التأهيل العلمي للأئمة.. ضرورة مجتمعية
يحملون مشعل التنوير والفكر الوسطي وينبذون التشدد والتعصب
· عثمان: إتقان اللغة والتواصل الجماهيري وفنون الخطابة وسائل هامة لتأهيل الأئمة .
· سنوسي: على الإمام اختيار من يسمع لهم ويتلقى مفاهيم الدين على أيديهم.
· القاضي: الكوادر الدينية موجودة ويجب صقلها على أيدي العلماء الكبار .
حسام محمود
يُعتبر الإمام أساسًا في الدعوة الإسلامية، وأداةً لخدمة الدين؛ في ضوء توصيله للمفاهيم الدينية إلى عامة الناس, وهو يحمل رسالة سامية لخدمة المجتمع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وفكره لا يقتصر على نفسه، فهو مبلّغ للعلم عن الله ورسوله؛ يملأ نفوس الناس قبل عقولهم، لهذا ينبغي أن يُؤَهَّل لتلك الرسالة ليقوم بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة؛ عن طريق مجموعة من الأدوات المعينة له على أداء رسالته، بالإضافة إلى وعيه بخطورة ما يُلقَى على عاتقه من مهمة تعليم الجماهير دينيًّا, وتوعيتهم بالقيم والمبادئ الإسلامية التي تتفق مع الشريعة وأصول الفقه من القرآن الكريم والسنة المطهرة.
وفي هذا التحقيق ، سنلقي الضوء على آراء العلماء والشيوخ ورجال الدين في تلك القضية المهمة التي تمس معيار فهم عقول الناس لمتطلبات وقيم الدين الحنيف من زاوية تخريج أئمة قادرين على حمل مشعل التنوير والفكر الوسطي الصحيح, ونبذ التشدد التعصب والجدال بغير علم.
رسالة سامية
في البداية يؤكد الدكتور عثمان محمد عثمان، العالم والفقيه أن تأهيل إمام المسجد يأتي في مقدمة أولويات المجتمع, فالمجتمع المتدين الذي يريد الحفاظ على دينه وقيمه ومبادئه ويصونها عن العبث بها؛ ينبغي أن يضع الإمام كقيمة كبيرة ويهتم به؛ لأن الإمام يُعتبر القناة الأكثر انتشارًا في كل المواقع والمناطق, ويكفي القول: إن تأهيل الإمام يتيح نشر الوعي بين الناس بحقائق دينهم وأهدافه السامية.
وأهمية تأهيل الإمام ثقافيًّا ودينيًّا تأتي في المقدمة، فلو كان التأهيل على أعلى مستوى من العلم والدراية والخبرة والفهم الصحيح استطاع الإمام نقل هذه الأفكار للجماهير، سواء في المواعظ أو الخطب، أو الندوات والمجالس، أو الاجتماعات، بل والمؤتمرات.
أما النسبة لطرق ووسائل تأهيل الإمام فهي كثيرة؛ من خلال أدوات العلم وفنون الخطابة وإتقان اللغة، والتواصل الجماهيري؛ لترسيخ مفاهيم الإسلام الوسطي المعتدل، ولا بد من دعم الحكومات الإسلامية لمؤسسات الدعوة التي تخرّج أجيالاً من الأئمة المؤهلين لصعود منبر المساجد، خاصة مؤسسة الأزهر الشريف في مصر.
تبادل الخبرات
ومن الوسائل أيضًا، تبادل الخبرات بين المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي؛ للرقي بمستوى الأئمة والوعاظ, ويجب على الشعوب والحكومات والمسئولين التنبه لدور الإمام، فلا يعتلي المنبر شخص غير مؤهل تأهيلاً علميًّا، وإنما يرتقي المنابر من تخصص في دراسة الدين والفقه, ودرس الوعظ والإلقاء، وهذا دور مهم، لذلك يجب تثقيف الأئمة وتعليمهم أصول الدين في دورات لا تقل عن سنة؛ نظرًا لأهمية دورهم في المجتمع وقيامهم على ترسيخ مفاهيم الدين الصحيحة التي تُجنّب المجتمع التطرف والخرافات.
أما وجود أئمة غير مؤهلين فتلك كارثة، لذا يجب إشراف جهات رسمية على تدريب وتأهيل الأئمة, على أن تعقد لهم الدورات النظرية والعملية التي ترقى بمستواهم الثقافي والعلمي؛ لتمكينهم من توصيل المفاهيم الدينية الصحيحة, فذلك ينعكس على حياة الناس والمجتمع.
والتدريب النظري فقط ينقصه الاحتكاك بالمشاكل الجماهيرية عمليًّا؛ لهذا يجب أن يطبّق الإمام ما يتلقاه من علوم وفقه وحديث وثقافة؛ لخدمة الصالح العام, فينبغي عقد تدريبات للأئمة عبر لجان استماع تغرّس فيهم القدرة على التواصل مع الجماهير، وتوجههم في إعداد وإلقاء خطاب ديني ملائم للناس يتفق مع مفاهيم الدين، ويراعي مختلف الثقافات, كما أن من المهم تدريب الإمام على كيفية إلقاء الخطبة, وتوصيل المعلومة بشكل سهل ومبسّط لعامة الناس.
