تأصيل مصطلح الوسطية في الإسلام
مما يجب أن يعلم علم اليقين أن تأكيد مصطلحات الدعوة الإسلامية بالسند الشرعي يعطي لها ميزة وقوة عند الدعاة والأئمة، وهذه حقيقة ثابتة في كل أمورنا كمسلمين.
فالقرآن الكريم والسنة المطهرة مصدران أساسيان للدعوة الإسلامية، وسلامة منهج الداعي في دعوته تعتمد عليهما.
وقيام الداعية والإمام بإخضاع مصطلحات الدعوة لنصوص الكتاب والسنة يعطي لتلك المصطلحات صيغة القوة وبالتالي تباشر قلبه فلا تؤثر فيه الشبهات والأباطيل التي تحيط بالدعوة الإسلامية، لو وردت عليه الشبه بعدد أمواج البحر ما أزالت يقينه ، ولا قدحت فيه شكاً ، لأنه قد رسخ في العلم واليقين والثقة، فلا تستفزه الشبهات بل إذا وردت عليه ردها حرس الكتاب والسنة مغلولة مغلوبة[1] وهذا ينطبق تماما ًعلى الوسطية ، فكونها تنتمي إلى الإسلام بسند شرعي من نصوص الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح يعطي للإمام وثيقة شرعية للعمل بقوة وثقة، ويزيد من تزكية ذلك الأمر.
ومن هذا الباب قول الإمام القيم: " وكل علم لا يستند إلى دليل فدعوى لا دليل عليها، وحكم لا برهان عند قائله ، وما كان كذلك لم يكن علماً ". [2]
وقد وردت كلمة وسط في القرآن في عدة مواضع وذلك بتصاريفها المتعددة حيث وردت بلفظ وسطاً في قوله تعالى:{ َكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ } [3] ووردت بلفظ الوسطى في قوله تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [4]وردت بلفظ أوسط في قوله تعالى:{ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ}. [5].
وحيث وردت بلفظ فَوَسَطْنَ في قوله تعالى: {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا }[6]
ومن حلال الرجوع إلى كلام المفسرين حول معاني هذه الكلمات واستعمالاتها [7] وجدنا أنها لا تخزج في بيانها عما سبق وأن قررناه في المعنى اللغوي الاصطلاحي لكلمة الوسطية.
وكذلك وردت بعض الأحاديث التي فيها الدلالة على معاني الوسطية [8] ومن ذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدعى نوح يوم القيامة ، فيقول لبيك وسعديك ياربّ، فيقول: هل بلغت ؟ فيقول: نعم، فيُقال لأمته: هل بلَّغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير! فيقول: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيشهدون أنَّه قد بلَّغ ، ويكون الرسول عليكم شهيداً، فذلك قوله – جل ذكره- : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا }. والوسط : العدل" . رواه البخاري [9]
وكذلك في قوله - صلى الله عليه وسلم -: " إن في الجنة مائة درجة أعدَّها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدَّرجتين كما بين السّماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنّة، أو أعلى الجنة" [10]
وكذلك حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خط خطاً مربعاً، وخطّ وسط الخطّ المربّع، وخطوطاً إلى جانب الخطّ الذي وسط الخطّ المربّع، وخطَّا خارجاً من الخطّ المربع، فقال: "أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله أعلم، قال: هذا الإنسان الخطّ الأوسط، وهذه الخطوط إلى جانبه الأعراض تنهشه"[11].
*أستاذة الدعوة والاحتساب بجامعة الأمير نورة بنت عبد الرحمن.
[1] - انظر: مفتاح دار السعادة (1/140) للإمام ابن قيم الجوزية، إدارات البحث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد- الرياض.
[2] - مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (3/432) دار الكتاب العربي – بيروت ، ط. الثانية 1393هـ.
[3] - سورة البقرة : الآية/ 143.
[4] - سورة البقرة : الآية/ 238.
[5] - سورة القلم : الآية/ 28.
[6] - سورة العاديات : الآية/ 5.
[7] - انظر: الوسطية في ضوء القرآن الكريم، د. ناصر العمر(ص 19-32) دار الوطن- الرياض، ط. الأولى 1413هـ.
[8] - انظر: المرجع السابق ( ص 33-38 ) .
[9] - انظر: صحيح البخاري (5/151). سنن الترمذي (5/190) رقم (2961). سنن ابن ماجه (2/1432) رقم (4284)، ولم أجده في الصغرى من سنن النسائي، فلعله في الكبرى منه.
[10] - أخرجه البخاري (3/202) والترمذي (4/582) رقم (2530).
[11] - أخرجه البخاري (7/171). وابن ماجه (2/1414) رقم 4231). وأحمد (1/385).
التعليقات