أَهميّة الأدب في حياة المسلم
تعريف الأدب:
أما الأدب فقد ذكر ابن فارس - رحمه الله - أن الأدب دعاء الناس إذا دعوتهم إلى شيء ، وسمّيت المأدبة - مأدبة لأنه يدعى الناس فيها إلى الطعام ، والآدِب هو الداعي. وكذلك فإن الأدب أمر قد أجمع على إستحسانه . وعُرفاً مادعى الخلق إلى المحامد و مكارم الأخلاق وتهذيبها. وذكر ابن حجر - رحمه الله تعالى - في شرحه لكتاب الأدب من صحيح الإمام البخاري رحمه الله قال : الأدب استعمال ما يُحمد قولاً و فعلاً وعبر بعضهم عنه بأنه أخذ بمكارم الأخلاق ، وقيل الوقوف مع المستحسنات أو الأمور المستحسنة ، وقيل هو تعظيم من فوقك والرفق بمن دونك . ومما ورد في تعريف الأدب كذلك : حُسن الأخلاق، وفعل المكارم. أهميّة الأدب: الأدب أمرمهم جداً، فهو من أبرز سمات الشخصيّة المسلمة ، ومظاهر تميّزها بهذا الدين، لذا فإنه يتحتم على الإنسان المسلم معرفة الآداب الشرعية ، والإلتزام بها في جميع الأمور، وقد حثَّ الإسلام المسلم على أن يعتني بالآداب في أحوال أولاده وذويه ولا يتغافل عنهم ويذكّرهم ويؤدبهم بآداب الإسلام ، كما قال تعالى: ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا [التحريم: 6]، قال عليّ - رضي الله عنه- : علّموهم وأدِّبوهم . وقال مجاهد - رحمه الله-: أوقفوا أنفسكم وأهليكم بتقوى الله وأدّبوهم .ومماجاء في نصوص الشريعة في معاني الأدب والتأديب قول النبي صلى الله عليه وسلم ، كما جاء في الحديث الصحيح : ( ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين :-وذكر منهم - ورجل كانت له أمة فغذاها فأحسن غذاءها ، ثم أ دّبها فأحسن تأديبها ،وعلٍّمها فأحسن تعليمها ، ثم أعتقها وتزوجها ، فله أجران) . وكذلك فقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلىالله عليه وسلم : ( كل شيءٍ ليس من ذكر الله لهو ولعب إلا أن يكون أربعة : ملاعبة الرجل إمرأته ، وتأديب الرجل فرسه ومشي الرجل بين الفرضين ، وتعليم الرجل السباحة ) رواه النسائي وهو حديث صحيح و لفظة الأدب كذلك جاءت في حديث جابر - رضي الله عنه - عندما تزوج ثيّباً وسأله النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه تزوج بثيّب فقال عليه الصلاة والسلام :( فهلاّ تزوجت بكرأ تلاعبها وتلاعبك قال يارسول الله : تو في والدي - أواستشهد - ولي أخوات صغار فكرهت أن أتزوج مثلهن فلا تؤدبهن ولا تقوم عليهن ، فتزوجت ثيباً لتقوم عليهن وتؤدبهن ) رواه البخاري رحمه الله في كتاب الجهاد . والأدب أنواعٌ فمنه : 1- أدبٌ مع الله سبحانه وتعالي . 2- أدبٌ مع رسوله صلى الله عليه وسلم . 3- أدبٌ مع الخلق. الأدب مع الله سبحانه و تعالى: أما الأدب مع الله عزوجل فله أمثلة كثيرة .. فمنها نهي المصلي عن رفع بصره إلى السماء كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: هذا من كمال أدب الصلاة أن يقف العبد بين يدي ربه مطرقاً خافضاً طرفه إلى الأرض ، فلا يرفع بصره إلى فوق . قال : والجهمية لم يفقهوا هذا الأدب ولا عرفوه ، لأنهم ينكرون أن الله فوق سماواته ، وهذا من جهلهم إذ من الأدب مع الملوك أن الواقف بين أيديهم يطرق إلى الأرض ولا يرفع بصره إليهم فما الظن بملك الملوك سبحانه وتعالى . وقال شيخ الإسلام في مسألة النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود