القيادة بالمرح
أثبتت الدراسات العلمية الطبية التأثير الحيوي والإيجابي الذي يتركه الضحك في النفس والبدن، وما ينطوي على اتخاذه كأسلوب حياة من قوة ساحرة تساعد على التغيير والإقبال على الحياة. كما أثبتت أن المرح يؤدي إلى تكاثر خلوي تلقائي للكريات الليمفاوية في جسم الإنسان يؤدي إلى تكوّن عدد أوفر من الخلايا (ت) Tcellsالتي تعتبر مقوِّمًا هامًا في الجهاز المناعي للإنسان. وهذا يعني أنه يمكن من خلال الضحك والمرح خلق جو من الجدية وتأدية الأعمال بدون أية عوائق، وإضفاء جو من الحيوية على المنظمة.
المرح في العمل:
1- البعد الإنساني للضحك:
الضحك لغة عالمية، يتكلمها ويفهمها مختلف الأفراد في مختلف الأعمار. والمرح في العمل ليس هدفًا بحد ذاته، إنما المدخل الذي يكسر حاجز العزلة بين بيئة العمل وحياتنا الطبيعية، مما يعني أن الضحك في بيئة العمل ضرورة لا رفاهية، فهو يشعر الفرد بالرضا عن الدور الذي يقوم به في المنظمة؛ لأننا نعرف من خلاله أن هناك تأثيرًا لأعماله وأقواله في حياة الآخرين.
عندما يشترك اثنان في الضحك، يقام بينهما جسر معنوي وقناة اتصال تنقل رسالة غير منطوقة لا تنقصها الفصاحة تقول: «نحن بشر سواء، وإن اختلفنا في المراكز أو المؤهلات أو غيرها، فلسنا غرباء بعضنا عن بعض».
2- اخرج من القالب القديم:
ويعني إلغاء المفهوم الخاطئ أن «نشر المرح وإشاعة البهجة تتعارض مع الجدية والتركيز!»، وتبني المفهوم الجديد «إذا أردت أن يكون العاملون معك في حيوية دائمة، فيجب ألا تمنع عنهم الضحك والمرح». وهذا يتطلب بناء بيئة عمل بعيدة عن الروتين، وقريبة من التفاعل والتناغم، ومفعمة بالروح الإنسانية المرحة التي فطرنا الله عليها.
نحن بحاجة إلى التغاضي عن السلوكيات التي تعبِّر عن المرح فقط، واللجوء لكل حيلة ممكنة للخروج من قالب الجدية الذي تصطبغ به معظم منظماتنا، وهذا لا يعني أن يتحول المرح والضحك الهادف إلى سخف ودعابات سطحية، تتحول مع الوقت إلى استهتار وعدم التزام.
3- جني الثمار:
اصبغ قوالبك الإدارية بقليل من المرح والفكاهة لتحصل على فرق عمل متناغمة ومرتفعة الأداء، ولا تحتاج إلى إدارة الضغوط؛ لأن معنويات أعضائها العالية تستهدف الإنتاج، ولا تحتاج إلى منشطات تدريبية ومحفزات خطابية لاستثارتها.
هذه الفرق الباسمة يسودها ولاء طويل المدى في منظمة لا تعاني من تسرب بعض الموظفين، وتوتر بعضهم الآخر.
4- عميل الداخل أولًا:
إذا كنت ترجو لمنظمتك أن تنفرد بتقديم خدمة متميزة للعميل، فعليك أولًا أن تولي الاهتمام والاحترام للعميل الداخلي (الموظف)، ابحث عن صوت يتسم نبراته بالسرور والمرح؛ لأن هذه النبرات تنم عن موظف يمارس العمل بطريقة ممتعة، والمرح بطريقة منتجة؛ لأن السعادة والمرح ينتقلان بالعدوى. فعندما تستحث بيئة العمل العاملين على الاحتفاء بنجاحاتهم، وعندما يلقى المرح الاستحسان والتقدير، يتغلغل في المنظمة روح الاعتزاز والثقة بالنفس، وهذا ينتقل تلقائيًا إلى العميل الخارجي؛ لأنه يختار منظمة يشعر بالراحة والزهو والرغبة في أن يكون ضمن عملائها.
لا تنتظر من الموظف أن يمنح العميل خدمته مغلفة بابتسامة ما لم تمنحه أنت ما يستحق الابتسام، وإذا وجد موظفوك متعة حقيقية في أداء أعمالهم، فإن الأعراض تصبح واضحة: نهم وولع في الأداء من جهتهم، وإقبال من الآخرين على التعامل مع منظمتك، لذا (ألق بذورك في حقول موظفيك، تجنِ ثمارك من سلال العملاء).
