إمام المسجد .. بين مسئولية الخطاب الدعوي وفقه المرحلة
· الهلالي: مسئولية الإمام جسيمة أمام المجتمع والتخصص العلمي والعملي مطلوب
· صالح: الإمام كالطبيب يعالج آلام الناس وقيادة دينية في محيطه الذي يعيش به
· عبد الباقي: فصل الإمام عن الواقع مشكلة وعليه طرح أفكار جديدة تواكب العصر
تحقيق حسام محمود
تبدو قضايا العصر عديدة ومتشابكة، ومتغيرات الواقع تلقي بظلالها على سلوكيات وأخلاق الناس, والمسلمون يحتاجون إلى خطاب دعوي يناسب مقتضيات الواقع، أمور الدنيا من أكثر ما يشغل الناس، لكن دينهم هو الوحيد الذي يكفل لهم حلولاً لتلك المشكلات, ولا مناص من تغليب الدين على الدنيا, ولعل رسالة الإمام السامية أحد أدوات حل تلك المعضلات التي نعيشها، لهذا ينبغي للإمام أن يكون مدركًا للواقع المحيط، بما ينعكس على تطوير خطابه الديني, ومعالجة مواطن الخلل والقصور في هذا الواقع بما يتفق مع صحيح الدين ومنهجه الحنيف، وحول هذه الأفكار يدور هذا التحقيق ليلقي الضوء على رسالة الإمام والواقع المعاصر.
مقتضيات الرسالة
في البداية يقول الدكتور سعد الهلالي أحد علماء ومفكري العالم الإسلامي: إنه من المهم أن يكون إمام المسجد مدركًا للواقع المحيط به، والقضايا المطروحة التي تهم الناس، لكن لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، فليبدأ الإمام أولاً بنفسه، ثم بمن حوله على قدر استطاعته, فالمؤمن مسئول عن أخيه، لكن الأمر ليس مفتوحًا بلا حدود؛ لأن من الضروري وجود تواصل جغرافي وبصورة مباشرة, وإمام المسجد يجب أن يكون قارئًا وحافظًا لكتاب الله، وعلى قدر متميز من الفقه في السنة النبوية الشريفة.
أما الخطيب فينبغي أن يتحول لمعلم وأستاذ ومدرس ليؤدي رسالته السامية، بل ويتخصص في علم أو فرع ديني, فهناك من يحاولون الكلام بغير علم في أمور الدين وتطبيقاته الدنيوية التي يجب على الإمام عند التطرق لها مراعاة الواقع, وأن يكون متطورًا مع قضايا العصر دون مجافة للنصوص والأصول والثوابت, والإمام سوف يُسأل عن ما يقوم به بحق الناس والمجتمع، فعليه مسئولية هائلة وجسيمة, فينبغي له أن يبتعد عن لغو الحديث والجدال بغير حق, والتركيز على المنهج الوسطي؛ من خلال طرحه لعلاج المشكلات الدنيوية وعلاقتها بالدين.
وأضاف الهلالي، لا بد للخطيب من التخصص العلمي والعملي في أمور الدين، فهذا شيء يزيد من وضوح رسالة الأئمة للناس, وإدراك الإمام ينعكس على معالجته لكافة القضايا المطروحة على الساحة بشكل يحقق مصلحة الناس والمجتمع والبلاد؛ من خلال التمسك بالدين, كما يرقى بالمجتمع من خلال خطاب ديني يرشد للحق، ووسطي مستنير وسليم.
وأوضح أن الإمام عليه دور كبير في الاجتهاد لمعالجة مواطن الخلل والقصور في الواقع المعاصر, فالإمام مظلوم؛ لأنه وُضع في محيط علمي كبير أكبر من أي إنسان؛ لأنه مطلوب منه الإلمام بكافة القضايا والمشكلات والعلوم, وهذا فوق طاقة البشر, فعلى الإمام السعي للصعود بمستواه من زاوية كيفية التخصص القائم على العلم الديني النافع للناس, وينبغي له الحرص على مزيد من التعلم، والإنسان مهما كبر سواء كان من العامة أو العلماء، بحاجة مستمرة للتزود من العلم النافع وذلك بالذهاب للمؤسسات الإسلامية المتخصصة في علوم الفقه والحديث والشريعة ليكوّن فكرًا مستنيرًا يساعده على مهمة توضيح حقائق ما يجري من أحداث راهنة ذات رؤى سياسية خطيرة, وقد يتعلق الأمر بمجالات اجتماعية واقتصادية تشغل بال العالم الإسلامي.
الإمام كالطبيب
أما الدكتور عبد الحكم صالح سلامة الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف، فيقول: إن خطيب المسجد وإمامه قيادة دينية في محيطه الذي يحيا فيه، ومنارة علمية للمنطقة التي يؤم الناس فيها, والخطيب النابه الذي يحرص على أداء واجبه على نحو يرضي الله تعالى، فيكتب له السعادة في الدنيا والآخرة, لافتا إلى أنه ينبغي للإمام أن يجيد تلاوة القرآن الكريم، وفهم وتدبر معانيه حفظًا وإتقانا وإدراكًا وعمقًا, بجانب الحرص على معرفة وتلقي ما تركته السنة المطهرة الصحيحة الموثوقة بقدر المستطاع, بما يمنح الأمل المرجو لرواد مسجده, بالإضافة إلى ضرورة تركيز الإمام على معرفة السيرة العطرة بأحداثها ومواقفها، وسلوكيات المصطفى وأخلاقه وتصرفاته وإقراراته التي أقر عليها صحابته. فلا بد أن يكون هناك وعي لدى الإمام والخطيب.
