فضل صلاة الجماعة

يقول الشيخ : عبدالله صالح الفوزان:

وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم تفضيل صلاة الرجل في المسجد جماعة على صلاته في بيته وفي سوقه خمسة وعشرين ضعفاً، وذلك ما يرويه لنا أبو هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الرجل في الجماعة تضعّف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسة وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحطّ عنه بها خطيئة. فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه: اللهم صلّ عليه، اللهم ارحمه! ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة"().

وهذا أجر عظيم، وثواب جزيل، لا يفرط فيه ويكتفي بدرجة واحدة إلا محروم اتبع هواه، وزهد فيما عند الله من الأجر، نسأل الله السلامة. وهذه المضاعفة لصلاة الجماعة في المسجد لأوصاف ثلاثة دل عليها الحديث:

الوصف الأول: إحسان الوضوء، وذلك – والله أعلم – بأن يتوضأ كوضوء النبي صلى الله عليه وسلم.

الوصف الثاني: الخروج إلى المسجد بنية خالصة لا يخرجه إلا قصد الصلاة في الجماعة.

الوصف الثالث: المبادرة إلى صلاة ما كتب له من حين يصل إلى المسجد. والتضعيف المذكور في الحديث مرتب على هذه الأوصاف الثلاثة، وما رتب على أوصاف متعددة لا يوجد بوجود بعضها، إلا إذا دلّ الدليل على إلغاء ما ليس معتبراً أو ليس مقصوداً لذاته().

بهذه الأوصاف الثلاثة يحصل المصلي على ثلاث فوائد عظيمة وهي:

الأولى: أن لا يخطو خطوة إلا رفع الله له بها درجة وحط عنه بها خطيئة.

الثانية: أن الملائكة تصلي عليه ما دام في المكان الذي أوقع فيه الصلاة من المسجد تقول: (اللهم صلّ عليه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم تب عليه).

ومن قام إلى بقعة أخرى من المسجد مستمراً على نية انتظار الصلاة كان كذلك – إن شاء الله -؛ لأن قوله: "في مصلاه" خرج مخرج الغالب، وهذا هو الظاهر()، وسيأتي زيادة بيان لذلك إن شاء الله.

الثالثة: أنه لا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة.

ولا ريب أن هذه الفوائد لا يحصل عليها ويظفر بها إلا من صلى مع الجماعة في المسجد، أما من صلى في بيته منفرداً أو في جماعة فإن هذه المزايا لا تحصل له؛ فإن قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم خرج إلى المسجد" وصف لا يجوز إلغاؤه، وعليه فالتضعيف خاص بمن صلى في المسجد().

وهناك بشارة عظيمة لمن صلى مع الجماعة، يرويها لنا عن نبي الهدى والرحمة صلى الله عليه وسلم ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان – رضي الله عنه – ونصها: "من توضأ للصلاة فأسبغ الوضوء ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة فصلاها مع الناس أو مع الجماعة أو في المسجد غفر له ذنوبه"(). فقوله صلى الله عليه وسلم: "ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة" مؤيد لقوله في الحديث المتقدم: "ثم خرج إلى المسجد".

أحكام حضور المساجد / عبدالله صالح الفوزان







فضائل وآداب صلاة الجماعة




يقول : د/ عبدالمجيد البيانوني:

ـ والسادسة : هناك حقائقُ ومعانٍ تتحقّق للفرد والجماعة والأمّة في إقامة هذه الشعيرة العظيمة والمحافظة عليها ، هي أسباب رئيسة فيما ذُكر في الحديث من المضاعفة والدرجات ، وقد أشار إلى بعضها الإمام ابن حجر رحمه الله ولم يستوفها ، وهي أولى وأرجح مما ذكر من بعض الأمور الجزئيّة ، وبخاصّة ما لا يدخل منها في الصلاة نفسها ، ونجمل هذه الحقائق فيما يلي :

1 ـ تحقيق اجتماع كلمة المسلمين ، وتآلفهم وتآخيهم ، وتعاونهم على البرّ والتقوى .

