رصيد الخطيب
إنَّ رصيدَ الخطيب وما في جَعبته مِن معلومات عن معاني الإسلام هي زادٌ له في التوجيه والتعليم والتَّربية؛ حيث يمكنه من خلال تلك المعلومات المختلفة والمتنوعة أن يأخذ بناصية الموقف وزمام الأمور، وذلك من خلال:
1/الاستشهاد بها والاحتجاج في الوعظ؛ بحيث يمكنه أن يَسترسِل ويستطردَ دون توقف أو تلعثُم.
2/يمكن للداعية والخطيب مِن خلال ما يملكه من معلومات أن يَتفنَّن في أسلوب الخِطاب بين الإنذار والتبشير، والترهيب والترغيب، وبما يناسب الحالَ والمقال.
3/يعطيه الزَّخَم من المعلومات القيِّمة الشجاعة الأدبية والجرأة الخطابية، بحيث يدعو ويعظ دون أيِّ مُنغِّصات أو عَقبات، بل يكون مُنشرحَ الصَّدر، قوِيَّ الحُجَّة.
والمعلومات التي يملكها الخَطيبُ ويُمكِنُه بها دعوة الجمهور إلى الحقِّ، لا بد وأن تتوَّفر فيها عناصر هامَّة؛ كي تعطي الخطابةُ ثمارَها اليانعة، وتؤدي الغرَض المطلوبَ في توجيه المدعوِّين إلى التمسك بالحق والثبات عليه، ولا بد أن تكون لديه استراتيجية وآلية في استخدام تلك المعلومات على الوجه التامِّ والأمثَل، ووَفق خُطَّة مرسومةٍ ومَنهج سليم، وإلا كان حاله كالذي يتكلم دون أي فائدة أو نفع يُرجى منه، ومن ذلك:
أولاً: أن يكون استعمال تلك المعلومات بالقَدْر المطلوب، وبما يحتاج إليه؛ حتى لا يحتاج للتَّكرار، كالسهام التي يستعملها المقاتل يأخذ منها ما يحتاج إليه، ولا ينبغي له سرْدُ جميع ما لديه من معلومات في موعظةٍ واحدة أو مواعظَ، وإلا أصبح حاله كالذي يرمي بجميع السهام وهلةً واحدة ويقف حائرًا أمام عدُوِّه، والحقيقة أن ما يملكه الخطيبُ يُعتبر بمثابة جواهرَ نفيسةٍ ينبغي المحافظة عليها، واستعمالها بدقَّة متناهية، وعدم عرضها للعيان، وإلا فَقدت قيمتها بكثرة الناظرين.
ثانيًا: أن يقوم بتنسيق تلك المعلومات وترتيبها وَفق الأولويَّة، فيقدم ما حقُّه التقديم، وهو آيات القرآن وأحاديث المصطفى - عليه الصلاة والسلام - أي: نُصوص الوحيَين، ففيهما الشِّفاء، ثم يُتْبِع ذلك بالشَّرح والتوضيح حسب الترتيب المنطقي، والغرض هو مُتابعة الجمهور واستيعابه لما يقوله الخطيب، والتسلسل في طرح المعلومات.
ثالثًا: أن يكون استعمال تلك المعلومات بما يحقق الغرض المطلوب؛ وذلك بأن تناسب حال الظرف والمستمعين، فلا ينبغي له أن يستشهد بمعلومات في الترغيب في الجنان، ومرافقة الحور الحسان، وهو يتكلم عن آثار الذنوب والمعاصي وضررها السيِّئ على القلب والرُّوح، بل المناسب أن يستشهد بمعلومات عن التَّرهيب والتخويف من عقاب الله وبطشه، وما حلَّ بالأقوام السالفة بسبب طُغيانها وخروجها عن الصراط المستقيم، هذا من جهة المعنى، ومن جهة الزمان لا ينبغي له أن يستدل بمعلومات عن النار والعقاب والترهيب في يوم فرح الناس وابتهاجهم وأعيادهم، فيقلب أيام السعادة والفرح إلى عزاء ومصيبة، كما يفعل بعضُ الوعَّاظ - هداهم الله.
إن رصيد المعلومات التي يمتلكها الخطيبُ والواعظ لا بد وأن تكون منوَّعة مختلفة، ما بين آية وحديث، وحكمة وقول، وشِعر ونثر وقصةٍ، فيمتع أسماع السامعين بمواعظه واستدلالاته، ويكون مثل مَن يأخذهم في رياضِ حديقة غنَّاء فيها أنواع من الأزهار المختلفة الملونة، ويتسلل إلى قلوبهم ونفوسهم من حيث لا يشعرون، فيتحقق المقصود من الخطبة والوعظ والإرشاد؛ ولذا وجب على الخطيب أن تكون لديه معلومات في الأمور التالية:
1/حفظ كتاب الله ومعرفة أسباب نزوله، وتفسير آياته ومعانيه، وهو أفضل ما تحلَّى به الخطيبُ وتوشَّح به، ومن الأفضل اختيار جملة آيات تتعلق بالموضوع ليتضح المضمون، ولا بأس من التعريج على بعض الفوائد التفسيرية أثناء تلاوة الآيات؛ ولذا وجب على الواعظ أن يكون له اطِّلاع مستمر على كتب التفسير وعلوم التفسير المتنوعة أو طرفٍ منها.
2/حفظه للأحاديث النبوية، وخاصَّةً المتعلقة بالآداب الإسلامية والتخلق بقيَم الدين، ويفضل أن يَحفظ كتاب "رياض الصَّالحين" للإمام النَّووي - رحمه الله - ففيه ما يُغني الخطيب ويَسدُّ حاجتَه، وإن أضاف إليه بعضَ الكتب المتعلقة بالفقه الإسلامي، مثل كتاب "بُلوغ المَرام من أدلَّة الأحكام" للعسقلاني، ففيه ما يتعلق بأبواب الفِقه عامَّة، فيحفظه ليتمكَّن من الاستدلال الصَّحيح على المسائل الفِقهية وَفق الأحاديث الثابتة.
3/أن يكون له إلمامٌ بمجموعة من الأبيات الشِّعرية والحِكم والأمثال الشَّعبيَّة والعربية في مختلف المناسبات التي تهُم حياةَ الناس في معادهم ومعاشهم، ومن أفضل الدَّواوين النافعة للخَطيب ديوان الشَّافعي - رحمه الله - فإن حُسن تبويبِه يُسهِّل على الواعظ الاستشهاد بما يُناسب الحال والمقال، وقد استدل الصَّحابة الكرام بالشِّعر في مواطن مختلفة وأغراض متنوعة في مقام التَّعفف والإنفاق والإيثار، ومَقام الجهاد والشَّجاعة والاستبسال، ومَقام المحبَّة والأُخوَّة الصَّادقة، وغيرها من المواطن، ولا شكَّ أن الشِّعر له مَزايا، فهو يُثير الانتباه، ويُزيل المَلل والسَّآمة، ويُدخل التَّنويع على الوعظِ والإرشاد، ومن النَّاس مَن يؤثِّر فيه الشِّعر والحكمَة كثيرًا.
التعليقات