التأهيل الشامل
أما الدكتور محمد نصر سنوسي، أستاذ الحديث وأصول الدين بجامعة الأزهر فيرى أن إمام المسجد لابد أن يكون حافظًا لكتاب الله، قارئًا متميزًا له، صاحب ثقافة دينية وعلوم فقهية عالية المستوى، فاهمًا لسُنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بفهم الصحابة والسلف الصالح، سواء في سائر أحكام الإسلام، فالإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة, بحيث تكون علوم الدين والثقافة الإسلامية متجددة لديه، وتواكب في حلولها متغيرات العصر لحل القضايا والخلافات والنزاعات أيًّا كانت, فإذا سئل أجاب إجابات واثقة ليس بها ريبة أو شك, ويكون عارفًا بمناحي القضايا المعاصرة وكيفية معالجتها, صاحب وعي بما يجب أن تسير عليه أمور الناس كافة, وما يرغب الناس في معرفته من خلال دعوته للدين الحنيف.
وأكد سنوسي على أهمية التزام الإمام بمظهر جيد، وأسلوب عذب، وتقوى لله تعالى, وورع حتى لا ينساق وراء فتن الدنيا؛ لأنه أداة للهداية والهدى، لافتا إلى أن الطرق والوسائل التي تعمل على تأهيل إمام المسجد متنوعة، لكن يجب أن يكون في مقدمتها التحاقه بمؤسسات دينية ومراكز تأهيلية بإشراف متخصصين ودعاة وشيوخ كبار.
مسئولية الأزهر والأوقاف
وأوضح استاذ أصول الدين أن مؤسسة وجامعة الأزهر الشريف في مصر تقدم ذلك، بل وتعتز وتفخر بدورها في تخريج الأئمة المؤهلين لصعود المنبر, كما لا ينبغي أن يغفل الإمام عن بعض وسائل تأهيله من القراءة والاطلاع, وأن تكون لديه مكتبة إسلامية، وأن يقتصر في متابعته للفضائيات، وخاصة الدينية منها، على البرامج النافعة التي ليس بها لغو، أو خروج عن حقائق الدين، حتى لا ينساق في ركب من يتعاملون مع الدين دون تأهيل, فوسائل الإعلام تقدم مادة قيمة للثقافة الدينية، إلا أنه يجب اختيار الجيد منها, فبعضها تثير قضايا لمجرد الرواج دون مضمون, والبعض فيها من يتحدث بجهل في أمور الدين، لكن على الإمام اختيار من يسمع لهم ويتلقى مفاهيم الدين على أيديهم بكافة الوسائل.
وتقع مسئولية تأهيل الأئمة في المقام الأول على المؤسسات الدينية كالجامع الأزهر ووزارات الأوقاف الرسمية؛ حيث يكون الخريج متخصصًا في علوم أصول الدين والشريعة والدعوة الإسلامية، ثم يلتحق بوزارة الأوقاف أو المؤسسات الدينية, ويواظب على الدورات التدريبية المختلفة ذات المستويات التصاعدية؛ من أجل خوضه مضمار التطبيقات العملية مع النواحي النظرية.
إعداد الكوادر
أما الداعية الإسلامي الشيخ سعيد القاضي فيقول إن الدين حثَّ على طلب العلم، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة", ومن ثَم فإذا كان طلب العلم فريضة على الجميع، فما بالنا بأناس مطلوب منهم توعية ودعوة الناس لأمور دينهم ودنياهم, وحثّهم على العمل لآخرتهم, لذا يجب أن يكون العلم والثقافة والاطلاع والدراسة ضرورة ملحة للإمام, كما أن عبادة الله تستلزم العلم؛ حتى لا يقع الشخص في الفتن والخطايا، أما اللجوء إلى الجهلة طلبًا لرأي أو مشورة؛ فهو خطأ كبير يؤدي بصاحبه إلى التهلكة وسوء عاقبة أمره.
وأضاف القاضي أن الإمام يجب أن يكون من خريجي جامعات الدعوة الإسلامية، وعلى رأسها الأزهر الشريف, وأن يكون متعلمًا لأصول الدين والفقه والحديث, وأن يكون متمكنًا في العلوم المتخصصة الفقهية والدينية؛ عن طريق ما تقدمه الحكومات الإسلامية من قنوات لتثقيف وصقل من لديهم الاستعداد لاعتلاء المنابر وتوعية الناس.
وتابع، ولعل من أفضل الطرق التي تؤدي إلى توارث العلوم الفقهية والدينية هي الحرص على تربية أجيال من الأئمة على أيدي العلماء الكبار ورجال الدين المتميزيين الذين يُشار إليهم بالبنان, فالكوادر الدينية موجودة، ويجب صقلها على أيدي العلماء الكبار؛ لتحمل هذه الأمانة للناس؛ أمانة الكلمة في الدين, ويجب عقد الدورات للرقي بمستويات الأئمة؛ من خلال وضع أُطر صحيحة لتوعيتهم، وترجيح عقولهم، وجعلهم يطبّقون ما يدرسونه على الساحة الفعلية للمجتمع؛ لتتفتح عقولهم ويزداد إدراكهم بمشاكل المجتمع، ومواجهتها بمنظور إسلامي وسطي.
التعليقات