محمد شامة: الأزهر سيظل منارة العالم الإسلامي ويجب تأهيل الأئمة علميا وثقافيا
الداعية والمفكر الإسلامي محمد شامة لـ "دليل المسجد" :
الأزهر سيظل منارة العالم الإسلامي ويجب تأهيل الأئمة علميا وثقافيا
· التصدي لدعاة الفضائيات وتجار الدين ضرورة لعودة مكانة الأزهر
· السياسة أداة لخدمة قيم الدين وليس للمصالح الشخصية والحزبية
· الإمام عليه دور ريادي في نشر العلوم الدينية ويجب ألا تشغله وظيفته عن عمله الدعوي
حاوره: حسام محمود
رأى أن الأزهر بفكره الوسطي يطرح رؤية عميقة للقضايا الدينية تتسم بالاعتدال وعدم التشدد أو التطرف وتقوم على قبول الآخر والحوار، مركزاً على كيفية تغليب المصالح العامة على الرؤية الخاصة للأمور، وأشاد بدوره كمنارة للعالم الإسلامي ، ولم يتأثر أبدا بالأمور السياسية وإن كان أثر فيها، مشددا على استمراره كمسجد في المقام الأول قبل أن يكون جامعة للعلم ، ومطالبا في الوقت ذاته بضرورة مواجهة فتاوى الفضائيات والصحف غير المسئولة وأهمية تثقيف الأئمة ليكونوا نبراسا لنشر الدين الصحيح ومواجهة تلك الهجمة على الإسلام.
كان هذا ملخص حوار موقع "دليل المسجد" مع الداعية والمفكر الإسلامي محمد شامة، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، فإلى نص الحوار.
** ما هو واقع الأزهر الآن؟
الأزهر لا يزال أكبر جامعة ومنارة إسلامية تشع بنور الحق والهداية للعالم كله، ويخرج الأئمة والدعاة والمفكرين والباحثين لمشارق الأرض ومغاربها، ولعل فكر الأزهر الوسطي أحد أهم الثقافات الدينية الإسلامية التي يركز على نشرها، فالأزهر يُعد المتحدث الرسمي باسم الإسلام الوسطي، وهو يطرح رؤية موجزة أو عميقة للقضايا الدينية حسب المشكلات المطروحة بمعالجة تتسم بالاعتدال وعدم التشدد أو التطرف أو إشاعة جو من ازدراء الأديان وصراع الحضارات وأصحاب الديانات، فالفكر الوسطي في الأزهر يقوم على قبول الآخر والحوار، والأزهر يركز على كيفية تغليب المصالح العامة على الرؤية الخاصة للأمور، وعدم تعقيد القضايا، فهو لا يزال مركز إشعاع فكري يحمل قرونًا عديدة من الريادة الفقهية والتوعية الدينية.
** هل مكانة الأزهر الآن كجامعة إسلامية في مقدمة الجامعات الإسلامية أم تأخر؟ ولماذا ؟
الأزهر يتبوأ مكانة رفيعة في مقدمة الجامعات الإسلامية، والدليل على ذلك حرص العديد من البلدان في كافة قارات العالم التي يوجد بها مسلمون على إيفاد أبنائها ليدرسوا ويتلقوا العلوم الفقهية والدينية في رحاب الأزهر الشريف، كما أن بعض البلاد الإسلامية حاولت تقليد الأزهر بإنشاء جامعات إسلامية تنافسه، ولكنها لم تفلح على الرغم من أن بعضها استعانت بكوادر من علماء الأزهر ذاته، فالعبرة بالمؤسسة الدينية واسمها وشهرتها العالمية، فالأزهر نوره الديني لم ولن ينطفئ وسيظل لأنه يمثل مصر قلب العروبة والإسلام التي ذُكرت في القرآن الكريم، والمعدن النفيس قد تشوبه الشوائب لكنه يظل نفيسًا، وهذا هو الأزهر، فما يراه البعض من تأخر دور الأزهر هو وجهة نظر تلتفت إلى الضجة التي يحاول منها البعض ادعاء الفقه وموجة الفتاوى خاصة بالفضائيات الإعلامية، وما يلبسه البعض من ثوب الداعية وهو أبعد ما يكون عن تفسير أمور الدين والحكم عليها.
