الاحتفال بليلة النصف من شعبان
جعل الله سبحانه وتعالى لليلة النصف من شعبان مزية خاصة من حيث أنه جل في علاه يطِّلِع فيها إلى جميع خلقه فيغفر لهم إلا مشرك حتى يدع شركه ويوحد الله تبارك وتعالى، والمشاحن حتى يدع شحنائه ويصطلح مع من خاصمه.
فلقد روى ابن ماجه في سننه من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَه تَعَالَى لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ».
مشاحن: أي مخاصم لمسلم أو مهاجر له.
فهذه فرصة لكل مسلم يريد رِضَى الله سبحانه وتعالى، ويريد دخول الجنة أن يصلح ما بينه وبين خصومه من قريب أو بعيد، سواء كان من أهله، أو صديقه، أو أي شخص آخر، وكذلك عليه أن يتوب إلى الله عز وجل من المعاصي والذنوب من ربا، أو غيبة، أو نميمة أو سماع للموسيقى والغناء، وغيرها من المعاصي.
ولا يجوز تخصيص ليلة النصف من شعبان بصيام، ولا بقيام، وما شابه ذلك، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخصها بذلك، ولم يثبت عنه، ولا عن صحابته الكرام فيما نعلم.
ويروى في ذلك حديث باطل عن علي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلتها وصوموا يومها، فإن الله تبارك وتعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا، فيقول: ألا من مستغفر فأغفر له الا من مسترزق فأرزقه، ألا من مبتل فأعافيه، ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر». وهو مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والفضل لهذه الليلة -إن ثبت- لا يلزم اتخاذها موسمًا يُحتفل به، إلا أن العامة، وربما الخاصة ممن لا يدرك خطورة الابتداع، جعلوا من هذه الليلة عيدًا يحتفلون به، يظهرون فيه من الفرح واللعب ما يظهرون مثله في الأعياد الشرعية، لهذا اعتبرت هذه الليلة من جنس الأعياد المبتدعة التي تحتاج إلى كشف وبيان.
وأول من أحدث مظاهر الاحتفال بليلة النصف من شعبان وخصوصًا (الوقيد) هم البرامكة.
قال الحافظ أبو الخطاب ابن دحية: ومما أحدثه المبتدعون، وخرجوا به عما وسمه المتشرعون، وجروا فيه على سنن المجوس، واتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا، الوقيد ليلة النصف من شعبان، ولم يصح فيها شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نطق بالصلاة فيها والإيقاد ذو صدق من الرواة، وما أحدثه إلا متلاعب بالشريعة المحمدية، راغب في دين المجوسية؛ لأن النار معبودهم، وأول ما حدث ذلك في زمن البرامكة، فأدخلوا في دين الإسلام ما كان أصلهم عليه من عبادة النيران».
ومن أوائل من أحدث مظاهر العيد في ليلة النصف من شعبان الوزير محمد بن علي بن خلف أبو غالب، وكان فيه ميل إلى التشيع، وهو أول من فرق الحلاوة ليلة النصف من شعبان، وهو من وزراء الدولة العباسية.
قال ابن الصلاح رحمه الله: «وأما ليلة النصف من شعبان فلها فضيلة، وإحياؤها بالعبادة مستحب، ولكن على الانفراد من غير جماعة، واتخاذ الناس لها ولليلة الرغائب موسمًا وشعارًا بدعة منكرة، وما يزيدونه فيها على الحاجة والعادة من الوقيد ونحوه، فغير موافق للشريعة».
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «أما صوم النصف مفردًا فلا أصل له، بل إفراده مكروه، وكذلك اتخاذه موسمًا تصنع فيه الأطعمة، وتظهر فيه الزينة هو من المواسم المحدثة المبتدعة التي لا أصل لها».
وقال النووي رحمه الله: «من البدع المنكرة ما يفعل في كثير من البلدان، من إيقاد القناديل الكثيرة العظيمة والسرف في ليالي معروفة من السنة كليلة نصف شعبان، فيحصل بسبب ذلك مفاسد كثيرة، منها مضاهاة المجوس في الاعتناء بالنار والإكثار منها، ومنها إضاعة المال في غير وجهه، ومنها ما يترتب على ذلك في كثير من المساجد من اجتماع الصبيان وأهل البطالة، ولعبهم، ورفع أصواتهم، وامتهانهم المساجد، وانتهاك حرمتها، وحصول أوساخ فيها، وغير ذلك من المفاسد التي يجب صيانة المسجد من أفرادها».
وقال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله: «إن ما جرت به العادة فيها [أي: ليلة النصف من شعبان] من الاحتفال في المساجد بدعة نهى عنه الفقهاء، وأنكروا ما يقع فيه من المنكرات، حتى إيقاد المصابيح الكثيرة، وقد ورد في قيام ليلة النصف وصلاتها أخبار وآثار موضوعة، وحديث ضعيف، رواه ابن ماجه من حديث علي رضي الله عنه مرفوعًا».
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: «ومن البدع التي أحدثها بعض الناس بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان، وتخصيص يومها بالصيام، وليس على ذلك دليل يجوز الاعتماد عليه، والذي أجمع عليه جمهور العلماء أن الاحتفال بها بدعة».
وفي فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: «الاحتفال بليلة النصف من شعبان بدعة».
وقال الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله: «وقد جرت عادة بعض الجهلة بتنوير المساجد وتزيينها في بعض الليالي التي يعتقدون لها شرف كليلة النصف من شعبان، وليلة المولد النبوي، وليلة الإسراء، ونحوها، ولا أصل لذلك كله، فإنه من البدع».
التعليقات