إذا تناول العلكة لإخفاء رائحة الثوم فهل يأتي المسجد ؟
جاء النهي في الحديث لمن أكل الثوم والبصل والكراث ، أن يصلي في المسجد، كما روى البخاري (853) عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ: مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ - يَعْنِي الثُّومَ - فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا .
وروى البخاري (855) ومسلم (564) جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا، فَلْيَعْتَزِلْنَا - أَوْ قَالَ: فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا - وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ.
وروى مسلم (567) أن عمر رضي الله عنه خطب الناس فقال: " ثُمَّ إِنَّكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لَا أَرَاهُمَا إِلَّا خَبِيثَتَيْنِ، هَذَا الْبَصَلَ وَالثُّومَ ؛ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ، أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ، فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا " .
وظاهر الأحاديث أنه لا يجوز لمن أكل الثوم والبصل ، وبقيت رائحته : أن يأتي المسجد.
وحمله كثير من أهل العلم على الكراهة.
قال في "مطالب أولي النهى" (1/ 699) :
"وكره حضور مسجد وجماعته، لآكل نحو : بصل أو فجل أو كراث، وكل ما له رائحة كريهة، حتى يذهب ريحه ؛ للخبر، ولإيذائه .
وظاهره : ولو لم يكن بالمسجد أحد، لتأذي الملائكة .
وكذا نحوُ : من به بَخَر وصُنّان، وجزار له رائحة منتنة .
ويستحب إخراجهم، دفعا للأذى " انتهى .
فإن أكل بعدهما ما يزيل الرائحة ، كالنعناع والبقدونس والهيل ، وبعض أنواع العلك: فلا حرج في إتيانه المسجد لزوال العلة ، وهي الإيذاء.
قال النووي رحمه الله وهو يذكر أعذار التخلف عن صلاة الجماعة : "ومنها : أن يكون أكل ثوما أو بصلا وكراثا ، ونحوها ولم يمكنه إزالة الرائحة بغسل ومعالجة .
فإن أمكنته ، أو كان مطبوخا لا ريح له : فلا عذر" انتهى من "المجموع" (4/101).
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " أنا إمام مسجد دائم، وآكل الثوم ولا أستغني عنه أبداً، علماً أني إذا أكلت الثوم لا أجلس في المسجد أبداً لئلا أضايق الجماعة ، فإني من باب المسجد إلى المحراب ، ومن المحراب إلى خارج المسجد، وأؤدي السنة في المنزل، هل يجوز لي ذلك؟ وكيف السبيل إلى طريقة أحسن من هذه؟
فأجاب: لا يجوز للإنسان إذا أكل بصلاً أو ثوماً ، وبقيت رائحته ، أن يدخل المسجد، لا المحراب ولا وسط المسجد، لا إماماً ولا مأموماً ولا منفرداً؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من أكل بصلاً أو ثوماً فلا يقربن مساجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان) لكن إذا كان لا بد أن يأكل ، فليستعمل أشياء ذات روائح قوية ، تضمحل معها رائحة الثوم والبصل.
فإذا زالت الرائحة ، فلا بأس أن يحضر إلى المسجد ، ويكون إماماً أو مأموماً أو منفرداً.
أما ما دامت الرائحة باقية: فلا يجوز أن يدخل المسجد" انتهى من" اللقاء الشهري" (42/ 33).
وسئل رحمه الله: " بالنسبة للثوم والبصل بعضهم يقول: جاءت الأدلة بالنهي عن أكل هاتين الشجرتين والذهاب إلى المسجد، بعضهم يقول: أنا أستعمل معجون الأسنان، أو آكل الهيل، وتذهب الرائحة فما حكم ذلك؟
فأجاب: البصل والثوم والكراث أكله حلال؛ لأن الصحابة لما قالوا: إنها حرمت قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس لي تحريم ما أحل الله) .
لكن من أكلها : فإن كان يقصد بذلك ألا يصلي مع الجماعة ، فهو آثم ، ولا يسقط عنه إثم الجماعة.
ومن أكلها لغرض، أو لاشتهائها : فلا إثم عليه، ونقول له: لا تذهب إلى المسجد ما دامت الرائحة موجودة، أما إذا ذهبت الرائحة فلا بأس أن يذهب إلى المسجد.
وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في فتح خيبر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئاً ، فلا يقربنا في المسجد".
فقال الناس: حرمت، حرمت، فبلغ ذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقال: "أيها الناس إنه ليس بي تحريم ما أحل الله لي، ولكنها شجرة أكره ريحها". أخرجه مسلم.
فتبين بهذا: أن [أكل] هذه الشجرة ، الثوم : حلال وليس حراماً ولا مكروهاً، ولكن هي مكروهة من جهة ريحها، فإذا أكل ما يزيل ريحها زالت الكراهة.
والنهي شامل للمسجد النبوي وغيره ، لحديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من أكل من هذه البقلة (الثوم) فلا يقربن مساجدنا ، حتى يذهب ريحها". وفي لفظ: "فلا يأتين المساجد". أخرجه مسلم.
ولأن العلة وهي: تأذي الملائكة لا يختص بالمسجد النبوي.
ولا يحل لأحد أن يأكل منها ليتخذ ذلك ذريعة للتخلف عن صلاة الجماعة، كما لا يحل السفر في رمضان من أجل أن يفطر؛ لأن التحيل على إسقاط الواجبات لا يسقطها" انتهى من "اللقاء المفتوح" (73/ 27).
والحاصل : أنه لو أمكن إزالة رائحة الثوم والبصل بأي مزيل، فلا حرج حينئذ من إتيان المسجد.
التعليقات