2 ـ تثبيت قلوب المؤمنين ، وتقوية ضعفائهم ، واستبشارهم باجتماع كلمتهم ، وقيام كيان لهم ، وبخاصّة في البلاد التي يكونون فيها أقلّية مستضعفة .

3 ـ إظهار شوكة المسلمين أمام أعدائهم ، وإرهاب عدوّ الله وعدوّهم .

4 ـ الدعوة العمليّة لغير المسلمين إلى الإسلام ، عن طريق إظهار شعائر الدين ، وإسماعهم آيات الله ، ورؤيتهم عبادة المسلمين ، وما تشتمل عليه من فضائل دينيّة وتربويّة واجتماعيّة متعدّدة .

5 ـ ذوبان الفوارق الاجتماعيّة ، وتحقّق المساواة بين المسلمين ، ومواساة الفقراء والمحتاجين ، والتكافل الاجتماعيّ بين مختلف فئات الأمّة .

6 ـ التعارف بين المسلمين ، وما يترتّب عليه من أداء حقّ المسلم على المسلم في الحيّ الواحد ، من عيادة المريض ، وإغاثة اللهفان ، وتشييع الميّت ، والتعزية به ، والتهنئة بالأفراح والمشاركة فيها .

7 ـ أنّ صلاةَ الجماعةِ في المسجد سبيل التلقّي عن أهل العلم الثقات ، والتَّأسّي بهم في علمهم ودينهم ، وإشاعة العلم بالصَّلاة وأحكامها بين فئات الأمّة ، وتناقُل ذلك جيلاً بعْد جيل ، ممّا يُبعد الصلاة عن التحريف أو الابتِداعِ ، أو الخروج بهَا عَن هدي  النبوَّة الثابت ..

وهذه من أهمّ الآثار والبَركات لصلاة الجماعة ، إذ لو تصوَّرنا الصلاة تُؤدَّى بغير جَماعة لكنّا نرى منها صوراً في هذا الزمان يتباين بعضها عن بعض أشدَّ التبايُن .

ـ والأخيرة : لعلّ المضاعفة بهذا القدر لصلاة الجماعة على صلاة الفرد جاءت لكونها في المسجد ، فهي تستحقّ أعلى الدرجات ، وأكثر المضاعفات ، أما لو صلّى جماعة في بيته أو سوقه فمن المعقول أن ينال عشر درجات ، إذ الحسنة بعشر أمثالها ، ثمّ كان لا بدّ من فضل خاصّ ، ومزيّة ظاهرة  لصلاة الجماعة في المسجد على صلاة الفرد جماعة في بيته أو سوقه  فكان لها زيادة خمس عشرة درجة ، أو سبع عشرة درجة ، لأن مقصود الشارع أن تقام في المساجد ، وأن تعمر بها المساجد ، وأن يتجلّى في إقامتها فيها من حقائق الدين ومبادئه ، ما لا يكون لإقامتها في غيرها ، والله أعلم .

تذكرة العابد بحقوق المساجد د/ عبدالمجيد البيانوني




ويقول الشيخ ابن باز رحمه الله :

وفي إقامة الصلاة في الجماعة فوائد كثيرة منها التعارف والتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه. وتعليم الجاهل وإظهار شعائر الله. وإغاظة أهل النفاق والبعد عن سبيلهم ومعرفة المتخلف ونصحه وإرشاده إن كان ذلك تكاسلاً منه وبدون عذر أو عيادته إن كان مريضاً إلى غير ذلك من الفوائد.




وجوب صلاة الجماعة والتحذير من التهاون فيها




يقول الشيخ عبدالله صالح الفوزان:




للاجتماع المشروع في العبادات شأن كبير عند الله تعالى، وله فوائد كثيرة اجتماعية وفردية دينية ودنيوية، ومن هذه الاجتماعات صلاة الجماعة في المسجد، يجتمع فيه أهل المحلة الواحدة كلّ يوم وليلة خمس مرات. فيحصل التواصل والتعاون، ويظهر عز الإسلام وقوة المسلمين.

