الصلاة الصلاة
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم ، أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما أما بعد..
أيها المؤمنون اتقوا الله واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة فالصلاة عماد الدين وعصام اليقين هي ناصية القربات وعزة الطاعات فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله)) رواه أحمد والترمذي بسند لا بأس به.
والصلاة أيها المؤمنون أعظم شعائر الدين وأهم أركان الإسلام بعد الشهادتين فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً)) متفق عليه.
والصلاة ياعباد الله أحب الأعمال إلى الله تعالى فعن عبدالله بن مسعود قال: قلت: يارسول الله أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها. وروى الحاكم عن ثوبان مرفوعاً: استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة.
والصلاة أيها المصلون صلة بين العبد وربه تبارك وتعالى: فعن أبي هريرة مرفوعاً: ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء)) رواه مسلم. وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال: الحمد لله رب العالمين قال الله تعالى: حمدني عبدي وإذا قال: الرحمن الرحيم قال تعالى: أثنى علي عبدي وإذا قال: مالك يوم الدين قال جل وعلا: مجدني عبدي فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين قال تعالى: هذه بيني وبين عبدي ولعبدي ماسأل فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال الله تعالى: هؤلاء لعبدي ولعبدي ماسأل)) رواه مسلم.
والصلاة أيها المؤمنون مفتاح من مفاتيح الجنة فعن ربيعة بن كعب قال: ((كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت آتيه بوضوئه وحاجته فقال لي: سلني فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة قال: أوغير ذلك؟ قلت: هو ذاك قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود)) رواه مسلم. وعن أبي موسى مرفوعاً: ((من صلى البردين أي الصبح والعصر دخل الجنة)) متفق عليه.
والصلاة ياعباد الله من أعظم ما يكفر الخطايا ويرفع الدرجات فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بها الخطايا)) متفق عليه. وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أدلكم على مايمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يارسول الله قال: إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطى إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط)) رواه مسلم.
والصلاة ياعباد الله نور قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((والصلاة نور)) وهي أيها المؤمنون من أهم أسباب ترك الفحشاء والمنكر قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} هذا أيها المؤمنون طرف من فضائل هذه الشعيرة الكبرى وإلا فإن فضائلها تفوق الحصر كيف لا وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((أكثر أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة والجهاد)).
وقد أجاد من قال:
ألا في الصلاة الخير والفضل أجمع لأن بها الآراب لله تخضع وأول فرض من شريعة ديننا وآخر ما يبقى إذا الدين يرفع فمن قام للتكبير لاقته رحمة وكان كعبد باب مولاه يقرع وصار لرب العرش حين صلاته نجيا فيا طوباه لو كان يخشع أيها المؤمنون إن الله تعالى أمركم بالصلاة فقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} وقال تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً}وقال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} وقد أمر الله تعالى بالمحافظة عليها فقال: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فقال: ((من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف))رواه أحمد وغيره وإسناده لابأس به.
وقد توعد الله تعالى المضيعين لها بالغي والإثم والتورط في وحل الشهوات قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} فرتب الله تعالى إتباع الشهوات ولقيان الغي على إضاعة الصلاة.
وقد هدد الله الساهين عن الصلاة بالويل فقال: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ` الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُون} إذا علمت هذا أيها المبارك فحافظ عليها واحذر من إضاعتها نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وإتباع سنة وسيرة نبيه أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له تعظيما لشأنه وأشهد أن محمد عبده ورسوله الداعي إلى جنته ورضوانه صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا أما بعد فيقول العلامة ابن سعدي رحمه الله مبينا شيئا من فوائد الصلاة فرض الله على الأمة خمس صلوات كل يوم وليلة,ومن النوافل والرواتب والوتر وغيرها ما هو تبع لها,لما في ذلك من الفوائد الضرورية والكمالية الدينية والدنيوية، قال تعالى(أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا)فهذه الآية تدخل فيها الصلوات الخمس، وقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس وتفاصيل أوقاتها وشروطها ومكملاتها، وفي فضلها وكثرة ثوابها، فمن فضائلها أنها أعظم عبادة يحصل فيها الخضوع والذل لله وامتلاء القلب من الإيمان به وتعظيمه، وذلك مادة سعادة القلب الأبدية ونعيمه ولايمكن تغذيته بمثل الصلاة، والصلاة أعظم غذاء وسقي لشجرة الإيمان، فالصلاة تثبت الإيمان وتنميه، وتنمي ما يثمره الإيمان من فعل الخير والرغبة فيه، وكذلك تنهى عن الشر، قال تعالى (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر) فأخبر أن فيها الغذاء بذكر الله والشفاء بنهيها عن الفحشاء والمنكر، وأي شيء أعظم من هذا وأجل وأكمل ؟ ومن فضائلها أنها أكبر عون للعبد على مصالح دينه ودنياه، قال تعالى (واستعينوا بالصبر والصلاة)أي على كل الأمور، أما عونها على المصالح الدينية فإن العبد إذا داوم على الصلاة وحافظ عليها قويت رغبته في فعل الخيرات وسهلت عليه الطاعات وبذل الإحسان بطمأنينة نفس واحتساب ورجاء للثواب، وتذهب أو تضعف داعيته للمعاصي، وهذا أمر محسوس مشاهد، فإنك لاتجد محافظا على الصلاة فروضها ونوافلها إلا وجدت تأثير ذلك في بقية أعماله، ولهذا كانت الصلاة عنوانا للفلاح، وأما عونها على المصالح الدنيوية فإنها تهون المشاق وتسلي عن المصائب ويجازي الله صاحبها بتيسير أموره,ويبارك له في ماله وأعماله وجميع ما يتصل به ويباشره .