** لماذا لا يشعر المسلمون بأهمية الأزهر كما كان في القرون السابقة؟
يجب عدم ظلم الجهود التي يقوم بها الأزهريون على الساحة الدينية الإسلامية، وقد كان شيخ الأزهر حينما يسافر إلى أي دولة يُستقبل من قِبل الرؤساء وهو الآن يحظى بتقدير أيضًا لا يقل عن ما كان؛ من عقده لقاءات ومناقشات مع كبار مسئولي الدول خاصة بالعالم الإسلامي، لكن انتشار وسائل الحياة العصرية حتى في تلقي الأمور الدينية بسهولة ويسر جعل الأمر يظهر للبعض كأنه تراجع دور الأزهر عن القرون السابقة، فالأزهر مهما كان الزمن في المقدمة والصدارة، وله اسمه وصيته في رسالة الدعوة، لكن في هذا العصر لم تعد منظومة الدعوة قاصرة على مؤسسة بعينها رغم ريادة الأزهر، فهناك طلبة من كافة أنحاء العالم خاصة من إفريقيا وحتى أوروبا وأمريكا يحرصون على التلقي من علوم الأزهر، والعكس هناك أقسام تطورت في جامعة الأزهر لتلقين اللغات للدعاة والأئمة ليسافروا كسفراء لنشر الفكر السمح حول الدين الحنيف.
** كان الأزهر سابقًا منارة العلم والدعوة في العالم الإسلامي فما أسباب تراجعه عن هذا الدور حاليًا؟
الأزهر باقٍ مهما تطورت أساليب العصر، ودوره لا يزال في الدعوة كبصمة يصعب إزالتها أو محوها، وربما كان بعض التراجع نتيجة ضعف بعض الخريجين عن الأئمة الكبار، لكن نسبة هؤلاء ضئيلة لا تقارن بغالبية علماء الأزهر الأجلاء الذين أضاءوا العالم بالهداية والهدى، والأزهر في طريقه للعودة لمكانته الطبيعية التي فقد منها القليل بسبب طوفان بعض وسائل الإعلام الديني والفضائيات الجامحة ووسائل التواصل الاجتماعي، فالأزهر حدث له خفوت بعض الشيء، لكن تراث علمه وفقهه نهر لا يجف، وهذا الخفوت جاء بسبب لهث الكثيرين وراء الفتاوى الإعلامية ودعاة القنوات الفضائية.
** الأزهر كمسجد، هل ترى أنه تراجع لصالح الجامعة؟
لا الأزهر سيظل ولا يزال مسجدًا في المقام الأول؛ يجمع بين كافة أشكال العبادات، وجامعة تروّج لكافة أشكال العلوم والفقه والدعوة الإسلامية.
** ما مدى تأثير السلطة السياسية على توجهات الأزهر ودوره؟
الأزهر كان نبراسًا في التفرد بشخصية لا تُقاد أو تتبع السلطة السياسية، سواء كانت الأحداث هادئة أو هناك أزمات، لكن تأثير السلطة السياسية يختلف من شخصية شيخ إلى آخر حسب كل عصر، فهناك شيوخ أزهريون تصل بهم الأمور لحد فرض رأيهم الديني على السلطة ذاتها.
** كيف تقيّم خريجي الأزهر علميًّا وثقافيًّا، والأئمة والخطباء منهم على وجه الخصوص؟ وهل هم مؤهلون للصعود على المنبر ؟
الأزهر يقدم أفضل خريج لجامعة إسلامية عريقة عمرها قرون طويلة، ويتم تأهيل الخريجين علميًّا بكافة أشكال العلوم، بل ودخول علوم جديدة معاصرة في تطور لافت بحسب مقتضيات العصر، وغالبية الأزهريين مؤهلون ليكونوا أئمة وخطباء بل ودعاة.
** كيف نعيد للأزهر ومنتسبيه دورهم ومكانتهم؟
يكون ذلك بالتصدي لفوضى بعض دعاة الفضائيات ووسائل الإعلام والصحف والمجلات الدينية؛ فالبعض يكون على صواب وعنده استعداد للدعوة والفتوى، وآخرون وهم كثيرون بل والغالبية دخلاء على هذه الدعوة بقصد الاتجار بالدين في الإعلام، فيجب تحريم فتاوى القنوات الفضائية غير المنضبطة؛ فلجان الفتوى الشرعية هي المنوطة بذلك، ودار الإفتاء، وليس مجرد مذيع ومدعّ للفقه.
