أخطاء يقع فيها بعض أئمة المساجد وسبل علاجها2
ثانياً: أخطاء في الإمامة والصلاة: 12- إرواء الغليل (262).
1- الإفراط أو التفريط في طول الصلاة وقصرها:
وحتى يتبين المقصود فإن من الضروري معرفة كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم { يصلي بأصحابه فإنه قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" متفق عليه (12).
ولا بد أن تجمع النصوص الواردة في كيفية صلاته { كاملة، فيضم بعضها إلى بعض، فمثلاً بالنظر إلى قوله: "إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف" (13) يفهم منه مطلق التخفيف؛ ولكن إذا جمعنا مع هذا الحديث حديث: "إن طول صلاة الرجل، وقصر خطبته مئنة من فقهه - أي علامة على فقهه - فاطيلوا الصلاة وقصروا الخطبة"(14).
وحديث أبي سعيد الخدري: "كنا نحزر قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم { في الظهر والعصر فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر قراءة (آلم تنزيل) السجدة" وفي رواية: "في كل ركعة قدر ثلاثين آية، وحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الأخريين من الظهر، وفي الأخريين من العصر على النصف من ذلك" رواه مسلم (15).
فعلم بأن الحديث الأول ليس على إطلاقه، وإنما المراد به التخفيف الذي كان يفعله هو { .
ومن هنا يتبين خطأ كثير من الأئمة الذين حادوا عن هديه عليه الصلاة والسلام إلى الإسراع في الصلاة، الأمر الذي لايمكن أن يكون معه تدبر، ولا خشوع، نسأل الله لنا ولإخواننا الأئمة الهداية والتوفيق.
سبيل العلاج: الاعتدال والتوسط في طول الصلاة وقصرها على وفق ما ورد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم {، وأخذ الناس على ذلك بالتدرج مع إيضاح السنة في ذلك بالكلمة الهادفة، والموعظة الحسنة.
2- ترك السنة الثابتة وعدم تطبيقها خوفاً من غضب الناس: ومن ذلك على سبيل المثال:
1- قراءة سورتي السجدة والإنسان في فجر الجمعة.
2- الحرص على تسوية الصفوف حتى ولو دعا ذلك إلى أن يمشي الإمام إلى ميمنة الصف، أو ميسرته لتعديله وإقامته.
3- رفع الصوت بالأذكار بعد الفريضة.
4- السجود بعد السلام في السهو إذا كان السهو عن زيادة في الصلاة.
وسبيل العلاج: إقامة درس لجماعة المسجد يبين الإمام فيه أهمية المتابعة، وأن الأعمال لاتقبل إذا خلت من هذا الشرط، ويكون ذلك مدخلاً لتعريف الناس بما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم { في عباداته، ومعاملاته؛ حتى يتقبل الناس ما لم يعتادوا عليه من السنة.
3- عدم مراعاة ظروف الناس ومشاعرهم:
بعض الأئمة قد لا يلتفت إلى ظروف الناس، ومشاعرهم، وهذا خلاف مقاصد الشريعة، وخلاف ماكان عليه محمد صلى الله عليه وسلم {.
ففي صحيح البخاري قال النبي عليه الصلاة والسلام {: "إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمة" (16).
ومثل ذلك الانتظار قليلاً في الركوع انتظاراً لايشق على بقية المصلين؛ حتى يدرك الداخل الركعة. قال ابن رجب في الفتح: "وقد استدل الخطابي وغيره بهذا الحديث - أي حديث بكاء الصبي - على جواز انتظار الإمام للداخل في الركوع قدراً لايشق على بقية المأمومين؛ لأنه مراعاة لحال أحد المأمومين"(17).
وكذلك فإن صلاة الخوف قد شرعت لمراعاة حال الناس، ومثلها الجمع في المطر، والإبراد بالظهر إذا كانت في وقت الحر الشديد.
وسبيل العلاج: العمل على مراعاة أحوال الناس بما لايخالف أمراً واجباً؛ فإن ذلك مما يدعو إلى تآلف القلوب، وهو كذلك مما يتفق مع المقاصد العظيمة للشريعة السمحة.
4- التكلف في أسلوب القراءة:
وهذا لايعني عدم التغني بالقرآن الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم {: "ليس منّا من لم يتغن بالقرآن" (18).
وإنما المراد التكلف في تطبيق أحكام التجويد بطريقة تخرج عن المقصود؛ فمثلاً قلب الفتحة ألفاً عند محاولة تحقيقها، أو الضمة واواً، أو الكسرة ياءً، وهكذا في المدود فربما مد بعض حروف المد مداً فاحشاً، وبالجملة فإن التكلف في القراءة يذهب الخشوع في الصلاة، وهذا هو أحد أسباب عدم الارتياح أو الخشوع خلف بعض الأئمة.
وسبيل العلاج: الدربة على القراءة الصحيحة، وهذا لايكون إلاّ بالتلقي على أحد القراء المتقنين، ومما يدل على أهمية التلقي وعدم الاكتفاء بقراءة بعض كتب التجويد، أو سماع أشرطة القرآن أن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه عليه الصلاة والسلام { أن يقرأ سورة البينة على أبي بن كعب قال أُبي: "وسمّاني - يعني الله - قال: نعم، فبكى أُبي" (19).
وكذلك فإن جبريل كان يدارس النبي صلى الله عليه وسلم { القرآن في كل سنة مرة، حتى كانت آخر سنة في حياته { دارسه القرآن مرتين، فمن يظن أنه في غنى عن ذلك فإنه مخطئ خطاءً عظيماً.
ولست مجازفاً إذا قلت: إن أي إمام لم يلتحق بحلق تعليم القرآن، أو لم يدرس ويتلقى على أحد المتقنين زمناً طويلاً فإنه لايمكن أن يقرأ القرآن على الوجه المطلوب.
وهناك فرق بين أن يكون صوت القارئ جميلاً، وبين أن يقرأ قراءة صحيحة، فكثير من أصحاب الأصوات الجميلة يخطئون في قراءتهم ولاحول ولاقوة إلا بالله.
5- التأخر عن الوقت المحدد للإقامة من غير سبب معقول:
وهذا أحد الأسباب التي تفضي إلى كثير من الإشكالات في بعض المساجد، وينبغي على الإمام أن يراعي ظروف الناس، فلربما كان هناك من جماعة المسجد من يكون على موعد مهم يلحقه ضرر كبير بالتأخر عنه، مثل: موعد سفر، أو حضور إلى عمل، أو مراجعة دائرة، أو جهة قد يتضرر كثيراً بالتأخر عنها.
وسبيل العلاج: الحرص على التهيؤ للحضور قبل موعد الإقامة، وقطع المشاغل التي قد تكون سبباً في التأخر، مثل: الرد على الهاتف، أو مجاراة من في المجلس ولو كان من تجالسه ضيفاً ونحو ذلك. وبهذا المناسبة فإن من السنة أن لايأتي الإمام إلا وقت الإقامة كما كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم { في ذلك، وهذا قد يجهله بعض العامة، وقد يرونه خطاءً أو مأخذاً على الإمام، وهذا ليس بصحيح فقد ثبت عنه { أنه قال: "إذا أُقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني" (20).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
13- رواه البخاري (703).
14- صحيح الجامع (1200).
15- رواه مسلم (172/4).
16- مختصر صحيح البخاري (393) وصحيح الجامع (2484).
17- فتح الباري لابن رجب (236/6).
18- رواه البخاري وأحمد وأبو داود كما في صحيح الجامع (5442).
19- رواه البخاري (4959).
20- رواه البخاري (637).
التعليقات