الإمام وتفعيل دور المسجد في الأنشطة الخيرية
وهدان : "المسجد إماما" .. وعليه ألا يغفل دوره المجتمعي ونشاطه الخيري
مرزوق : ما يمر به العمل الخيري من تضييق الخناق عليه يحفز الأئمة على إحياء دور المسجد
عزالدين : العمل الخيري بالمساجد يجب أن ينطلق بكافة توجهاته من قاعدة "التكافل الاجتماعي" كواجب شرعي
المسجد في الإسلام هو حياة كل مسلم، فقد قال الله في كتابه العزيز.. (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (التوبة: الآية 18).
وفي هذا الزمان تناقص دور المسجد، وأصبح دوره مقصورًا على أداء الصلوات فقط دون أن يكون له أي دور في حياة المسلم، وبهذا عاد الإسلام غريبًا كما أخبرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، وغاب دور المسجد المجتمعي والخيري بتركيز الأئمة على أداء واجبهم الدعوي فقط دون غيره من باقي الواجبات.
وإمام المسجد هو عماده وأساس بنيانه، ودوره مهم من أجل استعادة المسجد مكانته الطبيعية ودوره الريادي في رسالة الإسلام، وحاليا ظن قليل العلم أنه عالم، وأصبحت الإمامة رخيصة وتجرأ الجهلاء على الإمامة، واهتز عرش الإسلام بأفعال هؤلاء، لذلك كان لابد من وقفه، وكان لابد من طريق واضح بين لا لبس فيه ولا غموض من أجل استعاده الدعوة طبيعتها ورسالتها على أيدي الإمام.
موقع (دليل المسجد) التقى عدداً من الدعاة والمتخصصين لاستطلاع رأيهم في هذه القضية الهامة.
خطبة الجمعة:
في البداية يقول الدكتور محمد وهدان، الأستاذ بجامعة الأزهر، إن كل المساجد منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مرورًا بالخلافة الراشدة إلى الدولة الأموية والعباسية والأيوبية إلى عهدنا هذا تنظر إلى علاقة الإمام بالمسجد على النحو الآتي "المسجد إمامًا" لأن الإمام هو واجهة المسجد، لذلك على الإمام أن يعرف لهذا التكليف حقًا فيجب أن يكون حافظًا لكتاب الله، دارسًا لعلوم الحديث والفقه والعقيدة، كما يجب أن يعرف أن يتعامل مع المصلين داخل المسجد، وعليه أن يتقن كيف يسوق أفكاره لكي ينجح في الرسالة الإعلامية، كما أن عليه ألا يغفل دوره المجتمعي ونشاطه الخيري وكيفية تطويره وتفعيله بما يخدم أهالي الحي أو المنطقة التي يقع بها المسجد.
ويضيف "وهدان"، لكي تبدأ تفعيل دور المسجد بالطريقة الصحيحة عليك كإمام بتفعيل خطبة الجمعة، في أهمية مساعدة الفقير، والعطف على المحتاج، ويجب أن يدرك الإمام هذا الكنز العظيم ويدرك كيف يستغله لأن خطبة الجمعة اليوم غير مستغلة، فعليه أن يستغلها في الدعاية لأفكار تخدم الإسلام وليس الدعاية لأفكاره، ويقول الله تعالى: ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) (سورة الجن: الآية 18)
كما أن الإمام عليه أن يدرك أن دوره ليس محصورا في الدعوة والعمل داخل المسجد فقط، فعليه دورا مجتمعيا يجب ألا يغفله، كما أن على المسجد دور خيري يجب أن يسهم الإمام في إحياؤه وتفعيله عبر الدعم المالي المتواصل للمحتاجين من الأسر الفقيرة القاطنة بالحي ، ولدعم المشاريع الخيرية أو لقضايا المسلمين في الخارج ، وكان من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - الدعوة إلى الدعم المالي للكيان المسلم في المسجد ، كما في دعوته للإنفاق في غزوة تبوك ، ودعوته للتبرع حين جاءه قوم حفاة عراة ، وكان إذا جاءه مال الغنيمة ، نثره في المسجد يقسمه بين الناس.
