الرهاب الاجتماعي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, باختصار شديد كيف أتخلص من الحياء والخجل, أنا أبلغ من العمر 19 سنة, ولكني أعاني من الخجل, أتجنب الذهاب مع الوالد لمجالس الرجال, وبعض المرات أتجنب المسجد, أحس أن العالم كلهم يناظرون إلي, يصبح وجهي محمراً, أرشدونا جزاكم الله خيراً.
يجيب على هذا.. فضيلة الشيخ/ خالد بن حسين بن عبد الرحمن، فيقول:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،،
أهلاً ومرحباً بك ابني المبارك معنا عبر هذا الموقع، ومن خلال تلك النافذة، سائلاً المولى جل وعلا أن تجد عندها ما ينفعك في الدنيا والآخرة, وأن تجد ضالتك المنشودة اللهم آمين.
· تشخيص المشكلة:
ابني الغالي.. لقد قرأت رسالتك والتي استطعت وبكل جدارة أن تلخص فيها مشكلتك وباختصار شديد غير مخل, وهذا يدل على أنك تمتلك قدرات كبيرة, ومميزات فريدة, تساعدنا كثيراً في التعاون سوياً لحل هذه المشكلة التي تعاني منها.
ومن خلال قراءتي لاستشارتك تبين لي أنك تعاني من مرض يسمى الفوبيا أو الرهاب الاجتماعي, وسوف أتناول معك هذا المرض من حيث التعريف به, والمظاهر والأسباب, وطرق العلاج, والوصايا.
أولاً: تعريف الرهاب الإجتماعي:
الرهاب هو عبارة عن خوف غير طبيعي (مرض) دائم وملازم للمرء من شيء غير مخيف في أصله, وهذا الخوف لا يُسْتند إلى أساس واقعي, ولا يمكن السيطرة عليه من قبل الفرد, رغم إدراكه أنه غير منطقي, ومع ذلك فهو يعتريه ويتحكم في سلوكه, وهو شعور شديد بالخوف من موقف لا يثير الخوف نفسه لدى أكثر الناس, وهذا ما يجعل الفرد يشعر بالوحدة, ويحب الانعزالية ويخاف من الخلطة بالآخرين, ويولد عنده الخجل من نفسه, وهذا ما يحدث معك تقريباً, وتكون النتيجة في غالب الأحيان أن يَتَهِم الإنسان المصاب بهذا المرض نفسه بالجبن وضعف الثقة بالنفس والشخصية, فالرهاب الاجتماعي هو إذاً عبارة عن اضطرابات وظيفية أو علة نفسية المنشأ, لا يوجد معها اضطراب جوهري في إدراك الفرد للواقع.
· مسميات الرهاب الاجتماعي:
يطلق على الرهاب الاجتماعي عدة مسميات أشهرها: الرهاب, الخوف, المرض, المخاوف المرضية, الخوف الاجتماعي المرضي, وهو ما تعانيه أنت, وغيرها من المسميات الكثيرة.
· انتشار الرهاب الاجتماعي:
تشير الكثير من الدراسات إلى أن نسبة انتشار الرهاب الاجتماعي تتراواح ما بين 7% إلى 14 % في أغلب المجتمعات, وهو اضطراب مزمن, ولكنه قابل للعلاج, وينتشر عند الإناث أكثر من الذكور بنسبة 2 إلى 1, كما يظهر عادة في سن الطفولة, أو المراهقة, وهو يتوافق مع اضطرابات القلق الأخرى ومع الاكتئاب, في حين تشير بعض الدراسات العربية إلا أن هذا الاضطراب واسع الانتشار في مجتمعاتنا العربية, وتصل نسبة المصابين به من مرضى العيادات النفسية إلى حوالي 13 % من عموم المرضى المراجعين لتلك العيادات.
· أنواع الرهاب الاجتماعي:
يوجد أنواع كثيرة وصور متعددة للرهاب الاجتماعي, وليس نوعاً واحداً, فهناك رهاب الأماكن الواسعة, ورهاب الاختبار, ورهاب المصاعد, ورهاب الطيران, ورهاب الأماكن المرتفعة, ورهاب المدرسة أو الكلية, ورهاب الناس والمجتمع, وهذا ما تعاني منه أنت, وهناك أنواع أخرى كثيرة .