ومن فضائلها أن من أكملها وأتقنها فقد فاز وسعد، وفي حديث أبي هريرة مرفوعا :أول مايحاسب عنه العبد صلاته، فإن كان قد أتمها فقد أفلح وأنجح,الحديث في السنن.
وللصلاة خمس فوائد كل واحدة خير من الدنيا وما عليها، تكميل الإسلام التي هي أكبر أركانه، وتكفير السيئات وزيادة الحسنات ورفعة الدرجات، وزيادة القرب من رب السماوات، وزيادة الإيمان في القلب ونوره، وقد شرع الشارع الاجتماع للصلوات الخمس والجمعة والعيد لما في الاجتماع من حصول التنافس في الخيرات والتنشيط عليها، والتعلم والتعليم لأحكامها، فإن العالم ينبه الجاهل، والجاهل يتعلم بالقول والفعل من العالم ويقتدي الناس بعضهم ببعض، وكذلك ما في الاجتماع من التواد والتواصل بين المسلمين وعدم التقاطع وما في ذلك من معرفة حال المصلين والمحافظين على الصلاة والمتهاونين، ومضاعفة الأجر بالاجتماع، وكثرة الخطى إلى المساجد وما يتبع ذلك من قراءة وذكر وعبادات تفعل في المساجد بأسباب الصلوات .
ومن فوائدها الطيبة البدنية وهي مصلحة تابعة لغيرها مافيها من الرياضة المتنوعة النافعة للبدن المقوية للأعضاء والحركة المذيبة للأخلاط الغليظة وذلك من وجهين .
أحدهما : مافي الصلاة ووسائلها وتوابعها من المشي والذهاب والمجيء والقيام والقعود والركوع والسجود المتكرر وكذلك الطهارة المتكررة، كل هذه الحركات نفعها محسوس مشاهد لا يماري فيه إلا جاهل .
الوجه الثاني :إن روح الصلاة ومقصودها الأعظم حضور القلب بين يدي الله ومناجاته بكلامه وذكره والثناء عليه ودعائه والتضرع إليه وطلب القربة عنده ورجاء ثوابه، وذلك بلا ريب ينير القلب ويشرح الصدر ويفرح النفس والروح, ومعلوم عند جميع الأطباء أن السعي في راحة القلب وسكونه وفرحه وزوال غمه وهمه من أكبر الأسباب الجالبة للصحة الدافعة للأمراض المخففة للآلام، وذلك مجرب مشاهد وخصوصا صلاة الليل أوقات الأسحار فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في الحديث الصحيح أن العبد إذا قام من الليل فذكر الله وتوضأ ثم صلى ما كتب له انحلت عنه عقد الشيطان كلها فأصبح طيب النفس نشيطا، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان ومصالح الصلاة الدينية والاجتماعية والبدنية لاتعد ولا تحصى انتهى كلامه رحمه الله.
هذَا وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على خَيرِ البرية محمّد بن عبد الله صاحِب الحوض والشفاعة، فاللهمّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، اللهمَّ حبَّب إلينا الإيمانَ وزينهُ في قلوبنا، وكره إلينا الكفرَ والفسوقَ والعصيان.
اللهمَّ أذقنا حلاوةَ طاعتكَ، ولذَّةَ عبادتكَ، وبر عفوكَ ومغفرتك .
اللهم اعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين واجعل هذا البلد آمنا رخاء مطمئنا وسائر بلاد المسلمين اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
التعليقات