دور إمام وخطيب المسجد في تقوية عقيدة وأخلاق المسلمين
الحمد لله حمدًا كثيرًا مباركًا يوافي نعمه، ويدفع عنا نقمه، والصلاة والسلام على إمام المرسلين محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم- رسول الرحمة والملحمة.
ففي هذا المقال نبيّن فيه دور إمام وخطيب المسجد في تقوية عقيدة، وأخلاق المسلمين من خلال عمله في المسجد وخارجه، ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يفقهنا في الدين، ويعلمنا التأويل، قال تعالى: {وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}[1].
وبعد:
إن لخطيب وإمام المسجد فاعلية كبرى في نفوس المصلين والمسلمين من أي وسيلة أخرى؛ لأن إمام وخطيب المسجد بما يملك من علم ومعرفة وثقة متبادلة بينه وبين المصلين يستطيع –إن وفَّقه الله- أن يؤثر في هؤلاء بكل يسر وسهولة، كما يستطيع أن يقتلع جذور الظلم، والشر من نفوس كثير من الناس، ويعيد بعث الخشية من الله تعالى، وحب الحق وأهله، وقبول العدل وما ينتج عنه، وإصلاح النفوس وتربيتها على الآداب الفاضلة، والأخلاق الحميدة والعقيدة الصحيحة.
ولا يمكن أن ينجح إمام وخطيب المسجد في أداء أي مهمته إلا إذا أخلص النية لله تعالى، ثم حاول محاكاة أسلوب الرسول –صلى الله عليه وسلم– والذي كان يأخذ بألباب سامعيه واستدراجه اللبق لأفهامهم وبالصوت العذب، والحجة الظاهرة الدامغة، ومراعاة مقتضى الحال، فلكل مقام مقال.
فعلى خطيب وإمام المسجد أن يكون شغله الشاغل الوعظ، والتذكير بالله تعالى، وبحسابه وجزائه، وبالمعاني الربانية، التي تحيي القلوب ساعيًا إلى زرع الإحسان في نفوس، ووجدان المسلمين، وأن يعبدوا الله كأنهم يرونه، فإن لم يروه، فإنه يراهم، والتي بينها الحديث المروي عن الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، قال: بينما نحن عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرَى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً ". قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان. قال: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره". قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك".
قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: "ما المسئول عنها بأعلم من السائل". قال: فأخبرني عن أمارتها؟ قال: "أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ثم انطلق، فلبثت مليًّا، ثم قال لي: "يا عمر، أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم).[2]
وحري بإمام وخطيب المسجد الاهتمام، والتركيز على الأمور التالية:
1- تفقيه المسلمين بأمور دينهم، مع العناية بالعقيدة الصحيحة، والأخلاق، والآداب الإسلامية.
2-التصدي للمفاهيم المغلوطة عن الإسلام ومصادره، ورد الشبهات والأباطيل بأسلوب علمي بسيط يناسب جميع المسلمين على اختلاف ثقافاتهم وأجناسهم ومشاربهم.
3-مقاومة النزعات العنصرية، والدعوات الجاهلية المفرِّقة لأبناء الأمة الواحدة وأعني بهم أهل السنة والجماعة؛ لأنهم هم الأمة.
قال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.[3]
4- تقوية وترسيخ معاني العبودية التي تنمّي شعور الخوف من الله تعالى، والخوف من عقابه.
قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}. [4]
5- الالتزام بتقوى الله تعالى في السر والعلن، وبيان الأثر الإيجابي لذلك من راحة النفس وسكينة القلب، والالتزام بالمنهج القويم والأفكار الصحيحة، فيعم الأمن والأمان على المجتمع وأفراده.
قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزًا عَظِيمًا * وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}. [5]
إن قوة الإيمان أصل لكل خير وفضيلة، وحصن حصين من أي شر أو رذيلة قد تهدد المسلمين ودينهم ومجتمعهم.
إن إمام وخطيب المسجد حين يحاول تقوية الإيمان والإحسان والفضيلة في قلوب ونفوس المسلمين، فإنه ينمّي الشعور بمراقبة الله تعالى خوفًا من ناره وحبًّا في مرضاته وجنته، فيصحح المسلم من سلوكه ومواقفه وطريقة حياته وتعامله مع إخوته، فتصفو الأرواح، وتطهر القلوب، فتستقر النفوس وتطمئن القلوب، فينعكس ذلك على حياة الفرد والمجتمع، فتعيش حياة طيبة فيها كثير من الرضا بقضاء الله تعالى وقدره.
قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[6].
إن رابطة الإيمان التي تجمع بين أفراد الأمة على اختلاف أجناسهم وألوانهم وأعراقهم هي أشرف الروابط وأوثقها على بقاء وحدة الأمة على مدار العصور والأيام إلى أن يرث الله الأرض، ومن عليها.
إن الإسلام يجمع، ولا يفرّق، ويؤلّف، ولا ينفّر، ويقرّب، ولا يباعد، لذلك لما أقام الرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم– في المدينة أسَّس المجتمع المدني المسلم على الأخوة الإيمانية، والمحبة، والتواصل، والتعاون والتكافل بين جميع أفراد المجتمع كله، فحارب أسباب الفُرقة والتمزق. كما حارب كل النعرات الجاهلية التي تثير الأحقاد والفتن، وغرس عوضًا عنها الإيمان والأخلاق والإحسان، فشعرت الأمة بجميع مكوناتها بالوحدة وترابط مصالحها، ففازت بالدنيا والآخرة.
قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}.[7]
وقال جل جلاله: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [8].
إن الحقيقة الناصعة التي لا يستطيع أن ينكرها أي أحد عادل أن العقيدة الإسلامية تحرم وتحارب البغي والعدوان، وتحفظ الحقوق بحيث يجد كل من ينتمي إليها ويحتمي بظلها القوة والمنعة، فهناك الحدود والتعزيرات الرادعة التي يجب التوقف عندها وعدم تجاوزها، وهناك الوازع الديني الحي الذي يردعه، ويمنعه عن الوقوع في الكبائر أو الإصرار على الصغائر.
إن العقيدة الإسلامية تقوّي الشعور بالأخوة الإيمانية، وتربط الفرد بالجماعة، وتمنعه من الاعتداء على الجماعة، وأفرادها، لذلك على إمام وخطيب المسجد أن يهتم بالعقيدة والأخلاق الإسلامية، كما عليه أن يسرع في إزالة بوادر أيّ خلاف قد يظهر بين المسلمين، فيحاول إصلاح ذات البين بترسيخ العقيدة الإسلامية وأخلاقها الحميدة؛ لأنها تعتبر الضمان الوحيد في تماسك المجتمع الإسلامي، وضمان الاطمئنان والأمن والأمان والمعيشة السعيدة.
وأختم مقالتي هذه بقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.[9]
والحمد لله رب العالمين.
[1] - (سورة الأَعراف، الآية 89).
[2] - رواه مسلم في صحيحه، ج 1/37.
[3] - (سورة الحجرات، الآية 9 - 10).
[4] -(سورة الأَنْفال، ا لآية50 - 51).
[5] - (سورة الفتح، الآية 4 - 6).
[6] - (سورة النحل، الآية 97).
[7] - سورة آل عمران، الآية 110.
[8] -(سورة التوبة، الآية 100).
[9] - (سورة النحل، الآية 90 - 97).
التعليقات