منافع الحج وآثاره الطيبة (1-3)
منافع الحج وآثاره الطيبة (1-3)
خالد بن حسين بن عبد الرحمن
الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلمه, وفصَّل كل ما شرعه وأحكمه, أحمده سبحانه وأشكره على ما أولاه من جزيل نعمه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. شهادة من وحّد ربه وعظّمه, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, الذي اصطفاه للرسالة وكرّمه, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اتبع شرعه المطهر وقدّمه.
أخي الحاج:
يقول الحق تبارك اسمه:{ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)}(الحج (27-29)).
فالحج ركن من أركان الإسلام الخمسة, ولا يكتمل إسلام المرء إلا إذا أتى بهذا الركن عند الإستطاعة, وما من عبادة فرضها المولى جل وعلا على عباده إلا وكان فيها الخير والنفع في الآجل والعاجل, في الدنيا والآخرة.
ولاشك أن هذا الحج الذي هو عبارة عن الإحرام والسعي والطواف, والوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة, ورمي الجمار إلى غير ذلك مما يتعلق بهذا النسك العظيم, هو أعمال بدنية, وأعمال قولية, وأعمال مالية.
وهذه الأعمال ونحوها ما شُرِعَت إلا لعبادة الله, وما شرعت إلا للتزود من معرفة الله سبحانه وتعالى, وما شُرِعت أيضاً إلا لمنافع عظيمة تفوق العد والحصر والحساب, وقد استدل العلماء لهذه المنافع بالآية السالفة الذكر, ولا شك أن من أعظم هذه المنافع تقرب العبد إلى خالقه ومولاه, بأداء هذه الشعيرة العظيمة, بكل انقياد واستسلام وطاعة لله جل وعلا, واتباعاً لرسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم, وهو بذلك يريد رضى الحي القيوم, ويطلب منه سبحانه وتعالى الأجر والثواب والمغفرة في الدنيا, والفوز بالجنة ومجاورة الرب الكريم في الآخرة.
وقد بحث أهل العلم عن هذه المنافع فوجدوا فيها منافع عدة, فمنها: منافع بدنية, ومالية, وثقافية, واجتماعية , وعلمية, وغيرها, وهذه المنافع تجتمع في تلك الشعيرة العظيمة, ولا يشعر بهذه المنافع ويتأثر بها إلا أهل المعرفة والعلم والهدى والنور والبصيرة.
ولأهمية معرفة هذه المنافع والحكمة التي شرع الله من أجلها الحج أردنا أن نلفت الأنظار إلى بعض هذه المنافع, لتكون عوناً لك أخي الحاج في إقبالك على أداء فريضة الحج بداية, وأدائك لها على الوجه الأكمل ثانياً, ولتنال الأجر والثواب وتصيب من تلك المنافع في الدنيا والآخرة نهاية.
وإليك بعض هذه المنافع أخي الحاج حتى تكون على بصيرة من أمرك.
· أولاً: منافع السفر:
أخي الحاج:
إذا عزمت على أداء فريضة الحج, وأردت أن تتوجه بقلبك وقالبك إلى بيت الله العتيق, فلا بد وأن ستتجشم مشقة السفر ووعثاؤه, وتعب الطريق وأخطاره, وتَحمُل النفقة والبعد عن الأهل والأحباب والوطن وهذا لا لشيء إلا شعورك بحق الله عليك, وأنه ربك الذي أنعم عليك بكل نعمة صغيرة أو كبيرة, ظاهرة أو باطنة, وفي سفرك هذا مرضاة لهذا الرب والإله المعبود, فيصير كل ما يحبه الله ويرضاه محبباً إلى نفسك مقدماً على ما سواه, مهما كلفك الأمر, من صعاب ومشقات, فكل صعب في رضاء الحق سهل, وكل مشقة في رضى الرب متعة, وصدق من قال:
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى فما انقادت الآمال إلا لصابر
ولا شك أن هذا السفر قد يطول أو يقصر على حسب الظروف, ولا شك أن الحاج في هذا السفر سيواجه بعض المشقات وبعض الصعاب وغيرها من الأشياء التي تواجه المسافر, ولكن هذه الأمور تحمل في طياتها منافع عدة منها:
1. تمرين النفس وتدريبها على أن تصبر على مواجهة الصعاب والمشقات التي تنتج عن السفر, مما يؤدي إلى تدريب النفس على مواجهة مشاكل الحياة وصعابها والصبر عليها.
