصيرة- بوضوح الحجَّة، وحسن البيان، وضرْب المثل، وسرعة البديهة، مع الرِّفْق في القول، والحرص على الهداية، ومن ذلك:
"لمَّا قدم التَّتار سنة 702 وأحاطوا بدمشق، وعظَهم وذكَّرهم ووعدَهم بالنصر، وكان يتأوَّل قوله تعالى: (وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ)[الحج: 60]، وجعل يحلِف بالله الَّذي لا إلهَ إلاَّ هو إنَّكم لمنصورون؛ فيقول له بعض الأمراء: قل: إن شاء الله، فيقول: أقولُها تحقيقًا لا تعليقًا، وأفتى النَّاس بالفِطْر إذ كانت هذه وقعة "شقحب" في رمضان"[18].
ومن ذلك لمَّا وقعت الشبهة في كون التَّتر مسلمين، وأنَّه لا يجوز لذلك قتالُهم، فوعظَهم وخطب بهم حيث تردَّد بعض الجند في قتال هؤلاء لأنَّهم يزعمون أنَّهم مسلمون، فأفتاهم ابن تيمية وبيَّن حكم الإسلام فيهم، وأنَّهم من جنس الخوارِج الَّذين خرجوا على عليٍّ ومعاوية، حتَّى كان يقول لهم: "إذا رأيتُموني وأنا في ذلك الجانب -أي: معهم- وعلى رأْسي المصحف فاقتلوني"، وكان يدور على الجند والأمراء في الميدان فيأكُل أمامهم، ليبيِّن لهم أنَّه مفطِر، ويروي لهم قولَ الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- في عام الفتْح: "إنَّكم ملاقو العدوّ غدًا والفطر أقوى لكم"[19].
5- الرفق واللطف بالقول والكلام:
وهذا ديْدنه في الدَّعوة؛ لعلمه أنَّ الرفق ما كان في شيء إلاَّ زانه، وأحيانًا يُغْلِظ في الكلام لمناسبته للحال، ومع بعض الأصحاب ومقصوده نصرة الدين، يقول الشيخ: "وتعلمون أيضًا أنَّ ما يجري من نوع تغليظ، أو تخشين على بعض الأصحاب والإخوان، ما كان يجري بدمشق وممَّا جرى الآن بمصر، فليس ذلك غضاضة ولا نقصًا في حقّ صاحبه، ولا حصل بسبب ذلك تغيُّر منَّا ولا بغض، بل هو بعد ما عومل به من التَّغليظ والتخشين أرفع قدرًا، وأنبه ذكرًا، وأحب وأعظم، وإنَّما هذه الأمور هي من مصالح المؤْمنين التي يصلح الله بها بعضهم ببعض، فإنَّ المؤمن للمؤمن كاليديْن تغسل إحداهُما الأخرى، وقد لا ينقلِع الوسخ إلاَّ بنوع من الخشونة، لكن ذلك يوجب من النَّظافة والنعومة ما نحمد معه ذلك التَّخشين، وتعلمون أنَّا جميعًا متعاوِنون على البرّ والتَّقوى، واجب عليْنا"[20].
6- الوضوح التام الَّذي لا لبس فيها ولا غموض:
فمواعظ الشَّيخ خالية من الألفاظ المعقَّدة، تجمع بين العقل والعاطفة، بعيدًا عن ترَّهات وخزعبلات الصوفيَّة، وتعقيدات الفلاسفة؛ لأنَّ الغرض هو إيصال المعاني المطْلوبة إلى النَّاس ليفهموها، ويطبِّقوها حتَّى يسعدوا في حياتِهم وبعد مماتهم، فكانت تتضمَّن الآيات القرآنيَّة، والاستدلال بالأحاديث الصَّحيحة؛ ففي القرآن والسنَّة الوعظ التَّامّ والشفاء، والتَّرغيب في الجنَّة ونعيمها، والتَّخويف والتَّرهيب من الشَّرّ وموجباته، وكانت مجالس الوعظ تضمّ من مختلف الشَّرائح من الجند والفلاحين، والصنَّاع، والعمَّال والعُلماء، والمتفقِّهة، والصوفيَّة والمرابطين، يقول البزار: "وكان مجلسه عامًّا للكبير والصغير، والجليل والحقير، والحرّ والعبد، والذَّكر والأنثى، قد وسع على كلّ مَن يرد عليه من الناس، يرى كلٌّ منهم في نفسِه أن لم يكرم أحدًا بقدره"[21].