** كيف يكون الإمام قدوة للمجتمع وأفراده؟
الإمام يجب أن يتصف بصفات قويمة؛ تتسم سلوكياته بالعفة، وأن يكون مؤثرًا في العظة التي يرددها للناس، وأن تكون تعاملاته مع الأفراد رصينة وقويمة تقوم على العطف والبر والإحسان ونشر مفاهيم الدين الصحيحة.
ما هي المهام التي ينبغي لإمام المسجد القيام بها تجاه المجتمع؟
إمام المسجد يجب أن يعالج قضايا المجتمع من خلال مفاهيم الدين الإسلامي، والابتعاد عن لغط الحديث، أو التشهير بأخطاء الناس على المنبر مثلاً، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يعرف خطأ الشخص فيقول على المنبر: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا، دون أن يسميه، فلابد من اجتماع الدين والأمانة مع الضمير في معالجة الإمام لمشكلات المجتمع.
** كيف يمكن تأهيل إمام المسجد علميًّا وثقافيًّا ليقوم بدوره المطلوب؟
أئمة المساجد يجب أن يكونوا نبراسًا لغيرهم من الناس علمًا وخُلقًا؛ بتأهيلهم وتثقيفهم وتلقينهم علوم الدنيا والدين، وعمل دورات لهم في مختلف المجالات، وغرس ثقافة الاطلاع على الكتب والعلوم والمكتبات لديهم، وإرسالهم في بعثات للخارج إذا كان لهم ميول في الاستزادة من بحور العلم، فقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى طلب العلم، وجعله فريضة على المسلم، وكذلك المسلمة.
** كيف يوازن إمام المسجد بين عمله الوظيفي ودوره المجتمعي؟
يجب أن لا يشغل إمام المسجد عمله الوظيفي عن دوره المجتمعي؛ لأنه جزء من تعاملاته مع الله ومع الناس، وسيحاسبه الله على المجالين، فالإمام عليه دور ريادي في تحفيظ القرآن ونشر العلوم الدينية، وتوضيح حقائق الإسلام، والدعوة إلى الدين الحنيف بالحكمة والموعظة الحسنة.
** ما هو دور إمام المسجد تجاه قضايا الأمة الكبرى؟
إمام المسجد يجب أن يكون مرآة لرؤية قضايا المجتمع والأمة في ضوء الفهم الصحيح للكتاب والسنة، فالإمام أمامه رسالة سامية، ويجب أن يلتزم القيم والمبادئ بالدعوة للعدل ونبذ الظلم والظالمين، ودعم الفقراء والطبقات المطحونة، ومعاونة أصحاب الضمائر من الأغنياء في تقديم المساعدات النقدية والعينية للفقراء، ويجب على الإمام عدم الانشغال بأمور السياسة إلا ما يتعلق بفكر ديني معين كي لا يكون بوقًا يدعو لتيار سياسي بعينه، ونرى أن الأمر يتطور للأسف ببعض الأئمة للدعوة لفتن، وهذا جهل للأسف بمفاهيم رسالة الإمامة. فالسياسة أداة لخدمة قيم الدين، وليس العكس، فالدين ليس أداة لخدمة السياسة، فالعالم يوظف السياسة لخدمة الدين وليس للمصالح الشخصية والحزبية، ولا ينبغي أن تحركه السياسة.
** ما الذي ينبغي على إمام المسجد القيام به في ظل التطورات والأحداث السياسية التي تشهدها الأمة الإسلامية في الفترة الأخيرة؟
إمام المسجد عليه دور رائد في شحن الهمم للجوء إلى الله، والحرص على صالح الأعمال، وتقوى الله في التعاملات الدنيوية، خاصة بالنسبة للتطورات المعاصرة، وليس من دور الإمام الترويج للسياسة، ولكنه قد يتطرق لجوانب سياسية من خلال رؤية إسلامية للأحداث؛ كالدعوة لنبذ الخلافات والاقتتال الداخلي والسلام الاجتماعي، ورفع الظلم عن المظلومين والمكلومين، والدفاع عن مقدسات العالم الإسلامي في القدس من بطش الصهاينة، كما أن الدعوة للقتال ضد الأعداء مهمة الحاكم وليس إمام المسجد.
التعليقات