وقد قال السلف إن المسجد يجوز أن يوضع فيه أموال الفيء، وخُمْس الغنيمة ، وأموال الصدقة، ونحوها من أموال الله التي تقسم بين مستحقيها، وكان الصحابة - رضي الله عنهم - يأخذون صدقاتهم إلى المسجد لعلهم يجدون من يأخذها منهم من فقراء المسلمين كما في قصة يزيد بن الأخنس - رضي الله عنه - حين أخذ صدقته إلى المسجد ليتصدق بها ، والتي تدل على مكانة المسجد ، ودوره في تدعيم الجانب الاقتصادي للمسلمين ، وأن الصدقات والتبرعات وما شابهها كانت تنطلق منه.
قدسية المسجد ورسالة الإسلام:
ويؤكد وهدان أن المسجد "مقدس" وله رسالة عظيمة، ولكن الإمامة الآن في خطر لأن بعض الأئمة لا يعرفون لله حق، ولا يؤدون للإسلام رسالة _ بقصد أو بدون قصد _ وذلك إما بسبب جهل بعض الأئمة ؛ لأننا أصبحنا في زمان يظن قليل العلم فيه أنه عالم، وإما بسبب أن يكون الأئمة قد اكتفوا بما تعلمه منذ أن تولوا الإمامة، وذلك هم الذين يفخخون الدعوة، لأن الإسلام دين التجديد وليس دين التقليد، وأعظم العيوب التي أصبحت تهاجم المساجد أن يكون الإمام غير قدوة في مسجده.
ويوضح الشيخ دور الإمام قائلًا: "على الإمام أن يكون إمامًا للناس، إذا حزنوا لا يحزن، بل يقول لهم {إن بعد العسر يسرًا}، وإذا تفرقوا لا يضل معهم، بل يجمعهم بـ {واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا}، فالإمام يجمع ولا يفرق، وإذا انكسروا لا ينكسر معهم بل يقويهم بـ{إن نصر الله قريب}.
تبليغ الرسالة:
وفي السياق ذاته يقول الشيخ زكريا مرزوق، إمام المسجد الأزهر السابق، إن القرآن تحدث عن الأئمة فقال: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ) (سورة الأحزاب: الآية 39).
فدور الإمام هو تبليغ رسالة الله إلى ربوع الأرض شرقًا وغربًا، فالإمام يعتبر حجة الأساس بالنسبة للمسجد الذي هو النواة الأولى في تبليغ الدعوة، لذلك على الإمام أن يضبط سلوكياته، لأنه هو عنوان المسجد وصورة الإسلام، لذلك عليه أن يقتدي بأكمل الناس .
وأضاف مرزوق أنه جاء في وصف سبعين من خيار الصحابة أنهم كانوا يشترون طعاماً لأهل الصُّفَّة القاطنين بالمسجد ، وكان بعضهم لا يدخل المسجد قط، إلا وفي كُمِّه صدقة : إما أموال، وإما خبز، وإما قمح يتصدق به.
واعتبر إمام المسجد الأزهر السابق، أن ما يمر به العمل الخيري من تضييق الخناق عليه، سواء في بعض الدول العربية بسبب الأزمة في سوريا، أو الحملة المستعرة ضد العمل الخيري بالدول الأوربية ، محفز للأئمة لإحياء دور المسجد في هذا الجانب ، وتفعيل ذلك الدور ولو على المستوى الفردي ، فإن اعتنى كل مسجد بهذا الجانب ، وقام بأداء رسالته كما كانت في العهد الأول ، مع شيء من التنظيم والترتيب الذي يتطلبه مثل هذا العمل ، من حيث التوزيع الدقيق للمستحقين ، وصرف الصدقات في أبواب البر التي يحتاجها المجتمع، لانتفع كثير من المحتاجين، وسُدّت أفواه ، وأُشبعت بطون.
ويضيف إمام الجامع الأزهر السابق، أن أول خطوة لتفعيل دور المسجد هو إعادة الإمام ليمارس دوره الطبيعي، فمشكلات المجتمع يثيرها الإمام في خطبة الجمعة ، ولا يكتفي فقط بإثارة القضية بل يضع معها العلاج وبذلك تكتمل رسالة الإسلام، ويؤدي الإمام وظيفته.
ويوضح الشيخ "مرزوق"، دور الإمام في تعزيز الوسطية، مؤكدًا أن الإمام ممثل الوسطية والاعتدال، يقول الله تعالى: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (سورة البقرة:143).