أنها من الأدب مع الله عزوجل لأن القرآن كلام الله قال : وحالتا الركوع والسجود ، حالتا ذ لّ وانخفاض من العبد فمن الأدب مع كلام الله أن لا يُقرأ في هاتين الحالتين - يعني في الركوع والسجود- لأنهما حالتا ذُلٍّ وانخفاض. وكذلك فإن من الأدب مع الله أن لا يُستقبل بيتهُ في قضاء الحاجة ولا يُستدبر، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم . ورجّح ابن القيم - رحمه الله - أن هذا الأدب يعمُّ الفضاء و البنيان . ومن الأدب مع الله وضع العبد يده اليمنى على اليسرى حال القيام للقراءة في الصلاة ويضعهما على صدره خاشعاً ذليلاً بين يدي الله عزّ و جلّ. و من الأدب مع الله السكون في الصلاة لما ذَكَرَ أهل العلم عن قوله تعالى :الذين هم على صلاتهم دائمون [المعارج:23 ] ذكروا فيها معنيين، الأول: دائمون بمعنى مستقرون ثابتون لا يكثرون الحركة ، كما يفعل كثير من الناس من تحريك النظارة والساعة وغطاء الرأس ، والعبث بالأنف واللحية والجيب ونحو ذلك من الأشياء ، ذلك أن هذا لا يعطي معنى الديمومة كما عبّر عنها القرآن الكريم:على صلاتهم دائمون، و المعنى الآخر: أي على صلاتهم يحافظون ، أي المحافظة على سكون الأطراف وطمأنينة الجوارح ، و المحافظة كذلك على وقتها ، فلا يخرجونها عن وقتها، فهم دائمون أي يداومون على الصلوات ويحافظون عليها في أوقاتها كما أنهم دائمون في الخشوع والطمأنينة . والأدب مع الله يكون في الظاهر والباطن ، ولا يستقيم عند العبد إلا بمعرفة أسمائه سبحانه وتعالى وصفاته، ومعرفة دينه وشرعه ، وما يحب ومايكره . أدب الأنبياء والصالحين مع الله عزّ و جلّ: لقد كان أدب الأنبياء والصالحين مع الله عزوجل كثيراً وعظيماً، ومن تأمل أحوالهم عرف ذلك . ألم ترى أن المسيح عليه السلام عندما يسأله الله سبحانه وتعالى يوم القيامة: أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين فلم يكن جواب عيسى عليه السلام " لم أُقل ذلك "، وإنما قال : إن كنت قلته فقد علمته ، فذلك من كمال أدبه مع ربه، ثم قال : تعلم ما في نفسي ولا اُعلم ما في نفسك إنك أنت علاّم الغيوب، ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم .. إلى آخر الآيات [المائدة:116]. وكذلك أدب إبراهيم مع ربه لما قال : الذي خلقني فهو يهدين ، والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين [الشعراء:79 ] ..، ما قال والذي يمرضني ويشفين، وإنما قال وإذا مرضتُ فنسب المرض إليه ، ونسب الهداية والطعام والسِّقا والشفاء إلى الله رب العالمين، مع أن الله هو الذي يمرض ولا شك ، وهو الذي يشفي ، لكن لم يرد أن ينسب المرض إليه عزوجل ، أدباً مع الله سبحانه وتعالى ، وهذا من كمال أدب الخليل عليه السلام. وكذلك الخضر عليه السلام - على الراجح لأنه كان نبياً - إذ يقول: وما فعلته عن أمري [الكهف:82 ] أي كان يفعل ذلك بالوحي من الله عزّ وجلّ، فإنه لماذكر السفينة قال: فأردت أن أعيبها [الكهف:79 ] ولما ذكر الجدار قال: فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما [ الكهف:82 ] ولم يقل فأرادربك أن أعيبها، وإنما قال فأرد تُ أن أعيبها ،فإن من كمال أدبه أنه لمّا صارت المسألة عيباً نسبه لنفسه ولم ينسبه لله عزّ و جلّ مع أن كل ذلك بأمر الله وحكمته. وكذلك