أمور محظورة أثناء خطبة الجمعة
ما هي الأمور التي لا يجوز الإتيان بها أثناء خطبة الجمعة؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
لا شك أن لخطبة الجمعة أهمية عظيمة، يقول الله سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون}سورة الجمعة الآية 9.
قال الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى:[{ذِكْرِ اللَّهِ}أي الصلاة، وقيل الخطبة والمواعظ، قاله سعيد بن جبير-قال- ابن العربي:والصحيح أنه واجب في الجميع، وأوله الخطبة.وبه قال علماؤنا إلا عبد الملك بن الماجشون، فإنه رآها سنة. والدليل على وجوبها أنها تحرم البيع ولولا وجوبها ما حرمته، لأن المستحب لا يحرم المباح. وإذا قلنا: إن المراد بالذكر الصلاة فالخطبة من الصلاة. والعبد يكون ذاكراً لله بفعله كما يكون مسبحاً لله بفعله] تفسير القرطبي 18/107. ومما يدل على أهمية خطبة الجمعة أن جمهور الفقهاء يرون أنها شرطٌ لصحة صلاة الجمعة، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي:[ الخطبة شرطٌ في الجمعة لا تصح بدونها كذلك قال عطاء والنخعي وقتادة والثوري والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه مخالفاًًًً إلا الحسن قال: تجزئهم جميعهم، خطب الإمام أو لم يخطب، لأنها صلاة عيد، فلم تشترط لها الخطبة كصلاة الأضحى، ولنا قول الله تعالى:{فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} والذكر هو الخطبة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك الخطبة للجمعة في حالٍ، وقد قال:(صلوا كما رأيتمونى أصلي)، وعن عمر رضي الله عنه أنه قال:قصرت الصلاة لأجل الخطبة، وقول عائشة نحو من هذا] المغني2/224، وانظر المجموع 4/514، بدائع الصنائع 1/589.
ومما يشعر بأهمية خطبة الجمعة أن الملائكة تشهدها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:(من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرَّبَ بدنة- أي ناقة -ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرَّبَ بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرَّبَ كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرَّبَ دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرَّبَ بيضةً،فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر) رواه البخاري ومسلم. إذا تقرر هذا فإن الواجب على المصلين أن يستمعوا لخطبة الجمعة وأن يمتنعوا عن أي أمرٍ يؤدي إلى انشغالهم عنها، والواجب عليهم أن يسكنوا ويهدأوا، ليستفيدوا من الخطبة وينتفعوا بها.
وأذكر هنا بعض الأمور التي لا يجوز للمصلين الإتيان بها أثناء الخطبة:أولها وأهمها:الكلام، فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:(إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت)رواه البخاري ومسلم، وجمهور الفقهاء قالوا بحرمة الكلام أثناء خطبتي الجمعة، قال الحافظ ابن عبد البر:[لا خلاف بين فقهاء الأمصار في وجوب الإنصات للخطبة على من سمعها] الاستذكار5/43.
ومعنى (لغوت)الواردة في الحديث جئت بأمرٍ باطلٍ،وقال بعض العلماء:[لغوت أي بطلت فضيلة جمعتك.وقيل:خبت من الأجر.وقيل:صارت جمعتك ظهراً وقيل غير ذلك] عمدة القاري 6/239.
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي:[ وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الأمر بالإنصات في حال الخطبة لغواً، وإن كان أمراً بمعروفٍ ونهياً عن منكرٍ،فدلَّ على أن كل كلام يشغل عن الاستماع والإنصات فهو في حكم اللغو] فتح الباري 6/228.
وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال:(دخلت المسجد يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فجلست قريباً من أبي بن كعب،فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة "براءة" فقلت لأبي:متى نزلت هذه السورة؟ قال:فتجهمني ولم يكلمني،فلما صلَّى النبي صلى الله عليه وسلم،قلت لأبيّ:سألتك فتجهمتني ولم تكلمني؟ قال أبيّ:مالك من صلاتك إلا ما لغوت!فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت:يا نبي الله كنت بجنب أبي وأنت تقرأ براءة فسألته متى نزلت هذه السورة،فتجهمني ولم يكلمني ثم قال:مالك من صلاتك إلا ما لغوت.قال النبي صلى الله عليه وسلم:صدق أبيّ) رواه ابن خزيمة وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب 1/176. ومعنى تجهمني قطَّب جبينه وعبس ونظر إليَّ مغضباً.
ثانياً: العبث بأي شيءٍ، فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من مسَّ الحصا فقد لغا) رواه مسلم، قال الإمام النووي:[فيه النهى عن مس الحصا وغيره من أنواع العبث في حالة الخطبة، وفيه إشارةٌ إلى إقبال القلب والجوارح على الخطبة] شرح صحيح مسلم 6/147وقال العدوي المالكي:[ والحاصل أنه يحرم كل ما ينافي وجوب الإنصات ولو على غير السامع من أكلٍ وشربٍ وتحريكِ شيءٍ يحصل منه تصويتٌ كورقٍ أو ثوبٍ أو فتح بابٍ أو سبحة أو مطالعة في كراس] حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني 3/165. ثالثاً: طرحُ السلام وردُّه وتشميت العاطس والتسبيح بالمسبحة وقراءة القرآن وقراءة أي كتاب أو صحيفة أو مجلة، كلُ ذلك لا يأتي به المستمع لخطبة الجمعة، لأنه يتنافى مع الإنصات وهو واجب للخطبة لما سبق في الحديث:(إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت ) رواه البخاري ومسلم.
ورد في فتاوى اللجنة الدائمة:[لا يجوز تشميت العاطس ولا ردُّ السلام والإمام يخطب على الصحيح من أقوال العلماء، لأن كلاًّ منهما كلام وهو ممنوعٌ والإمام يخطب لعموم الحديث] فتاوى اللجنة 8/242.
وقال ابن عابدين:[كل ما حرم في الصلاة حرم في الخطبة؛ فيحرم أكلٌ وشربٌ وكلامٌ ولو تسبيحاً أو ردَّ سلام أو أمراً بمعروف]حاشية ابن عابدين 4/196.
رابعاً: النوم أثناء خطبة الجمعة، وهذا أمر مؤسف أن ينام المصلون أثناء خطبة الجمعة، فالنوم حينئذٍ يتنافى مع المقصود من الاستماع لها، كما أنه قد يبطل وضوء النائم.ويشرع إيقاظ النائم بالفعل لا بالقول.
قال الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز جواباً على سؤال حول إيقاظ النائم:[بعض الناس ينامون أثناء خطبة الجمعة فهل لو أيقظناهم نكون ممن لغا فلا جمعة له؟ فأجاب بقوله: يستحب إيقاظهم بالفعل لا بالكلام، لأن الكلام في وقت الخطبة لا يجوز؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت) متفق على صحته، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم لاغياً مع أنه آمرٌ بالمعروف،فدل ذلك على وجوب الإنصات وتحريم الكلام حال الخطبة].
ومما يدل على أنه لا بأس بالتنبيه بالفعل عند الحاجة إليه ما رواه مالك في الموطأ عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:رأى رجلين يتحدثان والإمام يخطب يوم الجمعة فحصبهما،رماهما بالحصباء أن اصمتا]الموطأ 1/300.
قال الحافظ ابن عبد البر:[ ففيه تعليم كيف الإنكار لذلك؟ لأنه لا يجوز أن ينكر عليهما الكلامَ بالكلام في وقتٍ لا يجوز فيه الكلام] الاستذكار5/63.
