دور الأئمة والخطباء في نشر الوعي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن السير إلى الله -عز وجل- والتزام الصراط المستقيم واجب العمر بالنسبة لكل مسلم؛ بل إنه الأمر الذي ينبغي لكل إنسان أن يقوم به ليؤدي المهمة التي خلق لأجلها، (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56]؛ فينال الأجر على ذلك في نهاية المطاف، (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[الزخرف: 72]، إلا أن أعداء الإنسان الذين يقطعون عليه الطريق كُثُر، لا سيما في هذا الزمان الذي انتشرت فيه الفتن والشبهات والشهوات بشكل لم يسبق له مثيل، بسبب سهولة وسرعة انتقال المعلومات عبر الوسائل الحديثة؛ فنجد قُطَّاع الطرق هؤلاء يزينون الشبهات والشهوات للناس ويغرونهم باقتحامها وتنكب الصراط المستقيم، وهو ما حذَّرنا منه ربنا -سبحانه وتعالى- بقوله: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[الأنعام: 153].
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: “خطَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، خطًّا بيده، ثم قال: هذا سبيل الله مستقيمًا، قال: ثم خطَّ عن يمينه وشماله، ثم قال: هذه السبل، ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه، ثم قرأ: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل)[الأنعام:153].
إن التصدي للفتن والشبهات والشهوات، وكشف من يروجها ويبثها بين الناس بجلاء أو بخفاء، يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى لرفع مستوى الوعي لدى كافة أفراد المجتمع دون استثناء، وهذا يحتاج لتضافر كافة المنابر والجهات التي تخاطب الجمهور لبث هذا الوعي وترسيخه في العقول والقلوب؛ وإن من أجَلِّ المنابر الإعلامية وأكثرها نفعًا وبركة، المنابر الدعوية التي تتنوع أشكال وسائلها وصورها؛ كخطبة الجمعة والمحاضرات والدروس، والتي ما هي في الحقيقة إلا امتداد لما كان يقوم به النبي -صلى الله عليه وسلم- واقتفاء لأثره، ومن هنا جاءت أهميتها ورُجِيَت بركتُها.
وإذا كانت هذه المنابر بهذه المثابة والأهمية؛ فإن على القائمين عليها من الخطباء والدعاة والمدرسين من المسؤولية والواجب الشرعي ما ليس على كثير غيرهم، ولكي يقوم هؤلاء بواجبهم المؤثِّر في التوعية والنصح والدعوة والإرشاد لا بد من توفر عدد من الشروط، منها:
أولًا: التقوى والإخلاص واتباع السنة؛ فهذه مفاتيح كل خير، ومغاليق كل شر، فبالتقوى يتحرَّى الخطيب والداعية الحقَّ ويدور معه حيث دار، وبالإخلاص والمتابعة، يصح عمله ويكون مقبولًا عند الله؛ فيكون قريبًا من أن يوضَع له القَبول بين الناس.
ثانيًا: الوعي؛ فإذا لم يكن لدى المرء حصيلة ذاتية من الوعي العالي، لم يمكنه أن يبثه في غيره، إذ فاقد الشيء لا يُعطِيه؛ والوعي لابد له من استعداد ذاتي كالذكاء والفطنة وجودة الفهم، ولا بد له كذلك من بذل الجهد لتحصيله من مظانِّه؛ من أهل العلم والفكر الرشيد وأصحاب التخصص، كل في مجاله، سواء كان ذلك بالتلقي عنهم مباشرة، أم بالقراءة والسماع والمشاهدة.
ثالثًا: الصدور عن أهل العلم والخبرة؛ فيسترشد الخطيب والداعية بتوجيهاتهم وفتاواهم وإرشاداتهم، ولا يخالف مجموعهم، ولا يتتبع أو يتابع من أخطأ منهم، فلكل عالم هفوة.
رابعًا: معرفة الأعداء ومكرهم؛ فهذا العصر يموج بالأفكار والأساليب المستحدثة والمتسارعة، ومن جمد ولم يتابع هذه المستجدات سيصبح خارج الزمن، وسيكون خطابه للجمهور بلا أثر لأنه سيكون عن واقع مختلف تجاوزته الأحداث.
خامسًا: مخالطة الناس والقرب منهم؛ فالمؤمن يَألَف ويُؤْلَف، وهذا يكون أدعى لقبول ما معه من الحق، وأما من يعيش في عزلة عن الناس ولا يسمعون منه إلا الخطبة والدرس، ولا يشاركهم في بقية اهتماماتهم، فإن درجة التقبل منه تكون أقل من المأمول.
ومما ينبغي إعادة النظر فيه لتحقيق هذه الألفة، ظاهرة دخول الأئمة في كل الصلوات من الباب القِبلي، والدخول وقت الإقامة، ثم الانصراف عقب الصلاة مباشرة.
سادسًا: استشعار المسؤولية واغتنام الفرصة؛ فإتاحة المجال للمرء كي يخطب أو يلقي الدروس فضل عظيم من الله؛ فينبغي اغتنام الفرصة التي قد لا تدوم؛ إما لانتقال أو مرض أو كبَر سن أو غير ذلك من الصوارف والعوارض، وهذه الفرصة فيها مسؤولية كبيرة كذلك، لأن صاحبها يقوم بمهمة الأنبياء، فلا بد أن يقدر للأمر قدره.
سابعًا: الإعداد الجيد؛ وهذا تبع للنقطة السابقة، فمن استشعر المسؤولية وأراد اغتنام الفرصة لا بد أن يهتم اهتمامًا بالغًا بالرسالة التي يقدمها للناس، فيتحرى الحقَّ والصواب، ويتثبت من المعلومات قبل نشرها، ويحرص على تحديثها باستمرار لتكون أقرب للواقع.
ثامنًا: الأسلوب المناسب؛ فإن المحتوى الجيد لا يكفي وحده لإقناع المتلقي، بل لا بد من أسلوب جذاب يجلب اهتمامه؛ وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم-، يضرب الأمثال ويقص على أصحابه القصص، ويشير بيديه إشارات ذات مغزًى، ويرغب ويرهب، ويكرر الكلام على السامع، إلى غير ذلك.
فإذا وُفِّقَ الإمام والخطيب والداعية لتحقيق ما سبق وغيره مما يشبهه؛ فإن رسالته ستصل -بإذن الله- وستكون المنابر الدعوية منارات مضيئة لبث الوعي بين الناس، ومن ثمَّ إيجاد مناعة مجتمعية ضد كل ما هو ضار ومفسد لدين الناس ودنياهم، ومعاشهم ومعادهم، وسوف نجد من أفراد المجتمع من سيحمل الهمَّ كذلك، ويدفعه الوعي الجديد ليكون عضوًا فاعلًا مؤثرًا، ينشر الخير ويحذر من الشر، وبذلك يسعد العباد وتأمن البلاد.
التعليقات