يتم في هذا الاجتماع تعليم الجاهل، وتنشيط العاجز، والتعاون على البر والتقوى والتنافس في أعمال الخير؛ من العطف على الفقير والعاجز وغير ذلك من الفوائد العظيمة التي تعود على الفرد والمجتمع بالخير والبركة.

ولقد كثرت الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب صلاة الجماعة وأدائها مع عباد الله في المساجد التي بنيت لها، وأنه ليس لأحد  من عباد الله رخصة إذا سمع النداء أن يدع الجماعة ويصلي في منـزله أو مكان عمله إلا من عذر.

قال الله تعالى: ]وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلواة فلتقم طآئفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فيكونوا من ورآئكم ولتأت طآئفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم[().

ووجه الدلالة من الآية على أن صلاة الجماعة واجبة: أن الله تعالى أمر بإقامة صلاة الجماعة وهم في حالة الحرب والخوف. ولو كانت الجماعة سنة – كما يقول بعض الناس – لكان أولى الأعذار بسقوطها عذر الخوف. ولكن لما أمر الله تعالى بها في هذه الحال، وسمح بأن يترك لها أكثر واجبات الصلاة دل ذلك على أن وجوبها في حال الأمن أولى، وإلا فلو صلوا فرادى لم يكونوا بحاجة إلى ترك بعض الواجبات، فإن هذه الأمور وغيرها تبطل الصلاة لو فعلت بغير عذر.

ثم تأمل كيف دلت الآية الكريمة على أن صلاة الجماعة فرض عين وليست فرض كفاية وإلا لسقطت عن الطائفة الثانية بفعل الطائفة الأولى().

وانظر كيف جاز الجمع بين الصلاتين للمطر وتقديم الصلاة الثانية عن وقتها لأجل الجماعة، لو كان فعلها في البيت جائزاً لما جاز الجمع لذلك؛ لأن أكثر الناس قادرون على الجماعة في البيوت فإن الإنسان غالباً لا يخلو أن تكون عنده زوجة أو ولد أو صديق أو نحوهم، فيمكنه أن يصلي كل صلاة في وقتها جماعة، فلما جاز الجمع علم أن المقصود بالجماعة جماعة المسجد، وأن حضور المساجد واجب على الأعيان إلا بعارض يجوز معه ترك الجماعة().

وقال تعالى: ]وأقيموا الصلواة وءاتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين[().

قال ابن الجوزي: أي: صلوا مع المصلين. وقال أبو بكر الكاساني: (أمر الله تعالى بالركوع مع الراكعين، وذلك يكون في حالة المشاركة في الصلاة، فكان أمراً بإقامة الصلاة بالجماعة، ومطلق الأمر لوجوب العمل)().

وقال تعالى: ]يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون(42) خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون[().

قال ابن كثير رحمه الله: (لما دعوا إلى السجود في الدنيا فامتنعوا منه مع صحتهم وسلامتهم كذلك عوقبوا بعدم قدرتهم عليه في الآخرة إذا تجلى الرب – عز وجل – فسجد له المؤمنون لا يستطيع أحد من الكافرين ولا المنافقين أن يسجد، بل يعود ظهر أحدهم طبقاً واحداً، كلما أراد أحدهم أن يسجد خرّ لقفاه، عكس السجود، كما كانوا في الدنيا، بخلاف ما عليه المؤمنون)(). وعليه فإجابة الداعي هي إتيان المسجد، كما قال صلى الله عليه وسلم للأعمى: (أجب)()، والله أعلم.

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار()".

ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم همّ بتحريق بيوت المتخلفين عنها عليهم. ولا يهم بهذه العقوبة إلا من أجل ترك واجب، وهو حضور الجماعة. وإلا فالظاهر أنهم يصلون في بيوتهم؛ لقوله: "لا يشهدون الصلاة". وفي رواية: "فأحرق على من لا يخرج إلى الصلاة بعد". أي: بعد أن يسمع النداء إليها أو بعد أن يبلغه التهديد المذكور().

وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أنه قال: (من سرّه أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهنّ، فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط بها عنه سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف)().