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي:[ وإذا سمع الإنسانُ متكلماً لم ينهه بالكلام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب فقد لغوت) ولكن يشير إليه، نص عليه أحمد، فيضع أصبعه على فيه، وممن رأى أن يشير ولا يتكلم زيد بن صوحان وعبد الرحمن بن أبي ليلى والثوري والأوزاعي وابن المنذر وكره الإشارة طاووس،ولنا:أن الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم متى الساعة؟ أومأ الناس إليه بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسكوت،ولأن الإشارة تجوز في الصلاة التي يبطلها الكلام ففي الخطبة أولى]المغني 2/165.
خامساً: الأكل والشرب، قال ابن الهمام الحنفي:[يحرم في الخطبة الكلام وإن كان أمراً بمعروفٍ أو تسبيحاً والأكل والشرب والكتابة ويكره تشميت العاطس وردُّ السلام] فتح القدير 3/239.
وقال الإمام النووي:[ يستحب للقوم أن يقبلوا على الخطيب مستمعين ولا يشتغلوا بغيره حتى قال أصحابنا يكره لهم شربُ الماء للتلذذ، ولا بأس بشربه للعطش للقوم والخطيب، هذا مذهبنا، قال ابن المنذر رخص في الشرب طاووس ومجاهد والشافعي ونهي عنه مالك والأوزاعي وأحمد، وقال الأوزاعي تبطل الجمعة إذا شرب والإمام يخطب، واختار ابن المنذر الجواز قال ولا أعلم حجةً لمن منعه] المجموع 4/529.
وقال ابن مفلح الحنبلي:[يكره العبث والشرب حال الخطبة إن سمعها وإلا جاز، نص عليه، قيل لا بأس بالشراب إذا اشتد عطشه] المبدع شرح المقنع 2/395.
سادساً: تخطي الرقاب، فقد ورد في الحديث عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال:(جاء رجلٌ يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اجلس فقد آذيت) رواه أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب 1/175. وفي رواية أحمد(آذيت وآنيت) أي أبطأت وتأخرت.
وقال الشوكاني:[ وقد اختلف أهل العلم في حكم التخطي يوم الجمعة،فقال الترمذي حاكياً عن أهل العلم إنهم كرهوا تخطي الرقاب يوم الجمعة وشددوا في ذلك.وحكى أبو حامد في تعليقه عن الشافعي التصريح بالتحريم.وقال النووي في زوائد الروضة:إن المختار تحريمه للأحاديث الصحيحة.واقتصر أصحاب أحمد على الكراهة فقط] نيل الأوطار 5/345. سابعاً:الجهر بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم،بل يأتي بها سراً، قال الكاساني الحنفي:[ قال أبو حنيفة:إن سماع الخطبة أفضل من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم،فينبغي أن يستمع ولا يصلي عليه عند سماع اسمه في الخطبة، لما أن إحراز فضيلة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مما يمكن في كل وقت، وإحراز ثواب سماع الخطبة يختص بهذه الحالة فكان السماع أفضل.وروي عن أبي يوسف أنه ينبغي أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه عند سماع اسمه، لأن ذلك مما لا يشغله عن سماع الخطبة فكان إحراز الفضيلتين أحق] بدائع الصنائع 3/38.
وخلاصة الأمر:
أن خطبة الجمعة شرطٌ لصحة صلاة الجمعة، وهي شعيرة من شعائر الله عز وجل فينبغي تعظيمها، وينبغي أن يتوجه لها المصلون بعقولهم وجوارحهم، لا يشغلهم عنها شاغل، من أكلٍ أو شربٍ أو لهوٍ أو قراءةٍ أو عبثٍ بأي شيءٍ كان، ولا ينبغي لأحدٍ أن ينام أو يتكلم أثناءها، لعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم:(إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت)، ومن لغا فجمعته منقوصة الثواب، لا باطلة، للإجماع على إسقاط الفريضة عنه.
والله أعلم.
______________
نشرت على موقع الشيخ يوم الجمعة 08 يوليو 2011
التعليقات