منافع الحج وآثاره الطيبة (2-3)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
ما زال الحديث موصولاً أيها الأحبة عن منافع الحج وآثاره الطيبة فمستعيناً بالله أقول:
· رابعاً: منافع محظورات الإحرام:
أخي الحاج:
معلوم أن للإحرام محظورات يجب على الحاج أن يبتعد عنها ولا يقترفها, ولاجتناب هذه المحظورات منافع:
1. فمثلاً: من محظورات الإحرام التي يجب على المُحْرِم تجنبها تغطية الرأس؛ وذلك لأن هذا دليل ذل وانكسار بين يدي الله. فمن منافع ذلك: أن كشف الرأس يُشْعِر بالذُل والانكسار, لأن تغطية الرأس من الجمال والزينة, فعندما يكشف الحاج رأسه يشعر بأنه ذليل بين يدي الله, مفتقر إليه, ومن شعر بذلك كان هو الغني بالله عمن سواه.
2. ومن محظورات الإحرام التي يلزم المُحْرِم تجنبها, هو الطيب ففي تجنب الطيب يُشْعِر نفسه بأنها ذليلة مُطِيعة لله, وأنه فطم نفسه عن ملذاتها وشهواتها, فالنفس إذا أُعطيت شهواتها ونالت ملذاتها مالت إلى البطالة والدعة, وإذا فُطِمت عن ذلك استقام أمرها, وشعرت بأنها ذليلة مهينة بين يدي الله, مما يحملها على التواضع وخفض الجناح, وهذا يؤدي إلى الشعور بالفاقة والحاجة والعوز إلى الله, وهذا من أعظم المنافع.
3. ومن محظورات الإحرام كذلك قص الشعر وتقليم الأظافر, وهذا أيضاً مما يتجمل به, فمن المعلوم أن الإنسان إذا أخذ شيئاً من ذلك شعر براحة ولذة, فالمُحْرِم منهي عن ذلك حتى لا تشعر فيه نفسه بشيء من التلذذ والراحة في موطن يتطلب فيه إظهار الذل والفاقة إلى الله, وخصوصاً وهي في هذا الوضع وتلك الهيئة, فإذا مُنِعَ المُحْرِم من ذلك شعرت نفسه بمسيس الفقر والحاجة إلى الله سبحانه وتعالى, وهذا من المنافع.
4. ومن محظورات الإحرام كذلك البُعْد عن النساء والتلذذ بهن, والبعد عن دواعي ذلك من تقبيل وملامسة, وغيرها, وهذا كله من اللذة والنعيم فالمُحْرِم إذا مُنع من ذلك, كان هذا أدعى لتفريغ قلبه, وتصفية ذهنه إلاَّ من الله والانشغال بطاعته, فعلى الحاج أن يغض بصره عن الحرام , ويحفظ سمعه عن سماع الحرام, ويقي بطنه من أكل الحرام, ويصون فرجه عن الحلال فمن باب أولى عن الحرام فلا شك أن المنافع في ذلك واضحة !.
· خامساً: منافع الطواف:
إذا وصل الحاج بيت الله الحرام قام وطاف حول البيت داعياً إلى الله جل وعلا وسائلاً له سبحانه من فضله العظيم, وهذا الطواف هو تحية المسجد الحرام, وللطواف منافع بدنية كثيرة منها: تنشيط البدن وتقويته, وترويض النفس على الصبر, وعلى تحمل الزحام والمشاق, وعلى طول القيام, وطول المسير, إلى غير ذلك من المنافع التي بَيَّنَهَا أهل العلم وأطالوا النفس في بيانها.
ويبقى لنا أن نعرف منافع الطواف الدينية وهذا هو المطلوب, ومن المنافع الدينية للطواف:
1. الانقياد التام والتسليم المحض لأمر الله والإتباع الكامل لرسوله صلى الله عليه وسلم, حيث أن المسلم يطوف حول بيت من الحجر, ويقبل حجراً لا يضر ولا ينفع, ولكنه ممتثلاً لأمر الله, متبعاً لرسوله صلى الله عليه وسلم, وفي ذلك ترويض للنفس على الطاعة والانقياد لأوامر الله ورسوله.