ثانياً: مظاهر الرهاب الاجتماعي.
للرهاب الاجتماعي عدة مظاهر نجملها في الآتي:
1. الخوف المستمر الذي قد يرافقه أعراض أخرى من أهمها:
الصداع , وألم الظهر, واضطرابات المعدة, والشعور بالقلق والعجز والتوتر, والشعور بالنقص وخفقان القلب, وتصبب العرق واحمرار الوجه, وتوقع الشر, وشدة الحذر والحرص والارتجاف والتقيؤ والاضطراب في الكلام والتصرف وغيرها كثير من الأعراض التي تدل على الاضطراب الواضح الذي يعاني منه الشخص المصاب .
2. التصنع بالشجاعة والأفعال القسرية.
3. الوسواس الدائم, وربما يصل إلى الوسواس القهري.
4. الامتناع عن بعض مظاهر السلوك العادي.
5. الخوف من الوقوع في الخطأ أمام الآخرين, كما يزداد الخوف كلما كثر عدد الحاضرين.
6. العزلة, والانغماس في الاهتمامات الفردية لا الجماعية وغيرها من المظاهر الكثيرة التي يعرفها أهل الاختصاص, لكن ما ذكرنا إشارة تفيد الحالة التي بين أيدينا.
ويمكن القول بصورة عامة أن هذا الاضطراب المتمثل في الرهاب الاجتماعي يعطل الفرد وطاقاته في مجال السلوك الاجتماعي, فهو يجعله منسحباً منعزلاً خائفاً, لا يشارك الآخرين, ولا يستطيع التعبير عن نفسه, كما يُْصْبح أداءه المهني أو الدراسي أقل من طاقاته وقدراته, إضافة إلى ذلك فإن المعاناة الشخصية كبيرة, والمصاب به يتألم من خوفه وقلقه وشعوره بالنقص, وعدم الثقة بالنفس, وقد يُصاب بالاكتئاب وأنواع من القلق والسلوك الادماني وغيرها من الاضطرابات الأخرى.
ثالثاً: أسباب الرهاب الاجتماعي.
ليس هناك سبب محدد بعينه يرجع إليه الإصابة بهذا المرض, فقد تكون أسبابه وراثية أو بيولوجية, مع وجود استعداد في الشخصية بالإصابة بهذا المرض, ويمكن لنا أن نلخص أهم أسباب هذا المرض في النقاط التالية:
1. أسلوب التنشئة الخاطئ في الطفولة مثال ذلك عدم تشجيع الطفل على المبادرة والتعبير عن النفس, أو عدم السماح له بمقابلة الضيوف والجلوس معهم, وإعطائه الحرية في مشاركتهم في الحديث, أو نهره أمام الناس ونقده بأسلوب جارح وحاد.
2. التدليل الزائد والترف الزائد عن حده للطفل منذ النشأة, وتخويفه من القيام بأي شيء, وقتل روح الاعتماد على نفسه حتى في أقل الأمور وأيسرها.
3. الخلافات الأسرية أثناء الطفولة تجعل الطفل لا يشعر بالأمان, ودائماً هو في حالة خوف مستمر.
4. قلق الأسرة والأم خاصة على طفلها وخوفها الدائم عليه أثناء الطفولة المبكرة, فإذا شعر الطفل بخوف دائم عليه يتولد عنده الخوف من أي شيء, خوفاً من المدرسة, خوفاً اجتماعياً, ومخاوف أخرى متنوعة.
5. بعض المواقف السلبية التي حدثت للشخص وأثر ذلك على ثقته بنفسه, أو بسبب تجربة فاشلة مر بها فولدت عنده ردة فعل وصدمة جعلته يمتنع من تكرار محاولة التجربة مرة أخرى.
6. الخوف المبالغ فيه من نقد وتقويم الآخرين له.
7. كذلك من الأسباب ما يحصل في بعض المواقف التربوية المدرسية حين يعمد المعلم أو المعلمة إلى تعنيف الطالب أو الطالبة إذا أخطأ في الإجابة مثلاً , بل وجعل زملائه يسخرون منه أو منها ببعض الحركات التهكمية مما يكون له الأثر السيء على نفسية الطالب أو الطالبة مما يجعله عرضة للإصابة بهذا المرض.
