الحكم على حديث فضل من صلى لله أربعين يوما في جماعة

 هذا الحديث رواه الترمذي (241): قال: حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ وَنَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَا: حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، عَنْ طُعْمَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ صَلَّى لِلهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ، يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى ‌كُتِبَتْ ‌لَهُ ‌بَرَاءَتَانِ: بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَبَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ ).

لكن الترمذي نص على أنه لا تصح هذه الرواية المرفوعة، فقال رحمه الله تعالى عقب الحديث:
" وقد رُوِي هذا الحديث عن أنس موقوفا، ولا أعلم أحدا رفعه، إلّا ما روى سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، عَنْ طُعْمَةَ بْنِ عَمْرٍو، وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ الْبَجَلِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِك قولَه " انتهى.
ثم ساق هذه الرواية الموقوفة، فقال رحمه الله تعالى:
" حَدَّثَنَا بِذَلِكَ هَنَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ خَالِدِ بْنِ طَهْمَانَ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ الْبَجَلِيِّ ، عَنْ أَنَسٍ قَوْلَهُ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَبِيبُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ يُكْنَى أَبَا الْكَشُوثَا، وَيُقَالُ: أَبُو عُمَيْرَةَ " انتهى.
فالراجح أن هذا الخبر ليس عن حبيب بن أبي ثابت، وإنما عن حبيب بن أبي حبيب أبي عميرة، وأنه غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد سُئِل الدارقطني رحمه الله تعالى:
" عن حديث: حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَنَس، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
( مَنْ صَلَّى أَرْبَعِينَ صباحا فِي جَمَاعَةٍ، كتب الله له بَرَاءَة مِنَ النَّارِ، وَبَرَاءَة مِنَ النِّفَاقِ )؟
فقال: يرويه أبو العلاء الخفاف: خالد بن طهمان، وطعمة بن عمرو الجعفري، عن حبيب، واختلف عنهما:
فرواه عطاء بن مسلم الخفاف، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أنس.
ووهم في قوله: ابن أبي ثابت، وإنما هو: حبيب، ‌أبو ‌عميرة ‌الإسكاف، شيخ لأهل الكوفة.
وقال الجراح بن مخلد: عن أبي قتيبة، عن طعمة الجعفري، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ، ووهم أيضا.
وخالفه نصر بن علي، فرواه عن أبي قتيبة، عن طعمة، عن حبيب، عن أنس، ولم ينسبه، وهو حبيب ‌أبو ‌عميرة ‌الإسكاف." انتهى. "علل الدارقطني" (12 / 77).
وحبيب بن أبي حبيب أبو عميرة البجلي كما نسبه الترمذي، لم يرد فيه توثيق معتبر، ولخص حاله الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى، بقوله:
" حبيب ‌ابن ‌أبي ‌حبيب البجلي، أبو عمرو البصري نزيل الكوفة: مقبول من الرابعة، وقيل يكنى أبا كَشُوثا " انتهى. "تقريب التهذيب" (ص150).
وضعفه الدارقطني رحمه الله تعالى.
جاء في "سؤالات البرقاني للدارقطني" (ص23):
"قلت له: حبيب عن أنس؟ 
فقال: هذا حبيب الإسكاف ‌أبو ‌عميرة ‌كوفي ‌متروك " انتهى.
وقال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:
" وسألت أبي عن حديث رواه: طُعْمةُ بن عَمْرو، عن حَبِيب، عَنْ أنسٍ، عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: ( مَنْ صَلَّى أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ، كُتِبَ لَهُ بَرَاءَتَان ِ: بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَبَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ ).
قلت لأبي: حبيب هذا من هو؟
قال: لا أدري! " انتهى. "العلل" (2 / 302 — 303).
فيتحصل أن هذا الخبر بهذا الإسناد لا يصح، لا مرفوعا، ولا موقوفا.
ورواه ابن ماجه (798)، قال: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: ( مَنْ صَلَّى فِي مَسْجِدٍ جَمَاعَةً أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، لَا تَفُوتُهُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا عِتْقًا مِنَ النَّارِ ).
وهذا إسناد ضعيف.
قال عنه الترمذي رحمه الله تعالى عقيب الحديث رقم (241):
" وروى إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاش هذا الحديث عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نحو هذا.
وهذا حديث غير محفوظ، وهو حديث مرسل، عُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّة لم يدرك أنس بن مالك " انتهى.
وقال البوصيري رحمه الله تعالى:
" هذا إسناد فيه مقال؛ عمارة لم يدرك أنسا ولم يلقه، قال الترمذي والدارقطني، ابن عياش كان يدلس " انتهى. "مصباح الزجاجة" (1 / 102).
وورد بسند رواته ثقات عند عبد الرزاق في "المصنف" (1 / 528)، قال: حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ( مَنْ لَمْ تَفُتْهُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى مِنَ الصَّلَاةِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ‌كُتِبَتْ ‌لَهُ ‌بَرَاءَتَانِ، بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَبَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ ).
لكن خالفه معمر في إسناده ولفظه، وفيه الشك في رفعه وفي اتصال سنده.
رواه عبد الرزاق في "المصنف" (1 / 528): عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: - لَا أَدْرِي أَرَفَعَهُ - قَالَ: ( مَنْ شَهِدَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فِي جَمَاعَةٍ، يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ).
وله أسانيد اخرى لا تخلو من ضعف، وعلى تضعيفه كثير من أهل العلم.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (34605)، ورقم: (34752).
الخلاصة:
هذا الحديث ليس له إسناد صحيح ثابت.
وسُئِل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:
" ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من صلى أربعين وقتًا لا تفوته تكبيرة الإحرام كتبت له براءة من النار، وبراءة من النفاق ) في أي مسجد؟
والسؤال الثاني شبيه به -شيخ عبدالعزيز -يقول: هل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من صلى أربعين وقتًا في مسجد رسول الله كتبت له براءة من النار، وبراءة من النفاق )؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
فهذان الحديثان اللذان ذكرهما السائل نعم وردا، ولكنهما ضعيفان لا يصحان عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل ذكر أهل العلم فيهما أنهما مضطربان لا يصحان عن النبي عليه الصلاة والسلام، فلا يعول على ما فيهما " انتهى. من "موقع الشيخ".
وبكل حال؛ فتخلف المرأة عن صلاة الجماعة، لا حرج فيه، فهي غير مأمورة بها، بل صلاتها في بيتها أفضل وأكمل لإيمانها، وتحسن مطالعة جواب السؤال رقم: (90071).
وإنما يخشى على الرجل الذي يتكاسل عن صلاة الجماعة.
روى البخاري (657)، ومسلم (651): عن أَبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ( لَيْسَ صَلاةٌ أَثْقَلَ عَلَى المُنافِقِينَ مِنَ الفَجْرِ والْعِشاءِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ ما فيهما لأَتَوْهُما وَلَوْ حَبْوًا … ).
وروى مسلم (654): عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: " لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَّا مُنَافِقٌ قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ، أَوْ مَرِيضٌ".
 

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.