هل الخوف يبيح للمرء أن يصلي في السيارة دون توجه للقبلة وقيام؟
ليس كل خوف وهرب تجوز معه الصلاة على الحالة التي ذكرها، والذي يمكننا قوله هو أنه إن كان هربه مباحًا، وليس عاصيًا بهربه، وتعذر عليه حقيقة أن يصلي قائمًا مستقبل القبلة من غير خوف، وخاف ضررًا إن صلى مطمئنًا، فصلاته صحيحة، ولا شيء عليه، وإن أعادها احتياطًا فهو أفضل؛ مراعاة لمن يقول بإعادتها إن صُلِّيت على تلك الحال.
قال ابن قدامة في المغني: وَإِنْ هَرَبَ مِنْ الْعَدُوِّ هَرَبًا مُبَاحًا، أَوْ مِنْ سَيْلٍ، أَوْ سَبُعٍ، أَوْ حَرِيقٍ لَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهُ بِدُونِ الْهَرَبِ، فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ، سَوَاءٌ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ، أَوْ أَهْلِهِ، وَالْأَسِيرُ إذَا خَافَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ إنْ صَلَّى، وَالْمُخْتَفِي فِي مَوْضِعٍ يُصَلِّيَانِ كَيْفَمَا أَمْكَنَهُمَا، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الْأَسِيرِ، وَلَوْ كَانَ الْمُخْتَفِي قَاعِدًا لَا يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ، أَوْ مَضْجَعًا لَا يُمْكِنُهُ الْقُعُودُ، وَلَا الْحَرَكَةُ، صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُصَلِّي وَيُعِيدُ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ خَائِفٌ صَلَّى عَلَى حَسَبِ مَا يُمْكِنُهُ، فَلَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ كَالْهَارِبِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فِي هَذَا، لِأَنَّ الْمُبِيحَ خَوْفُ الْهَلَاكِ، وَقَدْ تَسَاوَيَا فِيهِ، وَمَتَى أَمْكَنَ التَّخَلُّصُ بِدُونِ ذَلِكَ، كَالْهَارِبِ مِنْ السَّيْلِ يَصْعَدُ إلَى رَبْوَةٍ، وَالْخَائِفِ مِنْ الْعَدُوِّ يُمْكِنُهُ دُخُولُ حِصْنٍ يَأْمَنُ فِيهِ صَوْلَةَ الْعَدُوِّ، وَلُحُوقَ الضَّرَرِ، فَيُصَلِّي فِيهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا أُبِيحَتْ لِلضَّرُورَةِ، فَاخْتَصَّتْ بِوُجُودِ الضَّرُورَةِ... وَالْعَاصِي بِهَرَبِهِ كَاَلَّذِي يَهْرُبُ مِنْ حَقٍّ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ، وَقَاطِعُ الطَّرِيقِ، وَاللِّصُّ وَالسَّارِقُ، لَيس لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْخَوْفِ، لِأَنَّهَا رُخْصَةٌ ثَبَتَتْ لِلدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ فِي مَحَلٍّ مُبَاحٍ، فَلَا تَثْبُتُ بِالْمَعْصِيَةِ. اهـ.
وقال أيضًا في الكافي:... صلى كيفما أمكنه، قائمًا، أو قاعدًا، أو مستلقيًا إلى القبلة، وغيرها بالإيماء في السفر والحضر. اهـ.
وإن ظهر لك من خلال هذا النقل عن الفقهاء أن حالتك لا تبيح لك أداء الصلاة على تلك الحال، فإنه تلزمك الإعادة.
التعليقات