أخطاء شائعة ينبغي للخطيب التنبيه عليها
الجمعة من شعائر الإسلام العظيمة وأركانه الجليلة، وهي إجازة المسلمين عامة وعيدهم الأسبوعي، كما أنها المنبر الإعلامي الإسلامي الحر، والوسيلة التوجيهية الإرشادية الأجدر.
وفيها يشرع أن يخطب الخطيب خطبتين يستفتحهما بحمد لله والثناء عليه، ثم الصلاة والسلام على رسوله، يحث الناس على تقوى الله ويذكرهم الآخرة، ثم يدلف إلى موضوع خطبته الذي انتقاه كما ينتقى أطايب الطعام، محاولا أن يكون موضوعه موضوعا يلائم حاجة الناس ويلامس أوضاعهم، مركزا على ما هو للمستمعين أهم وللحاضرين أحوج من أمور دينهم ودنياهم، فيشرع مستعينا بالله -تعالى- مستعرضا أفكار خطبته وعناصر مادتها، مدعما لها بأدلة الكتاب والسنة ومعززا مضمونها بشواهد عن السلف وأئمة الخلف وأهل الذكر والاختصاص من كل فن ومجال تطرق إليه. ثم بعدهما يصلي بالمأمومين ركعتين جهريتين.
والجمعة -يا كرام- واجب شهودها على المسلمين في المصر الذي أقيمت فيه، ووجب اجتماعهم للخطبة والصلاة وفق آداب شرعية وضوابط فقهية؛ والتي منها شروط وبعضها واجبات ومنها مستحبات، كما نهوا عن أشياء بعضها محرمة وأخرى دون ذلك، لكن للأسف لا زلت ترى أخطاء متنوعة وتجاوزات متكررة، كان لزاما على الدعاة عموما وخطباء الجمعة خصوصا التنبيه عليها؛ خاصة أن بعضها قد تبطل الجمعة أو تلغي أجر صاحبها وأقل أحوالها أنها سبب في نقص ثوابها.
والخطيب متى رأى تلك التجاوزات والمخالفات الشرعية وجب عليه منع حدوثها ويحذر مرتكبيها ولو حال خطبته من على منبره؛ خصوصا إذا كانت الأخطاء مخلة وقادحة، كما كان هديه عليه الصلاة والسلام مع بعض المخالفين؛ فقد زجر المتخطي رقاب الناس وأمر من جلس دون أن يركع أن يقوم فيصليها.
وهاكم بعض الشواهد على تلك الأخطاء الشائعة والمخالفات الشرعية المنتشرة:
1/الوقوف عند أبواب المساجد حال الخطبة؛ وتنتشر هذه الظاهرة عند صنف المتأخرين عن الخطبة؛ بسبب أنهم لم يجدوا متسعا لهم داخل المساجد فتجدهم وقوفا عند أبوابها مع ما يصاحب ذلك من تزاحم وحركة وربما صاحب ذلك حديثا؛ وهذه النتيجة ناتجة للأسف من غفلة الكثير وضعف همتهم للتبكير للجمعة، وفي هذا تفريط ومخالف لحثه -عليه الصلاة والسلام- على التهجير لها.
2/الكلامي الجانبي؛ وهذا يراه الخطيب والمستمع؛ فربما رأيت أو سمعت من يتحدث مع الذي بجواره؛ وأكثر هذه الظاهرة ظهورا عند أولئك الذين يحرصون على الجلوس إلى السواري والجدران ومن الشباب خصوصا.
ومعلوم أن الكلام حال الخطبة حرام إلا إن كان مع الخطيب للحاجة، إذ الكلام محرم ولو لرد السلام أو لتشميت العاطس أو لنهي عن منكر وغيره؛ لأن الواجب في حق من حضر الخطبة الاستماع والانصات؛ لقوله صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت"؛ أي جئت بكلام باطل لاغ وفعلت ما لا ينبغي، وبهذا تكون قد ألغيت على نفسك أجر الخطبة.
3/كثرة الحركة والحركة العبثية التي لا حاجة لها والتنقلات من مكان لآخر دون حاجة؛ فالأمر بالاستماع والانصات يقتضي سكون الجسد وحضور القلب والانتباه والتركيز، وهذه لا تتحقق مع كثير الحركة، وفي الحديث؛ "من مسَّ الحصى فقد لغا"؛ أي ألغى ثواب جمعته فصار لا جمعة له، وأمثلة هذا العبث كثيرة كالجوال والساعة وغيرها.