فتأمل أولاً كيف جعل ابن مسعود – رضي الله عنه – الصلاة في البيوت وترك المساجد تركاً للسنة، وترك السنة ضلال وانحراف. ومثل هذا لا يقال بالرأي، ولا ضلال إلا بترك شعيرة من شعائر الدين، مما يدل على أن المساجد من أعظم شعائر الدين، وأنها ما بنيت إلا ليصلي فيها.

ثم تأمل ثانياً: كيف أجمع الصحابة – رضي الله عنهم – على أن ترك صلاة الجماعة في المسجد من علامات النفاق، حيث قال: (ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق) ولا يوصف بالنفاق من ترك سنة، بل من ترك فريضة أو فعل محرماً().

ثم تأمل ثالثاً: تعظيم الصحابة – رضي الله عنهم – لأمر الجماعة حيث إن الرجل المريض يؤتى به وقد مسك رجلان بعضديه حتى يقام في الصف، مما يدل على تأكيد صلاة الجماعة وتحمل المشقة في حضورها. وإذا كان هذا في حق المريض، فكيف يكون الحكم في حق المعافى الآمن الذي يتقلب صباح مساء في نعم الله تعالى، ثم يقابل ذلك بالتخلف عن صلاة الجماعة، فهل هذا من الشاكرين؟

أحكام حضور المساجد / عبدالله صالح الفوزان







ويقول الشيخ ابن باز رحمه الله :

ولقد عظم الله سبحانه وتعالى شأن الصلاة في الجماعة في كتابه العزيز وعظمه أيضاً رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فأمر سبحانه وتعالى بالمحافظة عليها وعلى أدائها في الجماعة قال سبحانه وتعالى: حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ[1].

ومما يدل على وجوب أدائها في الجماعة قوله تعالى: وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ[2] فأمر في أول الآية بإقامتها ثم أمر بالمشاركة للمصلين في صلاتهم بقوله: وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ. وقد أوجب سبحانه وتعالى أداء الصلاة في الجماعة حتى في الحرب فكيف بالسلم، قال تعالى: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ[3] الآية. فلو كان أحد يسامح في ترك الصلاة مع الجماعة لكان المحاربون للعدو أولى بأن يسمح لهم.

وقد ورد في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً أن يصلي بالناس ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم))[4] متفق عليه.

موقع الشيخ ابن باز


وأما أهمّ آثار صلاة الجماعة الإيمانيّة والتربويّة



يقول : د/ عبدالمجيد البيانوني:

فليست العبادة في ديننا رموزاً مغلقة ، أو رسوماً جامدة ، يؤدّيها العابد بحركات جسمه فلا تتجاوزها ، وتنفصم عن عرا فكره فلا ترقى إليها ، وإنما جعلها الله سبحانه شاملة جامعة ، يشترك في أدائها عقل العابد وجسده ، وروحه وفكره ، وتشدّ إليها عواطفه ومشاعره ، كما تنبثق عنها تصوّراته وتأمّلاته ، وتنتظم حياة المجتمع كما تصطبغ بها حياة الفرد ، حتى وسائل العبادة فقد حوت تلك المقاصد ، وسمت إلى هاتيك المشاهد .

فلا عجب أن يكون لصلاة الجماعة ، وكذلك لكلّ لقاء إيمانيّ أو عباديّ في بيوت الله تعالى ، أن يكون لذلك آثاره الإيمانيّة والتربويّة ، على مستوى الفرد والمجتمع وهذه الآثار تتداخل مع ما ذكر سابقاً من فضلها ومكانتها في دين الله ، وإن كان لا بدّ من توجيه النظر إلى الجانب الأول لأهمّيته في تربية الفرد والأمّة على فضائل الإسلام وقيمه وآدابه ، لتكون الأمّة قويّة الأركان متماسكة البنيان ، يتحقّق فيها الوعد الإلهيّ الكريم : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ، تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ، وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ ، وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ .. (110) } [ آل عمران ] .

وها نحن أولاء نعدّد أهمّ هذه الآثار الإيمانيّة والتربويّة ، وقد سبق أن ذكرنا قريباً بعض هذه الحقائق والمعاني ، عند ذكر الأمور التي توجب مضاعفة الأجر على صلاة الجماعة ومناقشتها () .

