انتشار المساجد .. غزو إسلامي "رسمي" للواقع الأوروبي
في بادرة يراها البعض بأنها سعي للاندماج والانسجام الاجتماعي والتاريخي مع الآخرين، فيما ينظر لها آخرون باعتبارها توجه لنشر الإسلام بأوروبا وتختلج مشاعرهم الريبة تجاهها، أصبحت مشاريع إنشاء المساجد الجديدة بدول أوروبا تمثل حدثا شبه معتاد في عناوين الصحف الأوروبية، خاصة مع الانتشار والتدفق الهائل في عدد المسلمين القادمين من أفريقيا وتركيا والبلقان وباكستان ، والذي أدى لارتفاع ملحوظ في أعداد المسلمين خلال العقدين الماضيين.
تصاعد مثير
على أرض الواقع يشهد منحنى أعداد المسلمين في أوروبا وبالتالي المساجد تصاعدا مثيرا ، خصوصا في دول مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا وسويسرا والدانمرك، ومجموعة دول أخرى ، وهو الأمر الذي تواجهه نوبة عداء متنامي للإسلام والمسلمين والمساجد في بعض تلك الدول خصوصا دولتي ألمانيا والدانمرك، بسبب ما تسميه بعض جماعات اللوبي المسيحي واليهودي بتلك الدول بالجمعيات الإسلامية المثيرة للريبة التي تجمع الأموال من إنشاء المساجد لتستخدمها في مآرب أخرى بينها تمويل العمليات الإرهابية.
أحداث سبتمبر
لذلك نشأت خلال العقد الأخير وبالتحديد بداية من أحداث سبتمبر 2001 بأمريكا منظمات إسلامية تتبع بشكل مباشر دولا إسلامية بعينها مثل المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا ، تمارس دور الوسيط في جمع الأموال وإنفاقها في بناء المساجد ، الأمر الذي أسبغ على الموضوع بصبغة الرسمية كون تلك الدول ترتبط بعلاقات دبلوماسية رسمية مع دول أوروبا جميعا ولا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تتورط في دعم الجماعات الإرهابية.
الأوقاف التركية
وفي هذا السياق تبنت وزارة الأوقاف التركية عبر المركز الثقافي الإسلامي التركي في أوروبا العديد من مشروعات بناء المساجد وتمويلها، خصوصا في فرنسا ودول جنوب أوروبا، ما أدى بدوره إلى سرعة انتشار المساجد على مستوى القارة البيضاء.
تحركات قطرية
أما قطر فتتحرك عبر مؤسساتها الرسمية مباشرة من خلال السلطة الحاكمة أو من يمثلها في إطار السعي لإظهار مؤشرات إيجابية عن الاندماج في المجتمع الأوروبي، بما لا يسبب مشكلات حتى أن الأمير تميم بن حمد قد عرض على مجلس مدينة برشلونة الإسباني قبل عدة أشهر شراء أكبر وأقدم مركز مصارعة ثيران في العالم، بمبلغ يقارب 3 مليارات دولار، لتحويلها لمسجد من أكبر مساجد أوروبا، ويسع أكثر من 40 ألف مصلٍ.
وسيتضمن هذا المسجد ــ حسب الخطة القطرية ــ "مركزا لدراسة القرآن الكريم وتحفيظه، وسكن ممكن أن يسع ثلاثمائة شخص، ويكون هناك صالة للاجتماع، وسيكون فيه متحف إسلامي للفنون الإسلامية والتاريخ الإسلامي، وستكون ارتفاع المنارات 300 متر، لتكون بذلك أكبر المنارات بعد الحرمين".
وعقب انتشار هذا الخبر، عمت حالة من الفرح بين المسلمين بهذا الحدث، خاصة أن مدينة برشلونة رغم عدد المسلمين الكبير بها، إلا إنها تفتقر للمساجد الكافية التي تتناسب مع هذا الحجم، حيث يبلغ عدد المسلمين في برشلونة 500 ألف.
دور المملكة
وفي المقابل ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية أن "السعودية شرعت في حملة لبناء مساجد وتجهيزها في عدد من الدول الأوروبية، بعد انتهاء الحرب الباردة في التسعينات، وكانت تلك الحملة بمثابة سبب رئيس في ازدياد عدد المسلمين بدول أوروبا ودول يوغوسلافيا سابقا، ودول البلقان الغربية خاصة ألبانيا وكوسوفو والبوسنة وماسيدونيا وأجزاء من بلغاريا.
ورأت الصحيفة أن المملكة العربية السعودية غيرت إستراتيجيتها بعد أحداث سبتمبر وبدأت في التعامل مع الجمعيات الموثوقة فقط على الرغم من أن الجمعيات القديمة لم تطالها شبهات الإرهاب لكن فضلت المملكة أن تكون تعاملاتها عن طريق رابطة العالم الإسلامي والدعم الحكومي المباشر لبناء المساجد بدول الغرب جميعا.
التعليقات