الصالحون من الجن قالوا: وإنا لاندري أشرٌ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربٌّهم رشداً [الجنّ:10] ، قالوا: " أشراً أريد بمن في الأرض " ما قالوا : "أشر أراده ربهم بهم، أم أرادبهم ربهم رشداً" .. فجعلوا الفعل مبنياً للمجهول تأد بّاً مع الله عزّ و جلّ. وكذلك موسى عليه السلام لما نزل مدين قال : ربِّ إني لما أنزلت إلي من خير فقير[القصص:24 ]والمعنى أنا فقيرإلى خيرك يارب ومحتاج إلى فضلك ولم يقل : أطعمني .. مثلاً . وآدم عليه السلام لمّا أٌهبط من الجنة إلى الأرض قال : ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين [الأعراف:23] ولم يقل : ربِّ قدرت علي هذه المعصية وقضيت علي بها .. ونحو ذلك ، بل نسب الظلم إلى نفسه: " ظلمتُ نفسي فاغفرلي" . وكذلك قول أيوب عليه السلام : إني مسني الضُّر وأنت أرحمُ الرحمين [الأنبياء:83] وهذا أعظم أدباً من أن يقول فعافني واشفني، ثم قال : وأنت أرحم الرحمين . والأدب عند أنبياء الله طويل لاينتهي .. ونذكر هنا جانباً من أدب الأنبياء مع المخلوقين، كان من أدب يوسف عليه السلام مع أبيه وإخوتِه حين قال لأبيه : قال هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا. وقدأحسن بي إذ أخرجني من السجن [يوسف:100] فلم يقل أخرجني من الجبِّ مع أنه أخرجه من الجبِّ ! لأنه لا يريد أن يجرح مشاعر إخوانه تأدبًا معهم . وكذلك فإنه لما جاء بإخوته وأهله ، قال : وجاء بكم من البدو ما قال مثلاً : رفع عنكم الجهل والجوع والحاجه .. أوأنني فعلت ذلك لكم أوأنني أنقذتكم من الجوع ..والجهل . ثم قال : من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي فنسب الفعل إلى الشيطان، ولم يقل من بعد أن فعل بي إخواني ما فعلوا وظلموني ونحوذلك .. وكذلك من الأدب مع الله سبحانه وتعالى أن يستر الرجل عورته وإن كان خالياً .. أما نبينا صلى الله عليه وسلم فقد ضرب المثل العظيم في الأدب مع ربه عزّ و جلّ. ومن أمثلة ذلك ما يذكره المفسرون عند قوله سبحانه وتعالى : مازاغ البصرُ وما طغى [النجم:17] أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ارتفع إلى السماء لم يزغ بصرهُ ولم يطغ ، أي لم يزغ يميناً أو شمالاً ، ولا طغى فنظر أمام المنظور ، إنما كان مطرقًا خاشعًا.. "مازاغ البصروما طغى" فهذا صفة مقدمه صلى الله عليه وسلم على ربّه ، و يتجلّى في ذلك كمال أدبه عليه الصلاة والسلام . الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: وكذلك فإنه ينبغي أن يعلم المسلم أن الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم من أنواع الأدب العظيمة التي أوجبتها الشريعة المطهّرة.. وهذا يشمل أشياءً كثيرةً جداً ، فمن الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم التسليم له والإنقياد لأمره ، وتصديق خبره ، وتلقّيه بالقبول ، وعدم معارضته بحيث لا يُستَشكَل قوله وإنما تُستشكل الأفهام . ولا يُقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً ، ولا يدَّعي نسخ سُنته ، وكذلك لا ترفع الأصوات فوق صوته صلى الله عليه وسلم لأن ذلك سبب لحبوط العمل ، وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم لا ترفع الأصوات فوق حديثه إذا قُريء ولا عند قبره . الأدب مع الخلق: ويندرج تحت هذا الصنف نوعان من الأدب وهما آداب المخلوقين وآداب الأحوال، فالأدب مع الخلق يشمل معاملتهم على إختلاف مراتبهم بما يليقُ بهم وبما يتوافق مع الشرع الكريم، فالأدب مع الوالدين يختلف عن غيره من الأدب و يجب مراعاته.. وكذلك الأدب مع العالم .. والأدبُ مع الأقرانِ .. والأدب مع الأجانب .. والأدب مع النساء المحارم والأجنبيات .. والأدب مع الضيف ..