1 ـ فمن هذه الآثار الإيمانيّة والتربويّة : أن لاجتماع المسلمين راغبين في الله راهبين ، خائفين راجين ، مسلمين وجوههم إليه ، متوكّلين بقلوبهم عليه خاصّية عجيبة في نزول البركات ، وتدلّي الرحمات ، ورفع البلاء عن الأمّة ، وهذا من أسرار دعاء الاستسقاء ومشروعيّته في جماعة ، ومن أسرار اجتماع الأمّة في الحجّ .

2 ـ ومنها التشجيع على العبادة ، والمحافظة على الصلوات ، والتنافس في إحسانها وإتقانها ، والإكثار منها ، وإصلاح ما قد يطرأ عليها من فساد أو خلل للانفراد أو الجهل ، وتعلّم ما فات من أحكامها وآدابها ، وأذكارها وقراءاتها .

3 ـ ومنها الحظوة بلقاء العلماء الفقهاء ، والعبّاد المخلصين ، والتأسّي بهم ، ومجالستهم وصحبتهم ، والانتفاع بنصحهم وتوجيههم .

4 ـ ومنها أنّ إخلاص بعض المخلصين ، وإخباتهم وخشوعهم ، يؤثّر في الجماعة كلها ، ويوقظ النفوس الخامدة ، ويحرّك الهمم الفاترة ، وقد يكون سبباً في قبول عبادة الجميع ، والعفو عما فيها من ضعف أو خلل أو تقصير ، ويؤيّد ذلك المنقول والمعقول ، لأن أهل الإيمان والاستقامة ، والإخلاص والخشوع قوم لا يشقى بهم جليسهم ، كما جاء ذلك في الحديث الصحيح () .

5 ـ ومنها تعويد المؤمن على النظام والانتظام ، فهو يؤدّي الصلاة على وقتها ، أما الذي لا يصلّي مع الجماعة فمشاغل الحياة وهمومها تدفعه إلى تأخيرها عن أول وقتها ، ثمّ لا يزال يؤخّر ويتمادى به الأمر حتى تتعرّض الصلاة إلى التضييع والتفريط ، عدا عما تصطبغ به حياته من الفوضى والاضطراب ؛ فهو تارة يصلّي في أول الوقت وتارة يصلّي في آخره ، وتارة يصلّي قبل النوم ، وتارة يصلّي بعده ، ولن يسلم من تضييع الصلاة في بعض الأوقات .

6 ـ ومنها تربية المؤمن وتعويده على الطاعة والانقياد ، عندما تنتظم وقفته في الصفّ ، فيحرص على تسوية الصفّ ، ولا يقف متقدّماً ولا متأخّراً ، ويتابع الإمام في حركاته ، فلا يسبقه ، ولا يتأخّر عنه إلا بقدر يسير مسموح به .

وقد أكّد النبيّ e على هذه الحقائق والمعاني بحثّه الشديد الدائم على ضرورة تسوية الصفوف الأول فالأول ، وعلى دقّة الاتّباع لحركات الإمام والتأسيّ به ، وعدم الخروج عن متابعته ووصل الصفّ ، ولين المؤمن في أيدي إخوانه فلا يأنف من نصحهم وإرشادهم .

ففي الحديث عن النعمان بن بشير t قال : سمعت رسول الله e يقول : ( لتسوّنّ صفوفكم ، أو ليخالفنّ الله بين وجوهكم ) () .

وفي الحديث عن ابن عمر t أن رسول الله e قال : ( أقيموا الصفوف ، وحاذوا بين المناكب ، وسدّوا الخلل ، ولينوا بأيدي إخوانكم ، ولا تذروا فُرُجات للشيطان ، ومن وصل صفّاً وصله الله ومن قطع صفّاً قطعه الله ) () .

