أخطاء يقع فيها بعض أئمة المساجد وسبل علاجها3
ثالثاًً: أخطاء في التعامل والسلوك: أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم --- فطالما استعبد الإنسان إحسانُ هذا بالإضافة إلى تفعيل دور حلقات التحفيظ في المسجد للصغار والكبار، ومتابعتها، وجمع التبرعات لعمل جوائز للمتفوقين، وأخذهم إلى رحلات هادفة، وكذلك تفعيل دور مكتبة المسجد لتكون منطلقاً للشباب إلى كل خير، وعمل مكتبة سمعية، وأخرى مرئية تعنى بإيصال الشريط الإسلامي المفيد، والمؤثر، والهادف إلى الأسر، والتنسيق المستمر لإقامة الدروس العلمية، والمحاضرات، والكلمات الوعظية للعلماء، وطلبة العلم، والاستفادة من جهود المراكز الدعوية في ذلك، إلى غير ذلك. أخي لن تنال العلم إلا بستة --- سأنبيك عن مضمونها ببيان والمسجد لايمكن أن يكون حائلاً دون حضور مجالس العلماء، صحيح أن الأمر يحتف به شيء من المشقة؛ ولكن العلم أغلى من أن يناله الإنسان بيسر وبدون جهد ولا مشقة. 21- رواه البخاري (5200).
1- الجهل بواجب الإمامة ومسؤولياتها:
على الإمام مسؤولية عظيمة سوف يسأل عنها يوم القيامة؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم{: "الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين".
ولايمكن أن تكون هناك مؤسسة بدون مسؤول، والمسجد من أعظم المؤسسات التربوية والتعليمية فلا بد لهذه المؤسسة العظيمة من مسؤول، فالمسؤول الأول هو الإمام ولاشك، وهو داخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم{: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته" (21).
وبعض الأئمة - أصلحنا الله وإياهم - يجهلون هذه المسؤولية العظيمة التي لا تتوقف على الصلاة بالناس، بل تتعداها إلى استصلاح أهل ذلك الحي، وتوجيههم الدائم إلى ما يقربهم من الله، وتفقد أحوالهم، والتعرف على قضاياهم قدر الإمكان، وزيارتهم في بيوتهم لتآلفهم، وتحسيسهم بالشعور بهم؛ بل وخدمتهم فيما يحتاجونه من خدمة، حتى إذا فعل الإمام كل ذلك أحبوه وقبلوا منه.
كما قال الشاعر:
2- عدم التسلح بالعلم الشرعي المؤصل:
فترى بعض الأئمة بحجة الارتباط بالمسجد يعزف عن حضور الدروس العلمية، وهذا بلا شك خطأ فادح؛ فإن أولى الناس بهذه الدروس هم الأئمة؛ لأن الإمام يتعرض لكثير من الأسئلة التي يحتاج أصحابها إلى الجواب العلمي المؤصل المبني على علمٍ وبصيرة، وهذا لايكون إلا بثني الركب عند العلماء زمناً طويلاً.
ذكاء وحرص واصطبار وبلغة --- وارشاد استاذ وطول زمان
ومما يدل على أن المسجد لايحول بين الإمام وحضور مجالس العلماء، أن دروس العلماء ومجالسهم جل من يحضرها من أئمة المساجد، ولكن يبقى عدد كبير من الأئمة لايعرف الطريق إلى هذه الدروس مع إمكانية ذلك ولاحول ولاقوة إلا بالله.
3- عدم فتح قنوات يمكن من خلالها كسب قلوب الناس، والتعرف على قضاياهم:
وهذه القنوات يمكن أن نذكر منها:
1- عمل لقاء أسبوعي يسمى (مجلس أهل الحي) يجتمع فيه الإمام، وجماعة المسجد؛ ليتباحثوا فيه القضايا المتعلقة بأهل الحي، وشؤون المسجد ونحوها.
2- تكوين لجنة منتقاة من طلبة العلم، وكبار السن، والحريصين على صلاة الجماعة؛ للقيام بزيارة جيران المسجد الذين يتأخرون عن الصلاة مع الجماعة، مع الحرص على أن تكون النصيحة بطريق غير مباشر أثناء الزيارة، وبأسلوب مقبول.
3- القيام بإعداد مسابقات ثقافية للأسر يركز فيها على معالجة بعض الأخطاء المنتشرة في الحي، وتوزيع جوائز على الفائزين، ويكون ذلك في لقاء يتخلله برنامج معد، ووجبة عشاء يحضرها كل جماعة المسجد.
4- عمل صندوق خيري تجمع فيه التبرعات، ويرسل بخطابات للأثرياء والمحسنين بطلب التبرع لهذا الصندوق، ويشرف الإمام ولجنة مختارة على هذا المال ليصرف على مشاريع الدعوة في المسجد.
5- اجتماع شهري لجماعة المسجد على وجبة عشاء بإحدى الاستراحات يكون الغرض منه التقارب والخروج عن الروتين المعتاد في الحي والمسجد.