والأدب مع أهل البيت وغيرهم . هذا من جهه ما يتعلق بمن حولك من المخلوقين . أما الأحوال ففيها آداب عظيمة لكل أحوال المؤمن حتى لوكان بمفرده لايطّلع عليه إلا الله سبحانه وتعالى. ومن أمثلة آداب الأحوال آداب الأكل و النوم والخلاء واللباس والمشي والسفر والدخول والخروج والركوب والسكوت والإنصات وغير ذلك .. فمثلاً للأكل آداب يجب عليك الإلتزام بها حتى لو كنت تأكل و حدك .. فتُسمي ولو كنت لو حدك، وتأكل بيمينك ولوكنت لوحدك، ولا تأكل من وسط الطعام و كنت بمفردك . وكذلك الحال في سائر آداب الأحوال . في مظاهر أهميّة الأدب : ولأجل عظم هذا الموضوع صنّف العلماء فيه تصنيفات عظيمة ، ولنعلم أن التمسك بالآداب الشرعية يقود إلى التمسك بالدين كله . ولذلك يقول الشيخ عبدالرحمن المعلم اليماني - رحمه الله في مقدمته لكتاب الأدب المفرد للبخاري :" قد أكثر العارفون بالإسلام المخلصون له من تقرير أن كل ما وقع فيه المسلمون من الضعف والخور والتخاذل ، وغير ذلك من وجوه الإنحطاط ، إنما كان لبعدهم عن حقيقة الإسلام وأرى أن ذلك يرجع إلى أمور -الأول : إلتباس ما ليس من الدين بما هو منه - خلط ما ليس من الدين بما هو من الدين مثل إدخال البدع مثلاً - ثانياً : ضعف اليقين بما هو من الدين - ضعف اليقين بما هو من الدين حقاً - وثالثاً : عدم العمل بأحكام الدين- ضعف العمل- " هذه الأشياء الثلاثة التي عليها مدار أسباب إنحطاط المسلمين .. فانظر رحمك الله إلىأسباب تخلف المسلمين وإنحطاطهم . ثم قال رحمه الله تعالى :" وأرى أن معرفة الآداب النبوية الصحيحة في العبادات والمعاملات ، والإقامة ، والسفر ، والمعاشرة ، والوحدة ، والحركة ، والسكون ، واليقظة والنوم ، والأكل والشرب ، والكلام والصمت .. وغير ذلك، مما يعرض للإنسان في حياته، مع تحري العمل بها كما يتيسر ، هو الدواء الوحيد لتلك الأمراض . فإن كثيراً من تلك الآداب سهل على النفس ، فإذا عمل الإنسان بما سهل عليه منها ، تاركاً ما يخالفها لم يلبث - إن شاء الله تعالى - أن يرغب في الإزدياد ، فعسى أن لا تمضي عليه مُدة ، إلاّ وقد أصبح قدوة لغيره في ذلك .. وبالإهتداء بذلك الهدي القويم ، والتخلق بذلك الخُلق العظيم يستنير القلب ، وينشرح الصدر ، وتطمئن ُ النفس ، فيرسخ اليقين ، ويصلح العمل ، وإذا كُثر السالكون في هذا السبيل لم تلبث تلك الأمراض أن تزول إن شاءالله" . ثم أشار إلى قضية تصنيف الإمام البخاري رحمه الله لكتاب الأدب المفرد ، وقد أفردهُ عن صحيحه وجعل له أبواباً خاصة ، وقد تكلّم ابن حجر - رحمه الله - في أهمية هذا الكتاب حيث قال : "وكتاب الأدب المفرد يشتمل على أحاديث زائدة على ما في الصحيح ، وفيه قليل من الآثار الموقوفة ، وهو كثير الفائدة ". وقد شرحه الشيخ فضل الله الجيلاني، وخرّج أحاديثه وحقَّقه الشيخ محمد ناصرالدين الألباني . فالكتاب الآن مشروح ومحقّق .." كتاب صحيح الأدب