تذكرة العابد بحقوق المساجد د/ عبدالمجيد البيانوني






عذر ترك صلاة الجماعة

يقول الشيخ : عبدالله صالح الفوزان




ولقد زهد في هذا الثواب العظيم كثير من الناس في زماننا هذا مع كثرة المساجد وقربها من البيوت، فصاروا يتخلفون عن صلاة الجماعة عموماً، أو عن صلاة الفجر خصوصاً، ثم يذكرون أعذاراً لا تنفعهم عند الله، وهم يتقلبون في نعم الخالق من المال والصحة والمسكن والأمن.

إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص لعبد الله بن أم مكتوم – رضي الله عنه – في التخلف عن صلاة الجماعة، مع وجود أعذار ستة، دلت عليها النصوص()، وإليك بيانها؛ لتعلم تأكيد الإسلام لصلاة الجماعة، ولتعلم أن هذه الأعذار لو كانت موجودة لديك فلا رخصة لك في التخلف، ولو وجد عذر واحد فقط فلا رخصة لك من باب أولى، فكيف وليس لك عذر؟! اقرأها أو اسمعها وكن منصفاً . . :

العذر الأول: كونه فاقد البصر.

العذر الثاني: عدم وجود قائد يرافقه إلى المسجد. وقد دل على هذين العذرين حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: أتى النبّي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى، فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد. فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه، فقال: "هل تسمع النداء بالصلاة"؟ فقال: نعم، قال: "فأجب"().

العذر الثالث: بُعْدُ داره عن المسجد. وقد دل عليه ما رواه عبد الله ابن أم مكتوم – رضي الله عنه – أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني رجل ضَريرُ البصر، شاسع الدار، ولي قائد لا يلاومني (لا يلايمني) فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟

قال: "هل تسمع النداء"؟

قال: نعم.

قال: "لا أجد لك رخصة"().

ما أعظم صلاة الجماعةَ! إنه أعمى، وداره بعيدة، ولا قائد له، لكن يجب عليه أن يصلي في المسجد ما دام أنه يسمع النداء. نعم داره بعيدة، وله عذر، فكيف بمن داره قريبة، وهو مبصر، وصوت المؤذن يخترق أجواء بيته؟؟ ورحم الله الإمام ابن خزيمة على تبويبه لهذا الحديث بقوله: (باب أمر العميان بشهود صلاة الجماعة وإن كانت منازلهم نائية عن المسجد لا يطاوعهم قائدهم بإتيانهم إياهم المساجد. والدليل على أن شهود الجماعة فريضة لا فضيلة، إذ غير جائز أن يقال: "لا رخصة في ترك الفضيلة")().

العذر الرابع: وجود شجر ونخل بينه وبين المسجد. وقد دل على ذلك ما رواه أم مكتوم – أيضاً – رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المسجد، فرأى في القوم رقّة فقال: "إن لأَهُمُّ أن أجعل للناس إماماً، ثم أخرج فلا أقدر على إنسان يتخلف عن الصلاة في بيته إلا أحرقته عليه". فقال ابن أم مكتوم – رضي الله عنه -: يا رسول الله! إن بيني وبين المسجد نخلا وشجراً، ولا أقدر على قائد كل ساعة، أيسعني أن أصلي في بيتي؟ قال: "أتسمع الإقامة"؟ قال: نعم، قال: "فأتها"().

العذر الخامس: وجود الهوام والسباع في المدينة. وقد دل على ذلك ما رواه ابن أم مكتوم – أيضاً – رضي الله عنه، قال: يا رسول الله! إن المدينة كثيرة الهوام والسباع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تسمع حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح. فحيّ هلا"() أي: أقبل وأجب.

العذر السادس: كبر سنة ورق عظمه. وقد دل عليه ما ورد عن أبي أمامة – رضي الله عنه – قال: أقبل ابن أم مكتوم – رضي الله عنه، وهو أعمى، وهو الذي نزل فيه: ]عبس وتولى (1) أن جاءه الأعمى[() وكان رجلاً من قريش – إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا رسول الله! بأبي وأمي، أنا كما تراني، قد دَبَرَتْ سني، ورقّ عظمي، وذهب بصري، ولي قائد لا يلايمني قيادتي إياي، فهل تجد لي من رخصة أصلي في بيتي الصلوات؟

قال: "هل تسمع المؤذن من البيت الذي أنت فيه"؟

قال: نعم. يا رسول الله!