4/الانشغال بالأطفال وممازحتهم واللهو معهم؛ وإنه وإن كنا مأمورين بتربية أبنائنا على الصلاة وترويضهم عليها واصطحابهم للمساجد لتحبيبها لهم؛ لكن غالبا ما يصاحب هذا الترويض أمران؛
أحدهما: ترك البعض أطفاله في المسجد خصوصا غير المميزين دون مراقبة أو تأديب فيترك لهم الحبل على الغارب فيسرحون ويلعبون ويمازحون ويصارخون ويلهون، وفي ذلك شغل للمصلين والمستمعين والخطيب.
ثانيهما: انشغال الأب بأولاده عن الخطبة التي وجبت في حقه وأمر بالاستماع لها والانصات، وربما جره ذلك لمداعبتهم والضحك معهم والحديث إليهم.
5/إشعارات الجوال ونغماته وتنبيهاته، لأن فيها إشغالا للقلب والذهن وإلهاء للفكر والأذن عن الاستماع والانصات للخطيب، والأصل أن على من حضر التخلص من كل ما يلهيه عن الخطبة والفكاك من كل ما يشغله عن التركيز مع الإمام.
6/النعاس وسببه في الغالب كثرة السهر، وهذا يتعارض مع الغاية التي لها أقيمت الخطبة وحق من وجب عليه شهودها؛ فالقصد من شهودها هو الاستماع للفائدة، وإلا لماذا نهي الناس عن مس الحصى وعن الكلام، وأمروا بالاستماع والإنصات.
7/التباطؤ عن التبكير للجمعة والغفلة عن التهجير لها، وهذه ظاهرة منتشرة؛ حيث عزف كثير من المسلمين عن هذه السنة وفرطوا في فضلها، وربما بدأ الخطيب خطبته وليس في المسجد سوى نزر يسير بين يديه، بينما تتوافد جموع المصلين للخطبة على طول الوقت، والسيء أن تنتهي الخطبة وبعضهم داخل للتو، والأسوأ من يحضرها وقد انتهت وشرعوا في الصلاة؛ ولا تستغرب إن قلت أن بعضهم لم يشهد منها سوى التشهد من الصلاة وبعضهم جاء فصلى ظهرا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فأي تعظيم عند هؤلاء لهذه الشعيرة العظيمة والمناسبة المباركة؟! وأين تعظيمهم لأمر الله في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ).
وخوفهم من مغبة التفريط فيها الوارد في قول نبيه -عليه الصلاة والسلام-: "لينْتَهِيَنَّ أقوام عن وَدْعِهم الجمعة والجماعات، أو ليَخْتِمَنَّ الله على قلوبهم، ثم ليكُونُنَّ مِن الغافلين"، وقوله عن فضل التبكير لها ومراتب الأجر المترتب على التهجير؛ "مَن اغتَسَلَ يومَ الجُمُعةِ غُسلَ الجَنابةِ، ثم راحَ في السَّاعةِ الأُولى، فكأنَّما قرَّب بَدنةً، ومَن راحَ في السَّاعةِ الثانيةِ، فكأنَّما قرَّبَ بقرةً، ومَن راح في السَّاعةِ الثالثة، فكأنَّما قرَّبَ كبشًا أقرنَ، ومَن راحَ في السَّاعةِ الرابعة، فكأنَّما قرَّبَ دَجاجةً، ومَن راح في السَّاعةِ الخامسةِ، فكأنَّما قرَّب بيضةً، فإذا خرَج الإمامُ حضرتِ الملائكةُ يَستمِعونَ الذِّكرَ".
8/الزهد عن الصفوف الأولى تتبعا لسواري المسجد ومسانده وجدرانه؛ وكان الأحرى بالعاقل أن يسارع للصفوف الأول طلبا للأجر وتطلعا للفضل وحرصا على الفائدة، وفي الحديث "من غسَّل واغتسل، وبكر وابتكر، ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ؛ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها"، خصوصا وأن في الدنوا من الإمام أكثر فائدة وأشد انتباها وتفاعلا.
9/الحبوة، وذلك مظنة انتقاض الوضوء وجلبا للنعاس، فأما الأول فيبطل عليه صلاته، والثاني يفوت عليه سماع الخطبة والتي من أجلها حضر، وفي الحديث أَنَّ النَّبِيَّ -ﷺ-: "نَهَى عَنِ الحبْوَةِ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ"(رواهُ أَبُو داود والترمذي وَقَالا: حدِيثٌ حَسَنٌ).
