أنواع الخطب بين القديم والحديث
أنواع الخطب عند أرسطو:
قسم أرسطو [1] الخطابة باعتبار الزمن، فجعل منها ما يتعلق بالماضي كالخطب القضائية، إذ يُطلَب فيها من المحكَّمين قضاء في أمر قد وُجِد بالفعل وانتهى زمنه، ويراد منهم الحكم ببراءة المتهم أو عقوبته، فموضوع الخطبة يدور حول حدث قد انتهى، ومن الخطب ما يختص بالحاضر، كخطب التكريم والدعوة إلى مشروع معين، فالخطيب يعنيه في المقام الأول أن يثبِّت في أذهان سامعيه حقيقة واقعة، وحادثة في الوقت الذي يتكلم فيه، وهناك خطب تختص بالأمور المستقبَلة كالخطب التي يُطلب فيها تقرير قانون، أو إنشاء شيء جديد، فالخطيب حينئذٍ يحث الناس على عمل لم يحدث بعد.
وهكذا فالخطب عنده ثلاثة أنواع:
النوع الأول: وهو ما يتعلق بالماضي، وهو الخطب القضائية.
النوع الثاني: وهو ما يتعلق بالحاضر، وهو الخطب التثْبيتية أو الاستدلالية.
والنوع الثالث: وهو ما يتعلق بالمستقبل، وهو الخطب الاستشارية أو الحمْلية؛ لأن الخطيب يريد حَمل السامعين على فكرة، أو إبعادَهم عنها [2].
وهذا التقسيم الأرسطي ربما كان مناسبًا لزمنه أو أزمنة أخرى قديمة، لكنه لم يعد مناسبًا لهذا العصر، حيث اختلفت الأحوال، وجدّت مشكلات وحدثت أمور وعوائدُ لم تكن من قبل، فهناك أنواع أخرى لم يشملها تقسيمه.
أنواع الخطب عند المحْدَثين:
ومن هنا عمَد العلماء المحْدَثون إلى تقسيمات أخرى للخطابة باعتبار الموضوع الذي تتضمنه، ويعرضه الخطيب، فذكروا الأنواع الآتية:
1/الخطب السياسية.
2/الخطب القضائية.
3/الخطب المحفلية.
4/الخطب العسكرية أو الحربية.
5/الخطب الدينية.
6/الخطب الاجتماعية.
ويمكن استخلاص أنواع أخرى للخطابة غير تلك الأنواع السابقة، إذا نظرنا إلى اهتمامات الخطيب، كما أنه يمكن لكل نوع من الأنواع السابقة أن يَدخل تحته أنواعٌ أو فروعٌ أخرى، وهكذا لا تنتهي عند هذا التقسيم.
ويلاحظ على هذه التقسيمات ونحوها التداخل بين بعضها البعض، فمثلًا قد تكون الخطبةُ في تكريم شخص، فيتناول الخطيب أمورا سياسية، أو يخطب في ساحة القضاء فيتعرض لمسائل علمية، وهكذا.
ملاحظة ضرورية على تقسيم الخطابة:
كما يلاحظ عليها أنها جعلت الدين قِسْمًا من الأقسام، منفصلًا عن بقيتها، كأنه لا شأن له بها، وأن الواعظ الدينيَّ ليس له أن يتطرق في خطبه إلى جوانب السياسة أو القانون ونحوهما، ويظهر أن هذا الفهم يرِدُ من منطلق الفصل بين الدين وسائر شؤون الحياة، وهو ما يروج له أعداء الإسلام، وللأسف تأثر به بعض المسلمين، وأخذوا بدورهم يروِّجون له.
ولئن جاز هذا بالنسبة لغير الإسلام؛ فإنه غير مقبول البتة بالنسبة للإسلام؛ لأنه ليس دينًا روحيًا محضًا، مقصورًا على العلاقة بين الفرد وربه فقط، بل إنه يتسم بالشمول لجميع مناحي الحياة وشؤونها من اقتصاد وسياسة وقضاء واجتماع، وغيرها بالإضافة إلى الجوانب الروحية.
لذلك فإننا نقرر أن تلك الأقسام لا تنفصل عن الإسلام، بل يجب أن تستمد منه، وأن تسير على هديه، كما أن الخطيب الدينيَّ أو الواعظَ لا يمنعه من الخوض فيها مانع، بل إن تطرّقَه إلى مواضيعَ سياسيةٍ أو اجتماعيةٍ أو حربيةٍ وغيرِها؛ هو مما يدخل في نطاق تخصصه، وفي صلب مهمته التي تحتم عليه أن يُعلّمَ الناسَ إياها، ويعرّفَهم بها كما يُعلمُهم الصلاة والصيام والحج والزكاة وغيرَها من الفرائض.
ونحن لا نرفض أن تقسّم الخطابة إلى أقسام على نحو ما سلف، وأن يكون لكل قسم منها خصائصُ وملامحُ ومزايا خاصةٌ به، يتميز بها عما عداه من بقية الأنواع، فإن هذا واقع لا يسَعنا إنكارُه، ولا يحسُن تجاهلُه، فهناك خطب يغلب عليها طابع معين؛ قضائيٌّ مثلًا أو حربيٌّ، أو اجتماعيٌّ، أو عقَديٌّ... إلخ، نحن نقِر بهذا، ولكن بشرط أن لا تكون بمعزل عن دين الإسلام، بل تنبنِي عليه وتلتزم به شكلًا ومضمونًا، مظهرًا وجوهرًا، وبعبارة أخرى أن تكون هذه الأقسام من الدين الإسلامي، لا قسيمًا له وندًّا، وأن تَصُب في النهاية في مصلحة أهداف الدعوة الإسلامية، والتي على رأسها تعبيدُ الناس لله رب العالمين، والتمكينُ لدين الله في الأرض، ولشريعته أن تحكم وتسود.
على هذا الأساس نقرر أن الخطب تتنوع إلى أنواع بحسب موضوعاتها، أو القضايا التي تعالجها، ومقامها وظروفها، ويحسن بالخطيب الداعية أن يقف على هذه الأنواع وما تتميز به، ليستطيع أن يعالج أيَّ موقفٍ بما يليق به، وليتعامل مع كل ظرف بما يناسبه، فلكل مقام مقال.
وفي ضوء الواقع، وما ذكره علماء الخطابة يمكن أن تكون أنواع الخطب على النحو التالي:
1/الخطب السياسية.
2/الخطب القضائية.
3/الخطب العسكرية.
4/الخطب المحفلية.
5/خطب الوعظ الديني.
...............
[1] راجع الخطابة لأرسطو. ص 16وما بعدها، الخطابة للدكتور عبد الجليل شلبي. ص 78.
[2] راجع فن الخطابة للدكتور /أحمد الحوفي. ص59 - 61 ، الخطابة للشيخ أبي زهرة. ص 153، فن الخطابة للشيخ علي محفوظ. ص69.
التعليقات