المفرد للبخاري" - رحمه الله - وحسبك به وبمؤلفه . أقوال العلماء في الأدب : ومن بعض أقوال العلماء في الأدب يقول النبي صلى الله عليه وسلم وهو إمام العلماء: " إنَّ الهدي الصالح ، والسمت والإقتصاد جزءَ من خمسةٍ وعشرين جزءاً من النبوة "، فإذاً الأدب هو السمت الصالح .. حسن السمت والهدي الصالح .. هذا هوالأدب وقال النخعي - رحمة الله - :" كانوا إذا أتوا الرجل ليأخذوا عنه نظروا إلى سمته وصلاته و إلى حاله ثم يأخذون عنه ". فأول شيء ينظرون إليه أدب العالم والمحدث فإن وجدوه أديباً مؤدباً أخذوا عنه - ولذلك كان مجلس الإمام أحمد رحمه الله يجتمع فيه زهاء خمسة آلاف أويزيدون ، خمسمائة يكتبون الحديث والباقون يتعلمون منه حسن الأدب والسمت . وقال ابن عباس - رضي الله عنه -: " أطلب الأدب فإنه زيادة في العقل، ودليل على المروءه ، مؤنس في الوحدة وصاحب في الغربة، ومال عند القلة " . وقال أبو عبد الله البلخي :" أدب العلم أكثر من العلم ". وقال أبن المبارك رحمه الله :" لا ينبل الرجل بنوع من العلم ما لم يزيّن علمه بالأدب ".وكذلك قال رحمه الله أيضاً :" طلبت العلم فأصبت منه شيئاً، وطلبت الأدب فإذا أهله قد بادوا ". وقال بعض الحكماء : " لا أدب إلا بعقل ، ولا عقل إلا بأدب "، وقال بعضهم : "رأيت من أراد أن يمد يده في الصلاة إلى أنفه ، فقبض على يده ". خرَجت واحدهٌ من يديه إلى الأنف فقبضت الثانية عليها وكفّتها. وقال يحيى ابن معاذ : " من تأدب بأدب الله ، صار من أهل محبة الله ". وقال ابن المبارك أيضاً : " نحنُ إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم ". فهناك أناس عندهم علمٌ كثير لكن ليس عندهم أدب ، ولذلك نَفَّروا الناسَ ، فحال إنعدامُ الأدب دون ما عندهم من العلم . وسُئل الحسن البصري - رحمه الله - عن أنفع الأدب ، فقال :" التفقه في الدين، والزهد في الدنيا، والمعرفة بما لله عليك ". ومن أحسن الكتب في الآداب وأكثرها تنظيماً .. وأجودها تصنيفاً .. " غذاء الألباب شرح منظومة الآداب" - للسفاريني ، حيث يقع في مجلدين . وقد شرح منظومة ابن عبد القوي ، وأكثر الآداب التي سنتكلم عنها من هذه المنظومة ، ويوجد في كتاب "الآداب الشرعية " لإبن مفلح مباحث نفيسه وجيدة، وتوسُّعٌ في بعض المباحث ، ولكن كتاب غذاء الألباب أحسن في جودة الترتيب وحسن التصنيف، فإنَّ السفاريني قد جاء بعد ابن مفلح وأخذ أشياء كثيرة عنه، واستفاد من كتابه، لكنّه رتّب كتابه -وإن كان يوجد فيه عبارات صعبة على المبتدئ في طلب العلم -. وسيتناول البحث بالتفصيل - إن شاء الله - موضوع الآداب الشرعيّة الآتية : آداب تلاوة القرآن .. آداب الضيف .. آداب العطاس والتثاؤب .. آداب الإنتعال .. آداب توقير الكبير ورحمة الصغير .. وكذلك أدب الجوار أو الجار.. آداب الحوار والمناظرة .. مايتعلق بالرؤى والأحلام .. آداب النكاح .. آداب الطعام والشراب أو آداب الأكل .. آداب الضحك والمزاح .. آداب المريض .. آداب المساجد .. آداب المشي .. آداب المصافحة والمعانقه والتقبيل .. آداب النوم .. آداب الهدية وآداب الوليمة . حيث سيتعرض البحث لكل واحد من هذه الأنواع بالشرح والتفصيل مع الأدله وأقوال العلماء وفروع أدب كل جانب من هذه الجوانب . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
التعليقات