مدخلان لغرس المرح في بيئة العمل:
1-اعرف نوعية الأفراد الذين تقودهم، وحدّد أسلوب المرح الذي يفضلونه، والكيفية التي يتم من خلالها توفير أسلوب العمل والمرح الذي يبهجهم خارج أوقات العمل.
فكرّ بالطرق التي تفاجئ بها العاملين من حين لآخر، وابحث عن الأشياء التي تبدو صغيرة لكنها تشيع البهجة في قلوبهم، وتبدد شعورهم بالتعب؛ لأن سر سعادتهم هو شعورهم بأنك عندما تفكر في المهام التي تسندها إليهم، فإنك تفكر فيهم كبشر يهمك أمرهم، لا كآلات لاترى فيها سوى معدلات إنتاجها.
2-خذ بزمام المبادرة، وتخل عن الجدية والجمود التي تقلل الإنتاجية، وتقود إلى زيادة تسرب العاملين الأكفاء، وابدأ فورًا في بث روح المرح في المنظمة وتغلّب على الخوف من التغيير أو فقدان هيبتك كقائد للمنظمة.
وجّه هذا السؤال للعاملين معك: «ماهي مقترحاتكم من الحيل لبث روح المرح وإشاعة البهجة في نفوسكم على مدى الأسبوعين التاليين؟» وتكون أنت الفائز...
تطبيق الإدارة المرحة في شركة PlayFair
كما تولّد طواحين الهواء الكهرباء من لاشيء، هكذا نحن في Play Fair نولّد بالمرح تيارًا لاينقطع من الجدية والالتزام، ونختزن شحنات كثيفة من الثقة والولاء، نكسر الجمود ونحطم مقاييس الأداء!
مات وينستين
تعمل شركة Playfairويديرها MattWeinstein(مؤلف كتاب ManagingToha-eFun) على تأهيل الموظفين ليتعلموا لغة الضحك والفكاهة الهادفة، من منطلق أن امتلاك الشعور بالبهجة يحوِّل العمل إلى متعة، والنتيجة استجابة جميع الموظفين وتعديل سلوكياتهم. ويعتبر برنامج «إذابة الجليد» أحد البرامج التحفيزية التي طورتها الشركة، وتنفذه فرق عمل تتبنى استراتيحيات متجددة لتحفيز الآخرين، شعارها «العمل من أجل الفرد لا الفرد من أجل العمل».
استراتيجية (حيلة جديدة كل أسبوع):
أدركت شركة Playfairأن الخروج من قالب الجدية ومظاهر الوقار ببيئة العمل يحتاج إلى حيل كثيرة؛ لأن الإنسان بطبيعته يقاوم الخروج عن المألوف ويخاف من التجديد،لاسيما في السلوكيات والعلاقات، فكان لابد من التسلح بحيلة أسبوعية لإيقاع العاملين في مهرجان المرح. واستمدت من العاملين برنامجًا يحتوي على (52) حيلة يتم تنفيذها على مدار العام لبث روح المرح وإشاعة البهجة في نفوسهم ببيئة العمل. وفيما يلي بعض الحيل التي تمارسها الشركة:
صور الطفولة:
يتم نصب لوحة جدارية في الشركة ويتولى أحد الموظفين جمع صور فوتوغرافية من الزملاء، لقطة لكل منهم وهو طفل، وتعلق الصور على اللوحة، صورة المدير جنبًا إلى جنب مع صور مدير الحسابات وبقية الموظفين، ويأخذ المشاهدون بالتعليق على الصور تعليقات متفاوتة تزيل الحاجز النفسي بين الرئيس والمرؤوسين، وتساهم في تنمية روح المشاركة التي تتخطى الرسميات، وتزيل الهيبة المفتعلة التي تصنعها المناصب.
قم بأشياء غير متوقعة:
وتعني تصرفات عفوية وبأساليب جديدة كل يوم، تسهم في إحياء اللحظة الحاضرة وعيشها بالفعل؛ لأن اللحظة المكررة دائمًا هي لحظة مملة، والحياة هي تدفق وتجدد، وعلى سبيل المثال في إحدى الليالي وضع أحد مسؤولي الأمن في الشركة جهازه اللاسلكي في إحدى الدمى التي يلهو بها الأطفال، وتركها في مكان يكثر تردد الموظفين عليها، وكلما تصادف مرور أحد الموظفين أمام الدمية يبدأ (الموظف) في محادثته عبر جهاز الإرسال، وهو جالس في حجرة مجاورة في موضع لا يلحظه أحد(مثل الكاميرا الخفية)، هذه الدعابة جعلت النشاط يدب في الموظفين من جديد.