8. ومنها كذلك أساليب التحذير المبالغ فيه للبنين والبنات من أمور شتى, ومنها استخدام الأساطير والروايات المشتملة على مواقف مرعبة ومخيفة, واستعمال ألفاظ ورموز مرعبة من أجل أن يكف الطفل عن ممارسة فعل معين, فيتولد عنده خوف من ذلك في مستقبل حياته.
رابعاً: الوقاية والعلاج.
تتنوع أسباب العلاج وتتعدد, وهذا يتوقف على نوع الرهاب وطبيعته ودرجته, ويمكن أن ألخص طُرق العلاج لمرض الرهاب الاجتماعي في الطرق التالية:
الطريقة الأولى: طريقة العلاج السلوكي.
وتعتمد هذه الطريقة على إطفاء الشعور بالخوف عن طريق الممارسة السلبية, أو الإغراق, أو الكف المشترك, ويمكن المعالجة بالتعرض التدريجي للموقف المثير بحيث تتكون لديه ثقة في الشيء الذي كان يخاف منه, وذلك بأن يُجعل المريض في حالة تقبل واسترخاء ثم يُقَدم الشيء المثير تدريجياً مع الإيحاء والتعزيز, ومع المثابرة والتكرار يتعلم المريض الاطمئنان للشيء الذي كان يخافه, وهناك أساليب أخرى في ذلك, ويمكن لنا أن نلخص هذه الأساليب التي تندرج تحت هذه الطريقة بقولنا: هو " تعديل سلوك الخوف إلى سلوك الاطمئنان والراحة ".
الطريقة الثانية: طريقة العلاج بالاستبصار.
وتقوم هذه الطريقة على استعمال العقاقير الطبية المعروفة في علاج هذا المرض, وهي تعمل على إزالة أو تخفيف الفزع قبل حدوثه, وغالباً تستخدم هذه العقاقير قبل تطبيق طريقة العلاج السلوكي.
· الوقاية خير من العلاج:
هناك وسائل وقائية أخرى من أهمها تجنب الأسباب التي تؤدي إلى هذا المرض والتي قد سبق الإشارة إليها.
وأخيراً نصائح غالية لمريض الرهاب الاجتماعي:
1. أدرك هذا المرض مبكراً قبل أن يستفحل ويصبح أمراً متأصلاً فيك يصعب بعد ذلك علاجه.
2. التدرج في مقابلة الآخرين والتحدث إليهم وأمامهم بصوت مرتفع, ويمكن لك أن تبدأ بمجموعة صغيرة ممن تعرفهم, وليكن ذلك مع أهل بيتك الوالد الوالدة الإخوة الأخوات, وقم بتحضير كلمة قصيرة تحضيراً جيداً, وتدرب على إلقاءها مُسْبقاً, ثم تلقيها عليهم, وتكرر ذلك ومع كل مرة حاول أن تزيد من عدد المستمعين لك, حتى تزداد ثقتك في نفسك, ويصبح الأمر شيئاً طبيعياً بالنسبة لك.
3. تعلم المهارات التي تمنعك من الوقوع في الحرج في المواقف الطارئة .
4. مفتاح التغلب على الخجل الاجتماعي هو تحدي الأفكار الخاطئة التي تسيطر على الذهن عند التعرض للمواقف الاجتماعية, فإذا تمكن الإنسان من تحدي تلك الأفكار, والتغلب عليها فسوف يتصرف تلقائياً بصورة طبيعية.
5. تعلم وتعرف بعمق عن هذه الحالة.
6. تقبل واعترف بأنها مشكلة حقيقة؛ لأن الرهاب الاجتماعي ليس نوعا سيئاً من الخجل, ولكنه حالة مرضية, ويجب أن نتعامل معها بجدية.
7. لا تعتبر الحالة المرضية خطأ لأحد معين, وتلقي باللوم عليه أو على نفسك.
8. ارجع إلى الطبيب المختص في حالة عدم قدرتك على التعامل مع حالتك المرضية.
9. شجع نفسك من بداية العلاج وأظهر تقديرك وإعجابك لنفسك بأي تحسن يطرأ عليك مهما كان قليلاً.
10. في المنزل حاول أن تواصل حياتك اليومية بشكل طبيعي بقدر الإمكان, ولهذا لا تقبل أن تكيف حياتك لكي تتماشى مع مخاوفك وقلقك.
هذا والله أعلم وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
التعليقات