2. زيادة المعلومات, وثراء الثقافة للمسافر, حيث أنه سيمر ببعض البلاد وبعض المعالم التاريخية الكثيرة أثناء رحلته, مما يؤدي إلى زيادة حصيلته المعرفية.
3. تمرين النفس على تَحَمُل الجوع والصبر عليه, وتَحَمُل الجهد الذي يلاقيه المسافر في سفره بعض الأحيان ولابد.
4. تدريب النفس وتعليمها آداب السفر, فللسفر آداب معروفة يجب معرفتها, مثل متى تُقْصر الصلاة, ومتى تُجْمع, ومتى يُباح التيمم عند فقدان الماء, إلى غير ذلك من الأشياء التي تطرأ على المسافر في سفره.
5. صحبة الصالحين في السفر, والتعرف على الأخيار الذين تجمعهم سيارة واحدة أو حافلة كبيرة, مما يؤدي ذلك إلى المودة والمعرفة وتبادل المعلومات مما يعمل على زيادتها.
· ثانياً: منافع الإحرام:
أخي الحاج : إذا وصل المسلم إلى أحد المواقيت التي حددها النبي صلى الله عليه وسلم لمن أراد الحج, فإنه يبدأ في الاستعداد في لبس الإحرام, ذلك الرداء والإزار الأبيضان اللذان يُشْبِهان الكفن, فإذا لبس المؤمن هذا اللباس فسوف يحدث له منافع منها:
1. أن هذا اللباس الذي يُشْبه الكفن يذكره بالانتقال من هذه الدنيا, وأن سيخرج منها هكذا ليس معه شيئاً مما جمعه من هذه الحياة الفانية, فيكون ذلك أدعى له في علو همته والاستعداد للدار الآخرة, وهذا هو المطلوب.
2. اتفاق الحجاج كلهم على هذا اللباس, لا فرق بين غنيهم وفقيرهم ولا بين أسودهم وأبيضهم وأحمرهم, كلهم على حال واحدة لا شك أن هذا يفيد أن الناس كلهم متساوون عند الله في الحقوق لا فرق بينهم إلا ما امتاز بعضهم على بعض بالتقوى والعمل الصالح, مما يؤدي إلى أن يتزود المسلم بفعل الخيرات وعمل الطاعات.
3. يحمل هذا المنظر على أن يتواضع المتكبر, ويعطف الغني على الفقير, ويعفو القوي على الضعيف, إذا أنهم أخوة متساوون في حق الله وفي عبادته, مما يعمل على زيادة المحبة بين المسلمين, وإزالة البغضاء والكراهية والحسد بينهم.
· ثالثاً: المنافع القلبية:
أخي الحاج:
عندما ينتهي المسلم من لبس الإحرام, ويبدأ في السير متجهاً إلى مكة قاصداً البيت فإنه يشرع في التلبية ويُكْثِر منها ويقول: (لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك, إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك).
ومعنى هذه التلبية أي أنا يا رب مجيب لدعوتك, وملازم لطلبك وطاعتك, وأنا مجيب لك مرة بعد مرة, لا أتخلف عن عبادتك وطاعتك, ولا أشرك أحداً معك في أي عبادة ولا أدنى طاعة.
ومعنى ذلك أن من يُلًّبي كأنه أخذ العهد على نفسه وعزم عليها بأنه: ملتزم بطاعة الله دائماً, وإذا كان الأمر كذلك فلا يجوز له أن يتخلف عن هذه الطاعة ولا يتركها إلى المعصية, ولا يرجع إلى المعصية مرة أخرى؛ لأنه عاهد ربه بهذا عندما لبى, وأجاب ربه بهذه التلبية التي فيها الالتزام بالطاعة, فلا يجوز له أن يتخلف عنها فيما بعد ويترك الطاعة, ويجعل بدلاً منها المعصية, فيكون قد كذب في قوله, لبيك اللهم لبيك, ولم يصدق فيما التزم به, وهذه هي منافع التلبية.
هذا والله أعلم وللحديث بقية وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وللمزيد ارجع إلى كتابي (رفيقك في الحج والعمرة والزيارة) ص (237-240).
التعليقات