رحلة إلى متجر الألعاب:
قام مدير الدعاية والإعلان في الشركة ذات يوم بجولة في متجر للألعاب لاختيار لعبة يهديها لطفلته، ووقع اختياره على لعبة في شكل «موزة كبيرة»، ولدى عودته إلى المنزل،أدرك أنه أخطأ الاختيار؛ حيث أثار حجم الموزة فزع طفلته، وجعلها تكره الاقتراب منها، فأخذ الموزة ووضعها على مكتبه في الشركة، ولم يلبث زملاؤه أن افتتنوا بمنظرها المثير للضحك، وإذ بواحد منهم يلبسها نظارة شمسية وآخر يلبسها قبعة. وسرعان ما تحولت اللعبة إلى مشهد كوميدي مثير وممتع، لدرجة أن الجميع تسابقوا إلى وضعها على مكاتبهم. وعلّق أحدهم على ذلك بقوله: «عندما يفوتني إنجاز مهمة ما في وقتها المحدد، ويتسرب التوتر إلى داخلي،أذكِّر نفسي بأن الدمية تنتظرني على المكتب، وأنها ستنتظر وصولي صباح اليوم التالي، وأصبحت أعزي نفسي قائلًا : لقد تأخرت بالفعل، لكن الأمر ليس بهذه الخطورة، فمن الممكن دائمًا أن يستعيضوا عن وجودي بالدمية الكبيرة!»
قم بزيارة خاطفة إلى متجر الألعاب لتختر لعبة مثيرة، ليس من أجل أطفالك، ولكن من أجل زملائك.
الاقتراع باللبان (العلك):
ابتكر أحد موظفي الشركة طريقة جديدة لإشاعة الحيوية في الاجتماع الأسبوعي الذي يعقده للعاملين. دخل في مستهل الاجتماع حاملًا في إحدى يديه باقة من الزهور، وفى اليد الأخرى صينية عليها علم من اللبان (العلك)، وأعطى كل واحد من الحاضرين زهرة وعلبة لبان، وطلب منه أن يعبر عن تأييده أو معارضته للرأي الذي يدلى به أي متكلم بإلقاء زهرة على هذا المتكلم في حالة التأييد، أو إلقاء قطعة لبان عليه في حالة الرفض. ألقى هذا الموظف نفسه قطعة لبان على أحد المتحدثين لإدلائه برأي لم يعجبه، ولشد ما كانت دهشته عندما اكتشف أنه ليس الشخص الوحيد الممتعض، إذ سرعان ما انهالت على المتحدث قذائف اللبان من جميع الحاضرين!
ابحث عن طريقة مرحة تكسر الرتابة التي تتسم بها الاجتماعات الدورية، وتخفف من حدة التوتر التي تسودها عندما تتباين الآراء، وتفيد في إمداد المتكلم برد فعل فوري، وكأنها اقتراع ساخر لغربلة الآراء المتعددة.
رسالة في ملابسك:
طلب رئيس أحد فروع الشركة من الحائك الذي يخيط له بدلة العمل الرسمية أن يطعِّمها من الداخل بنسيج صوفي مزركش، وكان هدفه من ذلك على حد قوله : «عندما يكون من المقرر عقد اجتماعات أو مفاوضات موسعة، يشارك فيها عدد كبير من المديرين، فإنني أتعمد الذهاب إلى العمل في مثل هذه المناسبة مرتديًا تلك البزة السوداء من الخارج والمزركشة من الداخل لأنني أتوقع أنه سيكون يومًا مليئًا بالتوتر، وبذلك أسخر من لحظات التوتر والانفعال، وأحتفظ بهدوئي عندما تحتد المناقشات؛ لأنني أنظر إلى داخلي محاولًا إعادة اكتشاف نفسي، قبل أن أنظر للآخرين».
والآن عزيزي القائد، بادر بإعادة النظر في أسلوب قيادتك، وتعاملك مع العاملين معك، وقم بتجديد تصميم بيئة العمل، وإحداث التغيير الثقافي فيها لنشر الحب والمرح والسعادة، والإنتاجية المرتفعة المعززة بروح التفاؤل والتفاني، وابذل جهدًا لأن تتكامل هذه القيم فيما بينها لصياغة معايير الأداء وضوابط السلوك، وأساليب حل المشكلات، وطرق اتخاذ القرارات، ولاتنس إتاحة الفرص في ظل قيادتك المحبة والراعية والمرحة لأدوار قيادية على كل المستويات لضمان توليد قادة جدد؛ لأنك بالفعل تؤمن بهذه القيم، وبأهمية تحويل السلوك التنظيمي إلى صورة مطابقة لقيم ومعتقدات القيادة بالحب والقيادة بالمرح... ألا تتفق معي في أنه قد آن الأوان لاتخاذ مثل هذه البادرة الرائعة...
بقلم: صفاء الحضيف
التعليقات