زواج النبي صلى الله عليه وسلم بصفية بنت حيي بن أخطب
هي صفيَّة بنت حُيَيِّ بن أخطب بن شعبة بن ثعلبة بن عبيد بن كعب بن الخزرج بن أبي حبيب بن النضير بن النحام بن تحوم من بني إسرائيل من سبط هارون بن عمران (9 ق.هـ- 50هـ/ 613- 670م).
وأُمُّها بَرَّة بنت سموءل، كانت صفيَّة بنت حيي عند سلاَّم بن مشكم، وكان شاعرًا، ثم خلف عليها كنانة بن أبي الحُقَيْق وهو شاعر قُتل يوم خيبر.
كانت السيدة صفيَّة -رضي الله عنها- سيدة بني قريظة والنضير، أبوها حيي بن أخطب زعيم اليهود، وعالم من علمائهم، كان على عِلْمٍ بأن محمدًا نبيٌّ مرسل من قِبَلِ الله منذ قدومه إلى المدينة، لكنه استكبر؛ لأن النبي من العرب، ولم يكن من اليهود، وهذه القصَّة تحكيها لنا السيدة صفيَّة بنت حيي -رضي الله عنها- قائلة: لم يكن أحد من ولد أبي وعمِّي أحبَّ إليهما منِّي، لم ألقهما في ولد لهما قطُّ أهشّ إليهما إلاَّ أخذاني دونه، فلمَّا قدم رسول الله r قُباء -قرية بني عمرو بن عوف- غدا إليه أبي وعمِّي أبو ياسر بن أخطب مغلِّسين، فوالله ما جاءانا إلاَّ مع مغيب الشمس، فجاءانا فاترين، كسلانين، ساقطين، يمشيان الهوينى، فهششتُ إليهما كما كنت أصنع، فوالله ما نظر إليَّ واحدٌ منهما، فسمعت عمِّي أبا ياسر يقول لأبي: أهو هو؟ قال: نعم، والله! قال: تعرفه بنَعْتِهِ وَصِفَتِهِ؟ قال: نعم والله. قال: فماذا في نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما بَقِيتُ.
وذكر موسى بن عقبة عن الزهري أن أبا ياسر بن أخطب حين قدم رسول الله المدينة ذهب إليه وسمع منه وحادَثه، ثم رجع إلى قومه، فقال: يا قوم، أطيعوني؛ فإن الله قد جاءكم بالذي كنتم تنتظرون، فاتبعوه ولا تخالفوه.
فانطلق أخوه حيي بن أخطب -وهو يومئذٍ سيِّد اليهود، وهما من بني النضير- فجلس إلى رسول الله وسمع منه، ثم رجع إلى قومه، وكان فيهم مطاعًا، فقال: أتيتُ من عند رجلٍ والله لا أزال له عدوًّا أبدًا.
فقال له أخوه أبو ياسر: يابن أمِّ، أطعني في هذا الأمر واعصني فيما شئتَ بعده، لا تهلك.
قال: لا والله لا أطيعك أبدًا. واستحوذ عليه الشيطان، واتبعه قومه على رأيه.
وإن يهود خيبر رفضوا دعوة السلام والتعايش التي وثَّقها النبي منذ قدومه المدينة مع يهودها، فقامت الحرب بين الطرفين، وانتصر المسلمون على يهود خيبر، وأُسِرَت السيدة صفية بنت حُيي، ولما جُمِعَ السبي جاء دِحْيَةُ بن خليفة الكلبي، فقال: يا نبي الله، أعطني جارية من السبي. فقال: "اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً". فأخذ صفيَّة بنت حيي، فجاء رجل إلى النبي فقال: يا نبي الله، أعطيتَ دِحْيَةَ صفية بنت حيي سيِّدَةَ قريظة وبني النضير، لا تصلح إلاَّ لك. قال: "ادْعُوهُ بِهَا". فجاء بها، فلمَّا نظر إليها النبي قال: "خُذْ جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ غَيْرَهَا". وكانت -رضي الله عنها- عروسًا حديثة عهد بالدخول، فأمر النبي بلالاً أن يذهب بها إلى رحلة، فمرَّ بها بلال وسط القتلى، فكره ذلك رسول الله ، وقال: "أَذَهَبَتِ الرَّحْمَةُ مِنْكَ يَا بِلالُ؟". وعرض عليها رسول الله الإسلام فأسلمتْ، فاصطفاها لنفسه، وأعتقها وجعل عتقها صداقها، وبنى بها في الطريق، وأولم عليها، ورأى بوجهها خضرة، فقال: "مَا هَذَا؟" قالت: يا رسول الله، أُرِيتُ قبل قدومك علينا كأن القمر زال من مكانه فسقط في حجري، ولا والله ما أذكر من شأنك شيئًا، فقصصتها على زوجي، فلطم وجهي، وقال: تمنِّين هذا الملك الذي بالمدينة.
وفي زواج السيدة صفيَّة -رضي الله عنها- من زعيم المسلمين الأوَّل رسول الله أكبر تشريف لها وأعظمه.
وكان رسول الله حليمًا بالسيدة صفيَّة -رضي الله عنها- محبًّا ومُكرمًا لها؛ فقد بلغ صفيَّةُ أن حفصة -رضي الله عنها- قالت: بنتُ يهوديٍّ. فبكتْ، فدخل عليها رسول الله وهي تبكي، فقال: "مَا يُبْكِيَكِ؟" قالت: قالت لي حفصة بنت عمر إني ابنة يهودي. فقال النبي: "إِنَّكِ لابْنَةُ نَبِيٍّ، وَإِنَّ عَمَّكِ لَنَبِيٌّ، وَإِنَّكِ لَتَحْتَ نَبِيٍّ، فَفِيمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ". ثم قال: "اتَّقِي اللهَ يَا حَفْصَةُ".
وممَّا يُذكر عن اهتمام النبي بالسيدة صفيَّة -رضي الله عنها- وإكرامه لها، أنها -رضي الله عنها- جاءت إلى رسول الله تزوره وهو معتكف في المسجد في العشر الأواخر من شهر رمضان، فتحدَّثت عنده ساعة من العشاء، ثم قامت تنقلب، فقام معها رسول الله يَقْلِبُها، حتى إذا بلغتْ باب المسجد -الذي كان عند مسكن أمِّ سلمة زوج النبي - مرَّ بها رجلان من الأنصار، فسلَّما على رسول الله ثم نفذا، فقال لهما رسول الله: "عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ". قالا: سبحان الله، يا رسول الله! وكَبُر عليهما ذلك، فقال رسول الله: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا".
التعليقات