أخطاء يقع فيها بعض أئمة المساجد وسبل علاجها1-3
محمد بن عبدالله الشمراني
صيد الفوائد http://www.saaid.net/Doat/alshamrani/6.htm
من توفيق الله تعالى للعبد أن تراه يهتم، ويركز على الفرائض التي فرضها الله عليه تعلماً، وتطبيقاً، وتأملاً في جوانب الخلل فيها فيصلحه، ويجعل هذا الهم هو الهم الأكبر في حياته؛ كما قال تعالى في الحديث القدسي: "من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه.." الحديث.
وإن من أعظم الفرائض التي فرضها الله تعالى على العبد، والتي ينبغي أن تحظى بالاهتمام الأكبر: الصلاة؛ بل هي أعظم فرائض الله تعالى على الإطلاق بعد تحقيق التوحيد؛ ولهذا كله جعلت عمود الإسلام الذي لا يقوم إلا عليها، وعرج بمحمد صلى الله عليه وسلم { إلى السماء السابعة لتفرض هناك، وهي أول ما يسأل العبد عنه يوم القيامة فإن قبلت قبل سائر عمله وإن ردت رد سائر عمله.
وهذا لما لها من الفضل، فكان لزاماً على المؤمن أن يستفرغ الجهد في إصلاح ما قد يعتريها من الخلل والزلل.
وهذا القول يعنى به كل مسلم؛ ولكنه يتوجه في الدرجة الأولى إلى الأئمة ومن تحملوا مسؤولية الصلاة بالناس وإمامتهم.
أولاً: أخطاء في النية والقصد:
1- عدم استحضار النية في فضيلة الإمامة وما لها من الأجر:
يكفي في فضيلة الإمامة أن عباد الرحمن يدعون ربهم جل وعلا فيقولون: ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ( 74 ) {الفرقان: 74}.
وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم{ للإمام فقال: "اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين" (1).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : "ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة: - وذكر منهم - ورجلاً أمَّ قوماً وهم به راضون..." (2).
وسبيل العلاج: معرفة ما للإمامة من فضل، والاحتساب فيها، ففي حديث عمر رضي الله عنه } موقوفاً: "احتسبوا أيها الناس أعمالكم فإن من احتسب عمله كتب له أجر عمله وأجر حسبته" (3).
2- طغيان المادة والمصالح الدنيوية على نية الاحتساب:
وهذا الأمر في غاية الخطورة؛ فإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، والإمامة عبادة جليلة ينبغي أن يراعى فيها الإخلاص، ويتمثل ذلك في القيام بأمانتها على الوجه الأكمل، ثم لا مانع أن يأتي تبعاً - وبدون استشراف نفس - ما يناله من مصالح مادية ودنيوية.
وسبيل العلاج: تصحيح النية دائماً وأبداً، والتفاني في القيام بمهام الإمامة على أكمل وجه؛ مبتغياً بذلك وجه الله وحده، وكف النفس عن التطلع إلى هذه المصالح، والنظر إليها.
3- يظن البعض أن هناك تعارضاً بين المصلحتين الأخروية والمادية:
وهذا يجعله يتخلى عن الإمامة، ويعرض عنها، وهو مزلق خطير يدخل منه الشيطان إلى بعض الأخيار فيصرفهم به عن فضل عظيم، ويغلق عليهم باباً واسعاً من أبواب الخير.
سبيل العلاج: أن يعلم أن العلماء قالوا: إن أخذ المال على الإمامة والأذان إذا كان من بيت مال المسلمين جائز "فقد اتفق الفقهاء على جوازه" واعتبروه من باب الأرزاق والمسامحة، لا من باب المعاوضة (4).
قال الخرشي من المالكية: "ومحل الكراهة إذا كانت الأجرة تؤخذ من المصلين، وأما إذا أخذت من بيت المال أو من وقف المسجد فلا كراهة؛ لأنه من باب الإعانة لا من باب الإجارة كما قال ابن عرفة"، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما ما يؤخذ من بيت المال فليس عوضاً وأجرة؛ بل رزق للإعانة على الطاعة، فمن عمل منهم لله أثيب وما يأخذه فهو رزق للمعونة على الطاعة، وكذلك المال الموقوف على أعمال البر، والموصى به كذلك، والمنذور كذلك ليس كالأجرة" (5).
وينبغي كذلك أن يعلم أنه ليس كل تشريك في النية محبط للعمل؛ فإن الله سبحانه وتعالى قد أجاز التشريك في كثير من الأعمال، فمثلاً في الجهاد أجاز الله سبحانه وتعالى أخذ الغنيمة ولا ينفي ذلك حصول الأجر على الجهاد، وفي الحج أجاز الله تعالى التجارة قال تعالى: ليشهدوا منافع لهم ويذكروا سم الله في أيام معلومات 28 {الحج: 28} .