2. ومن منافع الطواف العظيمة, تعظيم حرمات الله سبحانه قال تعالى:{... وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ...}(الحج من الآية (30)).
ويقول تعالى:{... وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}(الحج من الآية (32)).
1. عندما يبدأ المُحْرِم الطواف بالبيت يبدأه وهو نشيط, لذلك يُسن له الرمل, وهو الإسراع في المشي مع تقارب الخطى, وهو بذلك متبعاً لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم, ومتذكراً الذين طافوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهم يرملون, مما يؤدي إلى حسن التأسي وجميل الإتباع.
· سادساً: منافع السعي بين الصفا والمروة:
1. عندما يشرع الحاج في السعي, يبدأ ذلك بذكر الله ثم التكبير, ثم التهليل, ثم التحميد ثم التعظيم, ثم بعد ذلك بقراءة القرآن إن هذا كله قربة و زلفى إلى الله, وهذا من المنافع.
2. عند السعي يتذكر المسلم السيدة الطاهرة هاجر عليه السلام وأنها أول من سعت في هذا المكان, وكيف كانت صابرة مؤمنة بقضاء الله وقدره, فكان الجزاء الفرج بعد الشدة, والسعة بعد الضيق, والأمن بعد الخوف, والأُنْس بعد الوحشة, وهذا كله بالصبر على قضاء الله وقدره, والثقة بموعوده, فيتربى عند المسلم في هذه الحالة, كيف تكون الثقة بالله, ونتيجة ذلك, وهذا من أعظم المنافع وأجلها.
3. إن جميع المشاعر من طواف وسعي, ووقوف بعرفة ورمي جمار, وغيرها إنما هي ذكر الله, عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله "([1]).
أي أنها كلها تذكر بالله, وتبعث على ذكر الله, فالذين يطوفون يذكرون الله حال طوافهم, والذين يسعون يذكرون الله حال سعيهم, والذين يرمون الجمار, يذكرون الله حال رميهم وهكذا, فهم يذكرون الله في جميع هذه الأحوال, ولا يذكرون غيره, ولا يدعون سواه, ولا يضرعون إلا إليه, فقلوبهم بحب خالقهم عامرة, وألسنتهم له ذاكرة, وجوارحهم بالأفعال شاكرة وهذا من أعظم المنافع وأجلها.
· سابعاً: منافع يوم التروية:
يقول الحق جل وعلا{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ...}(الحج من الآية (28)).
1. في اليوم الثامن من ذي الحجة يتوجه الحجيج إلى منى, فمن كان تحلل, عاد إلى إحرامه مرة أخرى, وشرعوا في التلبية, فيذهبوا إلى منى, ويقصرون فيها الصلاة, ويذكرون الله, وبعد صلاتهم الصبح يتوجهون إلى عرفة ملبين مهللين شاكرين ذاكرين لله كثيراً. وهذا من المنافع.
2. عندما يبدأ الحجيج في الرحيل من منى إلى عرفة يتذكرون الرحيل عن هذه الدنيا, وأنها ليست دار إقامة ومقر, ولكنها دار معبر وممر, فالإنسان راحل عن هذه الدنيا لا محالة, فيجب عليه أن يتزود ليوم الرحيل الأكبر, وهو الرحيل إلى الآخرة !.
3. إن المبيت في منى يوم التروية سنة مؤكدة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم, فإذا قدم الحاج إلى منى يوم التروية وقَصَرَ فيها الصلوات الخمس تذكر بذلك المعلم الأول والإمام الأوحد, إمام الهدى ومصباح الدجى محمد صلى الله عليه وسلم , ويكون بذلك متبعاً لأعظم نبي عرفته دنيا الأنبياء وهو مأمور بذلك , وهذه من المنافع.
هذه والله أعلم وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وللحديث بقية في مقال قادم بإذن الله تعالى. وللمزيد ارجع إلى كتابي (رفيقك في الحج والعمرة)ص (241-244).
[1] . أخرجه أحمد في المسند (6/64) وأبو داود (1888).
التعليقات