أمة وسطاً:
فالأمة الإسلامية هي أمة الوسط، بعيدًا عن الغلو أو التفريط، والوسطية تتجلي في كل جوانب الإسلام، فالإسلام وسط في الاعتقاد والتصور، وسط في التعبد والتنسك، وسط في الأخلاق والآداب،وسط في التشريع والنظام، وهذه هي عظمة الإسلام.
ويشير الإمام السابق للجامع الأزهر إلى أن الوسطية تحتاج إلى قواعد فلا يجب أن تكون على حساب الإسلام، لأنها لو كانت على حساب الإسلام لضاع الدين على يد أتباعه، ومن هنا يجب على الإمام أن يبتعد عن التفريط في الدين، لأنه مسئول عن شريعة الله المنزلة فهو مؤتمن عليها، وعلى جانب آخر يجب البعد عن التشتت والتطرف الذين نهانا عنهما الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد أقر المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث شريف بقوله "هلك المتنطعون" ثلاثًا، وعندما سئل من المتنطعين قال "المتشدد في غير موضعه.
تشويه إعلامي:
وحذر الشيخ مرزوق من صنف الأئمة الذي استغل وقوفه على المنابر لتحقيق مصالح شخصية له أو لفئة معينة ينتمي إليها وتناسى أن المساجد خصصت للدعوة إلى الله فقط ولعبادته وليس المسجد "مايكروفون" أو "شركة دعاية لأفكاره".
وشدد على ضرورة استرجاع دور الأزهر الشريف باعتباره منارة للوسطية ومنبع للتنوع الفكري الذي يصب في صالح الدعوة لأن الأزهر يمثل إشعاعًا للإسلام على ظهر الكرة الأرضية.
وندد الإمام السابق للجامع الأزهر بالتشويه الإعلامي الذي يستهدف العمامة والجلباب، مشددًا على ضرورة اعتراض الأزهر والشيوخ والأئمة على تلك الصورة غير المقبولة.
المسجد والدور الخيري:
أما الشيخ محمد عزالدين، وكيل وزارة الأوقاف لشئون الدعوة، فرأى أن المسجد هو أصل وأساس حركة حياة المسلم، وعندما هاجر المصطفي صلوات الله عليه للمدينة المنورة واستقر له المقام فيها اتجه لإقامة أول مجتمع إسلامي من خلال بناء أول مسجد ، ومن خلاله انتشر الدور الخيري للمسجد سواء في العطف على المساكين، أو إيواء المحتاجين.
وأكد عزالدين أن المجتمع لا يمكن له أن يتماسك وتترسخ جذوره إلا بانضباط الأخلاق الإسلامية والتي لا تنضج إلا في المسجد وفي جو من الود التراحم والتآلف فضلا عن أن المجتمع الإسلامي لا يمكن له تحقيق التكامل في بنائه إلا في وجود مبدأ العدل والمساواة، وهو دور مهم من أدوار المسجد وأنشطته ، لافتا إلى أن الدور الخيري للمسجد هام جداً ، حيث يصلي القوي بجانب الضعيف، الغني بجانب الفقير، وهذا من أروع صور العدل.
التكافل الاجتماعي:
واعتبر الشيخ عزالدين، أن العمل الخيري بالمساجد يجب أن ينطلق بكافة توجهاته من قاعدة "التكافل الاجتماعي" بين المسلمين كواجب شرعي، وعلى المسجد أن يعتمد الأنشطة المادية كالزكاة وغيرها لكفالة قطاعات من المسلمين المحتاجين ممن لا يصل إليهم دعم الدولة.
وأضاف وكيل وزارة الأوقاف لشئون الدعوة، إلى دور الإمام الدعوي دورا آخر متمثل في الإشراف على كافة المناشط الخيرية بالمسجد سواء ينفسه أو يإنابة من يثق فيه ، كأن يعتمد برامج لرعاية وكفالة الأيتام ورعاية المرضى ومساعدات الفقراء والإغاثة في الكوارث الإنسانية وغيرها.
كما أن على المسجد أن يساهم في المشروعات التنموية التي يعود ريعها لصالح الأيتام والمحتاجين، وما يترتب عليه من خلق فرص عمل للشباب، مما يسهم في التقليل من نسب البطالة، ويمكنه تمويل هذه الأنشطة من التبرعات التي يقدمها القادرين مادياً، مع تحديد أوجه إنفاقها بالطرق الصحيحة شرعاً.
التعليقات