والكلّ يفهم ما يتحدَّث به الشيخ، فليس في مجالس الشَّيخ ألغاز أو أسرار، أو باطن أو ظاهر، أو ما هو خاصّ للخاصَّة أو خاصَّة الخاصَّة دون العامَّة، فالشَّيخ يؤمن كمال الإيمان أنَّ الله أتمَّ الدين، وأكمل النعمة، ووضَّح لجميع الخلق الشرع والدين، يقول الشَّيخ -رحمه الله- في ردِّه على من ادَّعى أنَّ في مواعظ ابن عربي سرًّا لا يعلمه إلاَّ الخواصّ: "ومَن قال: إنَّ لقول هؤلاء سرًّا خفيًّا وباطن حق، وأنَّه من الحقائق التي لا يطّلع عليها إلا خواصّ خواص الخلق - فهو أحد رجلين: إمَّا أن يكون من كبار الزَّنادقة أهل الإلحاد والمحال، وإما أن يكون من كبار أهل الجهل والضلال؛ فالزنديق يجب قتلُه، والجاهل يعرَّف حقيقة الأمر، فإن أصرَّ على هذا الاعتِقاد الباطل بعد قيام الحجَّة عليه، وجب قتلُه"[22].
الخلاصة: يُستفاد مما تقدم:
أنَّ الشيخ كان واعظًا وخطيبًا، حمل راية الإصلاح والتوجيه، والتَّربية على معاني الإسلام، في شتَّى الميادين، حيث كانت عمليَّة الوعظ عند الشَّيخ تسدّ أكثر الثغرات في المجتمع الإسلامي؛ لما يملك من أسلوب حكيم، وجراءة على قوْل الحقّ، وعلم راسخ، وحجَّة داحضة للشُّبهات، ومهابة في قلوب الخلق، وكانت مواعظُه تعالج معظم الانحرافات التي ابتُلي بها عصره، من بِدَع وخرافات، وأمراض اجتماعيَّة، وقد قام بها كلّها أحسن قيام، لما تمتَّع به من مزايا وصفات، ذكرنا طرفًا منها، ومن هنا نقول: إنَّ عمليَّة الوعظ والخطابة لا تقتصِر على نوع معين كالخُطبة يوم الجمعة -مع أهميَّتها- بل تتَّسع الدائرة لتشمل أنواعًا أخرى لها الدَّور والتأثير الأكبر في الإصلاح والتربية، مثل التَّوجيه والخطابة في الميادين العامَّة الجامعة للنَّاس، والنَّوادي الثقافيَّة، وفي وسائل الإعلام المرئيَّة والمسموعة؛ لأنَّ مَن يأتون إلى المسجد هم صِنف معيَّن من شرائح المجتمع المختلفة، وعلى المؤسَّسات والهيْئات المسؤوليَّة في إعداد خطباء ووعَّاظ في تذْكير النَّاس في مختلف مرافق المجتمع، تتوفَّر فيهم الصِّفات المطلوبة من أجْل توعية المجتمع على مبادئ الإسلام وتعاليمه.
والموضوع -مواعظ شيخ الإسلام ابن تيمية ودوْرها في التربية- يحتاج إلى أُطروحة أو رسالة، ووفق خطَّة واضحة المعايير[23]، تتوفَّر فيها كلُّ المتطلَّبات، تتناول الموضوع من جميع جوانبِه، والحديث عمَّا يمكن للدَّاعية أن يستفيد من دُروس وتجارب في مجال عمله؛ لتكون زادًا علميًّا غنيًّا يكون موضع اهتمام الخطيب والواعظ وطلبة العلم؛ للتعرف على منهج الشيخ في وعظه ودروسه للأخذ بها والاستفادة منها ثانيًا، وبالله التوفيق.