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أجد لك من رخصة. ولو يعلم هذا المتخلف عن الصلاة في الجماعة ما لهذا الماشي إليها لأتاها ولو حبوا على يديه ورجليه"().

إن جميع ما تقدم دليل واضح وبرهان قاطع على أن حضور الجماعة في المساجد واجب، وأنه لا رخصة في التخلف عنها إلا من عذر يمنع الحضور، ولو كان التخلف سائغاً أو الحضور ندباً لكان أولى من يسعه التخلف عنها أهل الضرر والضعف، ومن كان في مثل حال ابن أم مكتوم – رضي الله عنه -، وإذا كان الأعمى لا رخصة له فالبصير أولى بأن لا تكون له رخصة().

إن الجماعة في نظر الشارع هي جماعة المسجد لا جماعة البيوت ولا غيرها.والتضعيف خاص بجماعة المسجد – كما تقدم – ومن صلى في بيته مع أهله أو غيره واعتقد أنه صلى في جماعة وأنه ينال التضعيف فاعتقاده بمعزل عن الصواب. ومما يدل على أن الجماعة تكون في المساجد دون البيوت أن السلف من الصحابة – رضي الله عنهم –

ومن بعدهم إذا طمعوا في إدراك جماعة المسجد لم يكونوا يصلونها في البيوت، بل كان الواحد منهم إذا فاتته الجماعة في مسجده ذهب إلى آخر. قال البخاري – رحمه الله – في صحيحه: (وكان الأسود إذا فاتته الجماعة ذهب إلى مسجد آخر)(). وعن معاوية بن قرّة قال: (كان حذيفة – رضي الله عنه – إذا فاتته الصلاة في مسجد قومه يعلق نعليه ويتبع المساجد حتى يصليها في جماعة)(). وهكذا فعل سعيد بن جبير رحمه الله تعالى().

فيا أخي حافظ على صلاة الجماعة، وكن من عمار بيوت الله تعالى، وبادر لحضور المسجد، ففي ذلك الأجر العظيم، والخير الكثير في الدنيا والآخرة، وإياك والكسل في عبادة عظيمة، هي من أشرف العبادات وأفضل الطاعات، وستجد – إن شاء الله – ثواب صلاتك، ومحافظتك على الجماعة أحوج ما تكون إليه. والله يتولى

الصالحين. .

أحكام حضور المساجد / عبدالله صالح الفوزان





يقول الشيخ ابن باز  رحمه الله:

وقد يؤدي التخلف عن أدائها في الجماعة والعياذ بالله إلى تركها بالكلية ومن المعلوم أن ترك الصلاة كفر وضلال وخروج عن دائرة الإسلام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة))[6] خرجه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه. وقال صلى الله عليه وسلم: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر))[7].

والمتخلف عن الصلاة قد ارتكب كبيرة من الكبائر وعرض نفسه لغضب الله تعالى وقد توعده الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز قال تعالى: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ[8]، وقال تعالى: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا[9] وهذا قيل إنه في شأن من أخرها عن وقتها. أما تاركها بالكلية فهو كافر لا شك في كفره للنصوص الواردة في ذلك كما مر في الأحاديث السابقة، ولقوله تعالى: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ[10].




نصيحة للمتخلفين:

يقول الشيخ ابن باز رحمه الله:

فالواجب على كل مسلم أن يحافظ عليها في أوقاتها وأن يقيمها كما شرع الله سبحانه وتعالى وأن يؤديها مع إخوانه في الجماعة في بيوت الله طاعة لله سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم وحذراً من غضب الله وأليم عقابه، وابتعاداً عن مشابهة المشركين. وعليه العناية بذلك والمبادرة إليه وأن يوصي أبناءه وأهل بيته وأقرباءه وجيرانه وسائر إخوانه المسلمين بذلك امتثالاً لأمر الله ورسوله وحذراً مما نهى الله ورسوله عنه

 

 

 

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.