ثمان خطوات عملية لتفعيل أثر الحديث على جماعة المسجد
في هذا المقال أحاول أن أذكر بعضَ الاقتراحات العملية التي تُعين على تفعيل دور الحديث المسجدي، من واقع تجربة لا بأس بها في هذا المجال، والتي ألخصها فيما يلي:
1) من المهم أن يراعَى مستوى الحضور: فيختار الإمامُ من الحديثِ ما يناسب جماعةَ المسجد، فليس الحديث الذي يناسب عوام المسلمين ـ الذين قد تخفى عليهم بعضُ البدهيات ـ كالحديث الذي يوجَّه لمسجدٍ فيه طلابُ علم أو مَن ثقافتُهم الشرعية جيدة.
2) ثمة موضوعات لا بد من تكرار طرحها بين الفينة والأخرى، مع تنويع الأساليب، وتجديد الطرح؛ كالمسائل المتعلقة بتوحيد العبادة، وفِقْهِ الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج عند قرب مواسمها، ومثل بعض المسائل المتعلقة بالأعراس، والإجازة الصيفية.
ومِن توفيق الله للإمام أن يهتبل الفرص، وحاجةَ الناس، فيكون حديثُه مرتبطاً بواقعهم، ليجدوا ـ عملياً لا نظرياً ـ أن نصوصَ الشرع المطهّر فيها الحلّ لمشاكل الناس، إما على سبيل التنصيص الدقيق على كل واقعة، أو من خلال العمومات.
3) أقترح تقسيمَ المجالس إلى تفسيرٍ وحديثٍ وفتوى، ومِن تجربة يسيرة؛ فإن تفسير جزء عمّ للعلامة السعدي مناسب للعامة، و"رياض الصالحين" مناسب للحديث الشريف، و(فتاوى أركان الإسلام) للعلامة ابن عثيمين في مجلس الفتاوى، والتي على الإمام أن يراعي فيها أمرين:
أولهما: أن لا ينوّع المفتين عليهم، بل يقتصر على عالمٍ واحد ممن يثِقون بعلمه؛ حتى لا تضطرب عليهم الإجابات.
الثاني: أن يختار مِن الفتاوى ما فيه وضوح، وتمسّ إليه الحاجة، وليس كل الأسئلة يناسِب طرحُها.
4) اختيار الوقت الأنسب: فيراعى في هذا العُرف والبيئة، فبعضُها يناسبها بعد العصر، وبعضها بعد العشاء، وبعضها بين أذان العشاء وإقامته.
5) مدّة الحديث كلما قصرتْ، وحقّقت الفكرة؛ كان ذلك أدعى للانتفاع وحصول التأثير، ويساعد على تحقيق ذلك: أن يرتب الإمامُ حديثه على نقاط، ويمكنه أن يشوّق السامعين بوضعها على طريقة الأسئلة، وإن تيسر ربْطُ الجماعة بموضوع الدرس القادم فهذا حسن.
6) ليس بالضرورة أن يكون الحديث يومياً، بل هذا غير مستحسن من حيث الجملة، "كراهة السآمة"، بل يمكن تحديد ليلتين أو ثلاث في الأسبوع، وقليلٌ دائمٌ نافع؛ خير مِن كثيرٍ منقطع.
7) التحضيرُ الجيد للموضوعات مهم جداً: فهو كما يُفيد الإمامَ، ويرسّخ المعلومات عنده؛ ففيه كسبٌ لعقول المستمعين، الذين يشعرون أن إمامَهم يحترمهم بهذا التحضير، كما يتحدث الناسُ عن خطيب الجمعة الذي يحضّر جيداً، والذي ليس كذلك.
8) الإخلاص ثم الإخلاص: والاحتساب في تعليم الناس؛ فإن هذا من أجلّ الأعمال لمن صحّت نيتُه، بل هذا أحد مقامات النبوة: ﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾[آل عمران: 79].
وختاماً: فإن مهمةَ الإمام مهمةٌ جسيمة، وهي صورة مِن صور إمامة المتقين، فهنيئاً لمن عرَف قدرَها، وقام بحقها، واستعد للسؤال عنها غداً بين يدي الله تعالى، ومَن جرّب وصبر؛ فسيظفر ويغنم، وسيفتح اللهُ له أبواباً كثيرة من العلم والخير لم تخطر له على بال: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُم﴾[محمد: 17].
التعليقات