وصلَّى الله على عبْدِه ونبيِّه محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــــــ
[1] زعم الرحالة ابن بطوطة أنَّه شاهد ابن تيمية -رحمه الله- على منبر الجامع بدمشْق يعظ الناس، ويشبّه نزول الله إلى السَّماء الدنيا بنزوله هو من درجة المنبر.
وقد ذكر العلماء أنَّ تلك الرواية لا قيمة لها، ولا وزْنَ في الميزان العلمي والبحْثي، وتناولوا رحلة ابن بطوطة بالتَّحليل والنقد، وتوصَّلوا إلى أنَّ الرواية لا سند لها، بل هي مختَلَقة لأدلَّة لا مَجال لذكرِها هنا، وممَّن فنَّد القصَّة الشَّيخ العلاَّمة أحمد بن حجر آل بو طامي -رحمه الله- في كتابه "نقض كلام المفترين على الحنابلة السلفيّين" ص 42، وفنَّدها قبله علامة العراق نعمان الآلوسي في كتابه "جلاء العينين في محاكمة الأحمدين" للآلوسي ص88، طبع مؤسَّسة الرسالة، ورسالة للمحقّق محمد بهجت البيطار بعنوان "حياة شيخ الإسلام ابن تيمية" تحت عنوان: دفع فرية عن ابن تيمية.
[2] انظر مكانة الشيخ العلمية، وثناء العلماء عليه في "العقود الدرية" لابن عبدالهادي ص6 وص23، وكتاب "الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية" للبزار ص18 و19، وانظر "البداية والنهاية" للحافظ ابن كثير 14 /134.
[3] ذكر الحافظ في "البداية والنهاية" من حضر درس الشيخ من العلماء، وعمره إذ ذاك اثنان وعشرون سنة، وكان درسًا هائلاً كتبه الشَّيخ تاج الدين الفزازي بخطِّه لكثرة فوائده، وكثرة ما استحسنَه الحاضرون.
انظر من الكتاب 13 /303، والعقود الدرية ص4 وما بعدها.
[4] الأعلام العلية، الفصل الثاني: في بيان غزارة علمه، وممَّن نقل ما تضمَّنته دروس الشَّيخ: العلامة مرْعي الكرمي في "الكواكب الدرية" ص156.
[5] انظر بعض المواقف العصيبة التي كان الشَّيخ يقدم عليْها برباطة جأش دون خوف في "الأعلام العلية" ص45، 46، وما موقفه الجريء من الملك قازان إلاَّ دليل على شجاعتِه، وقوَّة قلبه، انظر "الأعلام العلية" ص71 74، ويذكر البزار أنَّه اجتمع عليْه خلق كثير وتفرَّق عنه النَّاس خوفًا، فقال: إنْ هم إلاَّ كالذّباب، ورفَع كفَّه إلى فيه ونفخ فيه، قال - أحد أصحابه -: وقام وقمنا معه حتى خرجنا، فأتي بحصان فركبه ويختل بذؤابته، فلم أر أحدًا أقوى قلبًا، ولا أشدَّ بأسًا منه، انظر "العقود الدرية" ص285.
[6] انظر تفصيل الحادث في "الأعلام العلية" ص71 - 74، وذكره ابن كثير في "البداية والنهاية" 14 /89 عند ذكر ترجمة الشَّيخ البالسي، قال الحافظ ابن كثير: وقد سمِعْت هذه الحكاية من جماعة غيره، وقد قال له قاضي القضاة ابن صصري: كدت تهلكنا وتهلك نفسك! والله لا نصحبك من هنا، فقال له الشَّيخ: وأنا والله لا أصحبُكم، أمَّا الشَّيخ فما وصل إلى دمشق إلاَّ في نحو ثلاثمائة، وأمَّا مَن رفض صحبتَه فخرج عليهم التتر!
[7] من كتاب "مقاصد الإسلام" للشيخ صالح العثيمين ص393، وكتاب "حقوق الراعي والرعية" للشيخ محمد صالح العثيمين -رحمه الله- وانظر مجموع كلام العلماء في "الدرر السنية" 9 /199.