وأكد صالح أن الإمام عليه أيضًا فهم مصادر العلوم الدينية والفقهية بمرونة واستنارة تجعله قادرًا على الاستلهام من نصوص الوحي الشريف، وأحداث السيرة العطرة، ما يجعله يعالج قضايا الواقع بروافده, ويأخذ من ذلك ما يفضّ به المشكلات, فهناك مشكلات تحدث ومواقف تبرز مليئة بالجديد والناس يحبون الدين, ويحبون أن تكون أمور الدين غالبة في الحكم على أمور الدنيا.
وأوضح أنه من واجب الإمام في رسالته الإمعان في تفسيرات القرآن والسنة حتى يستخلص ما يجعله قادرًا على تلبية حاجيات الناس، كذلك يجب على الإمام الاطلاع على تاريخ الأمة وتاريخ الإنسانية, وأن يحيط بالأمور الجديدة؛ من خلال المصادر والمراجع لفهم مشكلات الواقع وإخراج الناس من الحيرة، وانتشالهم من انشغالهم بأمور الدنيا، وذلك من خلال فكر إسلامي سليم ليتمكن من الإجابة عن كل ما يسأله الناس عنه.
وتابع، على الإمام إجادة فقه المرحلة, فكل مرحلة لها موضوعات ينبغي التحدث فيها في كل ظرف ومرحلة زمنية للإجابة عن تحديات الناس من خلال رؤية إسلامية, وهناك ضرورة على الإمام, وهى إدراك فقه الأولويات, فليس كل الأمور في كل عصر وبيئة في فكر واحد, وفى كل نسق, فليس كل ما يصلح لبيئة يصلح لأخرى, وأيضًا قراءة المناخ العام؛ من خلال فقه المرحلة السياسية، وسياسة الوطن والإقليم الذي يقع الوطن في نطاقه, وتطابق هذا مع فقه الدين, والتعمق في فهم ما وصل إليه العلماء والفقهاء المعاصرون مثل فكر الإمام الشيخ محمد الغزالي والشيخ محمد متولي الشعراوي رحمهما الله تعالى.
ورأى الأستاذ بجامعة الأزهر أن الإمام كالطبيب؛ ذكي واعٍ سريع هادئ متزن، والطبيب يشخّص مرض المريض والإمام كالطبيب يجب أن يصف العلاج بدون تهويل, ولكن بالتخفيف من الأمور حتى يتم التفاعل مع المشكلة بطمأنينة، وكذلك ينبغي إبعاد الإمام عن اليأس أو القنوط؛ فالأمراض الأخلاقية والجرائم التي تظهر في المجتمعات يجب على الإمام معالجتها بالفطنة والهدوء, فقد كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عندما يرى سلوكًا معوجًا من جماعة، فقد قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}(النحل: 125)، وقال صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام يقولون كذا وكذا "(أخرجه أبو داود وابن ماجه وغيرهما، وقال الألباني: صحيح).
والإمام الحكيم حتى لا يؤذي مشاعر المخطئ يجب عليه وضع الشيء في موضعه؛ كي لا يرتكب جريمة الإسقاط الاجتماعي, ويجب على الإمام علاج القصور والخلل المجتمعي دون التطاول على الحريات.
معالجة الواقع
بدوره يوضح الداعية الإسلامي هشام عبد الباقي موضوع رسالة الإمام من منطلق الواقع, فيقول: إن إمام المسجد يجب أن يكون على دراية بالعلم والدين بشكل يجعله يلم بالمشكلات الحياتية بطريقة تتفق مع مفاهيم الدين, فلا ينفصل الإمام عن الواقع الراهن؛ لأن هناك ارتباطًا بين الواقع والدين والضمائر البشرية.
وأضاف عبدالباقي أنه على الإمام أن يطرح أفكار جديدة تواكب متغيرات العصر بالتنسيق مع المؤسسات والجامعات الإسلامية ودار الفتوى, حتى لا ينحرف في رسالته بفعل اصطدامه مع قضايا الواقع المتجدد؛ بحيث يجمع الخطاب الديني بين المفاهيم الرشيدة وحلول مشكلات العصر, وهذا يجعل رسالته تصل إلى الناس بقوة, ويرغب المسلمين في تطبيقها واقعيًّا, فلا تكون دعوة الإمام فقط إلى العبادات والفرائض والسنن فحسب، بل إلى التطبيق العملي لمفاهيم الدين الصحيحة على الحياة الواقعية؛ بما يخدم مصالح العامة, ويزيل المفاهيم الخاطئة, ويجذب المسلمين إلى رسالة الإمام, فيعلو قدره ويكون في مضمار الصلاح والصالحين ويلازمه التوفيق.
كما أن على الإمام دور مهم في إصلاح أي اعوجاج بالمجتمع؛ من خلال رؤية دينية صحيحة، تنعكس على تصرفات الناس، وتقويم منهجهم في الحياة, فالدين به تشريعات ينبغي تطبيقها لإصلاح العيوب ودرء المفاسد والتربية الصحيحة، وغيرها من الأسس التي تُصلح أي خلل مجتمعي.
التعليقات