وسبيل العلاج: أن يتقرب الإمام ممن يرى فيه رجاحة العقل والحكمة خاصة من كبار السن، ويفعّل دورهم في ذلك، مع الحرص الشديد على إظهار الاحترام والوقار لأصحاب الستين والسبعين، والتشديد على حضورهم لهذا اللقاء، مع السعي الدائم لجمع المبالغ لتغطية ما يحتاجه مثل هذا اللقاء وغيره من النشاطات الأخرى.
4- الضجر وعدم الصبر على ما قد يصدر من بعض جماعة المسجد:
الإمام في المسجد والحي يقوم بوظيفة الرسل من الدعوة إلى الله تعالى، ومواجهة الانحرافات عن الطريق الموصلة إلى الله، وهذه الوظيفة تصطدم مع رغبات، وعادات، وآراء بعض الناس فهي عرضة للمواجهة، والانتقاد، بل والعداء أحياناً من بعض هؤلاء؛ ولذلك يحتاج الإمام إلى التسلح بالصبر، والتحمل، والعفو لينجح في مهمته؛ لذلك أمر الله تعالى نبيه { بالصبر في أول سورة أرسل بها فقال تعالى: يا أيها المدثر 1 قم فأنذر 2 وربك فكبر 3 وثيابك فطهر 4 والرجز فاهجر 5 ولا تمنن تستكثر 6 ولربك فاصبر 7 {المدثر: 1 - 7} .
فإنه لما أمر بالإنذار كان لزاماً أن يؤذى، فوجب الصبر، وكذلك قال لقمان لابنه: يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على" ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور 17 {لقمان: 17} .
وسبيل العلاج: معرفة ذلك، واستحضاره دائماً، وتوقع الأذى سلفاً؛ حتى إذا حدث كان أمراً طبيعياً، والعلم بأن الأذى دلالة على محبة الله تعالى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم {: "أشد الناس بلاءً الأنبياء والصالحون ثم الأمثل فالأمثل" (22).
5- التصدر للفتيا في كل مسألة، وعدم الجرأة على قول: لا أدري:
بعض الأئمة - غفر الله لنا ولهم - يتحرج من ظهوره أمام الذي يطرح عليه سؤالاً بمظهر عدم العارف، فيدفعه ذلك إلى الإجابة عن كل مسألة تعرض عليه، فيجيب أحياناً بلا علم، ويظن أنه لو لم يفعل ذلك لنفر الناس منه، ولم يقبلوا عنه، وهذا عين الخطأ، بل إن الناس إذا عرفوا من الإمام التورع في الفتيا كان لجوابه على ما يعلم قبولاً، واطمئناناً، وأحبته القلوب. وإذا تجرأ على القول بلا علم فإن أول من يمقته سائله؛ فإنه يفتيه ثم يظهر له بعد ذلك أن هذه الفتوى مجانبة للصواب، إما بسماع عين هذه المسألة في الإذاعة، أو في شريط، أو في درس لأحد العلماء، فتزول الثقة من هذا الإمام، ولربما أشاع هذا السائل تلك الزلة بين جماعته وجيرانه، فضلاً عن أن القول على الله بغير علم كبيرة من الكبائر، بل عده بعض العلماء أعظم من الإشراك بالله تعالى وقد استنبطوا ذلك من قول الله تعالى: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون 33 {الأعراف: 33}.
فبدأ بالأهون، ثم الذي يليه، فكان الترتيب من الأدنى إلى الأعلى، وجعل القول على الله بغير علم بعد الشرك بالله تعالى.
سبيل العلاج: التمرس على قول: لا أدري، فإن الإمام مالكاً رحمه الله عرضت عليه مسألة فقال: لا أدري، فقال له السائل: إنها مسألة خفيفة سهلة، وإنما أردت أعلم بها الأمير، وكان السائل ذا قدر، فغضب مالك وقال: مسألة خفيفة سهلة،!! ليس في العلم شيء خفيف، أما سمعت قول الله تعالى: إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا 5 {المزمل: 5} فالعلم كله ثقيل وبخاصة ما يسأل عنه يوم القيامة (23).
وقال عبدالرحمن بن مهدي: كنا عند مالك، فجاء رجل فقال: يا أبا عبدالله، جئتك من مسيرة ستة أشهر، حملني أهل بلادي مسألة أسألك عنها، فقال: سل، فسأله، فقال: لا أدري، فقُطع بالرجل وكأنه قد جاء إلى من يعلم كل شيء، قال: وأي شيء أقول لأهل بلادي إذا رجعت إليهم؟ قال: تقول لهم: قال مالك: لا أدري (24).
وسئل رحمه الله تعالى عن أربعين مسألة فقال في ست وثلاثين: لا أدري (25).
وفي الختام نسأل المولى جل وعلا، أن يوفقنا وأئمة المسلمين إلى مافيه رضاه، ونسأله تعالى أن يرزقنا وإياهم الإخلاص في القول والعمل، وأن يغفر خطايانا وأن يتوب علينا. ونسأله أن يرزقنا العلم النافع، والعمل الصالح، وأن يفقهنا في ديننا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
22- رواه الطبراني في الكبير انظر: صحيح الجامع (994).
23- سلسلة أعلام المسلمين - مالك بن أنس - لعبدالغني الدقر (242).
24- المصدر السابق (242).
25- المصدر السابق (242).
مرشد ديني بإدارة الشؤون الدينية بالخدمات الطبية.
التعليقات