[8] مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية، 28 /241 - 243.
[9] دار هذا الحوار قبل أحداث موقعة شقحب الشَّهيرة في مواجهة جند التتر، وقد ذكر الحادثة بالتفصيل ابن كثير في "البداية والنهاية" ج17 /735، ومن خلال تحليل موضوعي رائع ذكر ابن عبدالهادي دروس الرسالة والحادثة وما يستفاد منها في 52 صفحة، وقد ربط الإمام الشَّيخ حادثة معركة شقحب بغزوة الأحزاب، وما رافقها وصاحبها من ظروف وملابسات، وتفاصيل دقيقة، انظر "العقود الدرية" من ص120 لغاية ص 175.
[10] الأعلام العلية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية، ص69 و70.
[11] سجن الشيخ مرَّات عديدة، منها: سجنه في سجْن القضاة في مصر سنة 707، وسجن أيضًا في سجن الإسكندرية سنة 709، وسجن في قلعة دمشق مرَّات كان آخرها سنة 726 هجرية، فكان دخوله للسجْن عبارة عن دخول واعظ مصلح، يرشِد ويعلِّم السُّجَناء، ويجعلهم أداةً للإصْلاح والسلوك الجيّد، على أنَّ بعض مؤلَّفات الشَّيخ سطرت في غيابات السجون، وكانت ترْسَل إليه الفتاوى من الأمصار ليجيبَ عليها، وهو فرح مسرور بما قسم الله له، منشرح الصدر، جنته في صدره، وانظر "العقود الدرية" ص286.
[12] الأعلام العلية، ص13 الفصل الثاني: في غزارة علومه ومؤلَّفاته ومصنفاته.
[13] ينظر في كتاب "الأعلام العلية" الفصل الثاني، ففيه تفصيل عن صفة مجلس الوعظ الذي كان الشَّيخ يلقي دروسه ومواعظه فيه.
[14] مناظرة الشَّيخ للبطحائية أو الرفاعية، وتأمَّل أسلوب الشيخ في الموعظة، حيث تمكَّن من إقناع قوْم من المتعصِّبين المحترقين للتصوُّف؛ لما يمتلك من أسلوب وحجَّة قويَّة، كم نحتاج اليوم من الدُّعاة مَن يمتلكون مثل هذه المقوِّمات في الدَّعوة، وانظر تفاصيل الخبر في "البداية والنهاية" 14 /36.
[15] العقود الدرية ص283 وما بعدها، حيث تبتدئ معاناة الشَّيخ من علماء عصره، وما لفَّقوا عليه من تُهم وأباطيل، جعلتْه ينتقل من سجن لآخر، حتَّى كانت وفاته في سجن القلْعة الشهير صابرًا محتسبًا، رحمه الله تعالى.
[16] الأعلام العلية ص6 وما بعدها، وكانت غالب مواعظِه في تفسير كتاب الله، حتى قيل إنَّه شرع في جمع تفسير لو أتمَّه لبلغ خمسين مجلدًا.
[17] العقود الدرية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية ص302، في رابع شهْر رجب من سنة إحدى عشرة وسبعمائة، والعجيب أنَّ الشَّيخ كان يلتمس لهم المعاذير، وهم مُجتمِعون ومجمعون على قتله!
[18] ابن كثير في "البداية والنهاية" ج17 /735، العقود الدريَّة من ص120 إلى ص175.
[19] المصدر السابق.
[20] العقود الدرية 279 رسالة بعثَ بها الشَّيخ إلى أهلِه وإخوانه في دمشق، تضمَّنت قواعد عظيمة في التعامُل مع المخالفين، وبيان عفو الشيخ وصفحه عمَّن آذوه وظلموه.
[21] الأعلام العلية في بيان ذكْر دروسه ومن كان يحضرها، ص13وما بعدها.
[22] مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- (2 /378 - 379).
[23] حسب اطلاعي المتواضع لم أر مَن تناول هذا الموضوع الهام في رسالة مستقلَّة، فضلا عن رسالة ماجستير أو دكتوراه، وإنَّما معلومات متناثرة في صفحات الكتب والرسائل.
 

 

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.