الاحتفالات في المسجد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه وأفضل رسله، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
إن المساجد لها مكانة عظيمة في قلوب المسلمين، لما لها من حرمة، ولأنها بقعة من أحب البقع إلى الله -عز وجل-، وهي دور العبادة التي يأتيها المسلم في اليوم خمس مرات، ليؤدي فيها ما أوجب الله عليه مع جماعة المسلمين.
فأي عمل يؤدي إلى امتهانها وانتهاك حرمتها فهو حرام ولا يجوز، ومن فعله لحقه الأثم، لأنه أهان بيت الله، وانتهك حرمة من حرماته.
وإن ما يفعل فيها من الاحتفالات البدعية التي هي من البدع المنكرة التي أحدثها الناس كالاحتفال بالمولد النبوي، أو ليلة الإسراء والمعراج، أو أول خميس من رجب، أو أول جمعة من رجب، أو ليلة النصف من شعبان فهذا كله من البدع المحدثة التي أحدثت في الدين وبتلي بها المسلمون نسأل الله أن يخلصهم منها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله-: (واتخاذ مواسم غير المواسم الشرعية لبعض ليالي شهر ربيع الأول، والتي يُقال لها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال -الذي تسمية الجهال: "عيد الأبرار"- من البدع التي لم يستحسنها السلف، ولم يفعلوها)(1).
وقال الإمام النووي -رحمه الله-: (من البدع المنكرة ما يفعل في كثير من البلدان؛ من إيقاد القناديل الكثيرة العظيمة السرف، في ليال معروفة من السنة، كليلة النصف من شعبان، فيحصل بسبب ذلك مفاسد كثيرة؛ منها: مضاهاة المجوس في الاعتناء بالنار والإكثار منها، ومنها إضاعة المال في غير وجهه، ومنها من يترتب على ذلك في كثير من المساجد من اجتماع الصبيان وأهل البطالة، ولعبهم، ورفع أصواتهم، وامتهانهم المساجد، وانتهاك حرمتها، وحصول أوساخ فيها، وغير ذلك من المفاسد التي يجب صيانة المسجد من أفرادها)(2).
ومن البدع الاحتفال بليلة القدر، وما يجري فيها من رقص المولوية وغيرهم من أرباب الطرق، ودورانهم، وزعيقهم.
قال: الشيخ علي محفوظ في "الإبداع" (صـ 183): (ومن البدع المكروهة رفع الصوت بالذكر في المسجد؛ كما يقع من أرباب الطرق الذين ينصبون حلقات الذكر المحرف).
وقال: (ومنها إقامة حلقات الذكر المحرف في المسجد أيام المولد، مع ارتفاع أصوات المنشدين، مع التصفيق الحاد من رئيس الذاكرين "بل الراقصين"، وقد يضربون على البازة أو السلامية أثناء الذكر وفي المسجد، وكل ذلك غير مشروع بإجماع العلماء، ولم يكن على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا عهد الخلفاء الراشدين، ومن بعدهم من الصحابة والتابعين، ولا عهد الأئمة الأربعة المجتهدين رضي الله عنهم أجمعين)(3).
فهذه الاحتفالات التي أحدثت من البدع المنكرة، فإذا اجتمع معها شيء من المنكرات صارت ظلمات بعضها فوق بعض، وبالتالي تتعاظم حرمتها، ويشتد أثمها، لأنها جمعت كثيراً المخالفات، فلا يجوز إقامتها لا في المساجد، ولا في غيرها.
نسأل الله أن يوفقنا لطاعته، ويجنبنا معاصيه، وأن يرد الأمة إليه رداً جميلاً، ونسأله سبحانه أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.
____________________________
1- الفتاوى الكبرى (4/414).
2 - المجموع شرع المهذب (2/193).
3 - الإبداع (253).
موقع إمام المسجد
التعليقات