10/حضور المستمع شارد الذهن مشتت الانتباه غارق التفكير؛ وفي كلها غفلة عن الخطبة وتفويت لها. ولو كان الأمر بالهين السهل لماذا ورد الأمر بالاستماع والانصات والنهي عن الكلام حتى ولو كان في أمر بمعروف أو نهي عن منكر..
11/استعمال السواك أثناء الخطبة؛ وتركه أولى لأنه ملهاة عن الخطبة، والناس مأمورون بالانتباه للخطبة والتوجه للخطيب بأجسامهم وقلوبهم وحواسهم.
12/العبث والالتهاء ببعض المحمولات كالجوال والساعة والقلم وقوارير الماء وغيرها؛ فإذا كان المستمع قد نهي عن مس الحصى لما فيها من شغل عن الخطبة وملهاة وصرف للقلب والذهن عن كلام الخطيب؛ فهذه من باب أولى كون الانشغال بها أعظم.
13/الأكل والشرب بعد دخوله المسجد وقبل جلوسه من الأطعمة أو التمور المعدة للمصلين على طاولات بعض المساجد، وكان الأحرى به حين حضر متأخرا أن يسارع لصلاة ركعتين ثم يستمع الخطيب وليس أن يصرف مزيد وقت لتناول بعض المأكولات والمشروبات؛ فإذا كان المشروع في حق من دخل والمؤن يؤذن أن يركع ركعتين ويترك متابعة المؤذن كون استماع الخطبة واجب بينما الترديد وراء المؤذن سنة والواجب مقدم على المسنون؛ فكذلك الأكل والشرب خوصا إذا كان لغير حاجة وأخذ وقتا طويلا فلا شك أن ذلك منهي عنه.
14/أن يبقى الداخل واقفا يردد بعد المؤذن حتى ينتهي بينما الإمام يخطب؛ وكان الصواب في حقه صلاة ركعتين ليدرك الخطبة؛ لأن سماعها واجب والترديد بعد المؤذن مستحب والواجب مقدم على المستحب.
15/صلاة ركعتين بين الخطبتين، وهاتان الركعتان لم يرد فيهما دليل شرعي، بل الأولى أن يدعو في هذه اللحظات لأن الدعاء فهيا أحرى بالإجابة، ولا يجوز لإنسان أن يصلي فيها إلا لمن دخل للتو أو رجل دخل ولم يصلها ثم ذكر أو ذكره الإمام فالسنة أن يقوم فيصليها.
16/حبس الأخبثين حال الخطبة والصلاة وهو حاقن لهما؛ لأن في مدافعتهما شغل عن الجمعة وملهاة عن الخشوع في الصلاة والطمأنينة فيها، وفي الحديث "لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان".
17/الشرب حال الخطبة؛ إلا لحاجة وضرورة، وفي تعليق الشيخ العثيمين على الكافي قوله: "إن احتاج، وعطش عطشا يشغله عن استماع الخطبة: فلا بأس أن يقوم ويشرب"، أما إن كان لغير حاجة فلا يصح؛ فإذا كان نهي المستمع عن مس الحصى وهي حركة يسيرة فإن النهي في حق من شرب أعظم لحاجته لحركة أكثر.
18/قطع الصفوف والمرور بين يدي المصلين للوصول إلى مقدمة المسجد، والنهي عن ذلك صريح في سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- حيث قال: "لمن رآه يتخطى الصفوف اجلس يا هذا فقد آذيت"، وقوله للمار بين يدي المصلي: "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم لكان عليه أن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه"، وهذه تحدث من المتأخرين -هداهم الله- ولو أنهم بكروا لزالت هذه المخالفة.
19/جلوس الداخل دون أن يصلي ركعتين تحية المسجد، والسنة في حق من دخل مسجدا وأراد الجلوس أن يصلي ركعتين في أي وقت وحتى ولو كان الإمام يخطب، وقد دخل رجل المسجد والنبي -عليه الصلاة والسلام- يخطب فجلس ولم يصل ركعتني فقال عليه الصلاة والسلام أصليت ركعتني؟ قال لا. قال قم فاركع ركعتين".
فهذه جملة من المخالفات الشرعية والأخطاء المنتشرة وغيرها كثير؛ فعلى الخطيب تنبيه الواقعين فيها وإحاطتهم بين الحين والآخر؛ سواء في خطب خاصة أو من خلال دروسه، وأحيانا يستلزم الخطأ أن ينبه الخطيب عليه أثناء خطبته من على منبره، وقد صار مثل هذا منه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مرات عديدة؛ حيث أمر ونهى مخالفين وهو يخطب كما ورد في أمثلة سابقة.
التعليقات