قال الشوكاني: "المنافع هي تعم منافع الدنيا والآخرة، ثم قال: وقيل: التجارة كما في قوله تعالى: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم198 {البقرة: 198}، (6).
4- الجهل بالأولويات، وإهمال بعض الواجبات، مع التركيز على أمور قد يكون في استحبابها نظر، وهذا لا يعني التقليل من شأن العبادات المستحبة، والسنة الثابتة؛ وإنما المقصود عدم ترك الواجب للقيام بمستحب. فمثلاً الذهاب للاعتكاف في مكة في شهر رمضان وترك الإمامة أو توكيل من قد لا يرضاه الناس، وهذا خطأ بين؛ فإن العمرة والاعتكاف سنة، والقيام بالإمامة واجب.
ومثل الإسراع في الصلاة زاعماً أنه يعمل بحديث: "إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف"(7)، وينسى أن الذي قال هذا الحديث { كان يصلي صلاة معتدلة، فعلم أن المراد بالتخفيف ما كان يفعله {؛ إذ لايمكن أن يقول محمد صلى الله عليه وسلم{ ما لايفعل - حاشاه - وخاصة أن هذا الفعل متعد وليس بقاصر حتى يقال: يختص النبي صلى الله عليه وسلم{ بما لم يختص به غيره، وقد كان يصلي صلاة تامة متناسبة، وكان إذا أطال القيام أطال الركوع، والسجود، والاعتدال بعد الركوع، والجلوس بين السجدتين. وإذا خفف القيام خفف الركوع، والسجود، وما بينهما. وكان يقرأ في الفجر من ستين آية إلى مئة آية، وكان يقرأ فيها بسورة (ق) ونحوها من السور(8).
وسبيل العلاج: التضلع من العلم الشرعي المؤصل، والجلوس مع العلماء، وكثرة المساءلة والتفقه في الدين لمعرفة الأهم فالمهم فالأدنى أهمية.
5- الخلط بين اللين والرفق والشفقة، والمداهنة في الحق:
وهذا يؤدي إلى التغاضي عن الأخطاء. ومحمد صلى الله عليه وسلم { أشفق الناس وأرحمهم هو الذي ضرب بالسهم في بطن "سواد بن غزية" - حتى قال: أوجعتني يارسول الله، أقدني منك، وهو يسوي الصفوف في غزوة بدر (9).
وهو الذي انتزع خاتم الذهب من يد أحد أصحابه وطرحه في الأرض، وقال: "يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده، ثم قيل لهذا الصاحبي بعد أن ذهب رسول الله: خذ خاتمك فانتفع به، قال: لا والله لا آخذ خاتماً طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم {" رواه مسلم (10).
وهو الذي قال لمن يسابق الإمام: "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار"، متفق عليه (11).
والبعض الآخر ينعكس (180ْ) فتراه استناداً على مثل هذا عنيفاً فظاً غليظاً، فلو أخطأ أحد من المصلين جاهلاً لقامت الدنيا وما قعدت، وكل هذا ليس من هدي محمد عليه الصلاة والسلام {.
وسبيل العلاج: أن يعرف الإمام نفسيات الناس، وشخصية من بدر منه شيء من الخطأ؛ فإن من الناس من يؤثر فيه الثناء والمدح أيما تأثير، وعلى العكس لو وبخ أو زجر، ومن الناس من لايجدي معه إلا الشدة، فكان لزاماً أن يكون الإمام ذا علم، وحنكة، وخبرة، وفراسة؛ حتى تؤتي الإمامة ثمراتها.
---------------------
@ الهوامش:
1- رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (663).
2- رواه أحمد (26/2) والترمذي (355/4).
3- شرح الطيبي على المشكاة (916/3).
4- أحكام الإمامة والإتمام في الصلاة (72).
5- الاختيارات الفقهية (153).
6- فتح القدير (635/3).
7- رواه البخاري (703) وانظر: فتح الباري لابن رجب (225/6) وفتح الباري لابن حجر (258/2).
8- رسالة إلى أئمة المساجد.
9- انظر: مختصر صحيح مسلم (1372).
10- الرحيق المختوم (239).
11- مختصر صحيح مسلم (291)، وصحيح الجامع (1341).
21- رواه البخاري (5200).
22- رواه الطبراني في الكبير انظر: صحيح الجامع (994).
23- سلسلة أعلام المسلمين - مالك بن أنس - لعبدالغني الدقر (242).
24- المصدر السابق (242).
25- المصدر السابق (242).
التعليقات