الدور الاجتماعي لإمام المسجد في رمضان
عبد العزيز الشامي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ففي رمضان تصفو النفوس، وتطهر القلوب، وتمتلئ بالإيمان، وتقوى إرادة العبد بمراقبة الله تعالى، وصيام النهار، وقيام الليل، وكما يساعد شهر رمضان على تغيير الذات، كذلك يُعد أفضل مناسبة للتغيير الاجتماعي، ففي أجواء شهر الله الإيمانية يتغير كل شيء، وتكون النفوس قابلة للتغير والتغيير والتصالح مع الآخرين.
ومن الملاحظ أن المجتمع يُصاب بأمراض اجتماعية، ومشاكل أسرية، وأزمات تؤثر على أفراده إيمانيًّا وسلوكيًّا، فهذا عقّ والديه، وهذا هجر أسرته، وآخر قطع أرحامه، وهذا أساء عشرة أهله وآذى زوجته وأولاده، وغيره نال من جيرانه ونالوا منه.. إلخ.. وفي وسط هذه الأجواء المحتقنة كيف يعبد العبد ربه، ويتلذذ بالصيام ويفرح بالقيام؟!.
إن أجواء شهر رمضان المبارك تساعد كثيرًا في حل كثير من العقبات والمشاكل، ومعالجة العديد من الأمراض الاجتماعية المزمنة وغير المزمنة.
مرض التقاطع والتهاجر
لا شك أننا نعيش عصر التفكك والتقاطع، فقد أصبح كثير من الناس في هذا الزمان يشعرون بكثرة الأعمال والأشغال، وأمسى كل واحد مشغول بحاله وعائلته، ودائماً ما نسمع كلمة (أنا مشغول) للتبرير عن غيابه الاجتماعي أو قيامه بأي دور أو مسؤولية اجتماعية عامة.
لقد أصبح مرض القطيعة والعزلة عن الناس من الأمراض الاجتماعية الآخذة بالانتشار، وهذا ما ينبغي الانتباه إليه، فهذا المرض إن استفحل سيؤدي إلى أضرار كبيرة في بنية المجتمع وقوته.
وفي تعاليم الإسلام وتوصياته التأكيد المستمر على التواصل والتزاور والتعارف بين الناس يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا } (الحجرات: 12)، والتعارف لا يتم إلا من خلال التواصل والتداخل، ومعايشة هموم الآخرين وأفراحهم.
مَن للمرضى؟!
الداعية والطبيب كلاهما يشتركان في أن عملهما على المرضى؛ حتى لا يفقد المريض الأمل في الحياة, فإذا اعتزل الطبيب وترك عمله، فمن الذي يتولى علاج المرضى والقيام على شئونهم؟!!
فلو ترك الإمام دوره في النصح والإرشاد لضاع الكثير، ولوقعوا في براثن الجريمة والفاحشة, فالشيخ يقوم بمهمة حائط الصد بين الناس وبين وسائل الحرام.
إن الإمام الذي يعمل ويؤدي العمل على أنه موظف فقط فهو خاسر، وإن الإمام الذي يتفاعل مع جمهوره يحمله الناس فوق الأعناق؛ لأنه واحد منهم؛ يشعر بمشاعرهم ويعيش واقعهم، ويشاركهم السراء والضراء على حد سواء، وعندها لا يتحسر الإمام على وظيفة أخرى كان يتمنى أن يكون فيها ليحصل على المال والثراء والمنزلة بين الناس, ولكنه يوقن أن إمامة المسجد هي أغلى عنده من الدنيا وما فيها, بهذا الشعور الاجتماعي والإحساس بالمجتمع ومشاركة الآخرين همومهم ومشكلاتهم يكون الداعية قد وضع رجله على الصراط السوي المستقيم.
وإذا كان يجب على المؤمنين الالتفات إلى صلة أرحامهم، وتجاوز ما قد يحدث أحياناً من سوء فهم يؤدي إلى القطيعة والتدابر، فشهر رمضان المبارك فرصة رائعة لصلة الأرحام، وتقوية الأواصر العائلية، وحل الخلافات بالتواصل والتزاور والانفتاح، والمبادرات الأسرية والعائلية، ومبادرة إمام المسجد مطلوبة خصوصاً في شهر رمضان، ولو بأقل ما يمكن، فمجرد مشاركة الإمام محطة مهمة لتحقيق الوئام المجتمعي.
قيام المسجد بدوره الاجتماعي
في المسجد يحدث التعارف بين المسلمين، وينمو التآلف والتواد, وفي المسجد تصقل الشخصية المسلمة ويزول عنها ما يحتمل أن يكون قد علق بها من عيوب اجتماعية، كالانعزالية والتواكلية والأنانية؛ حيث يهيئ المسجد لرواده مجال الانطلاق في المجتمع والتعرف على الناس، والتآخي معهم ومناصرتهم ماداموا على الحق.
ويتزود المسلم من ارتباطه بالمسجد بمبادئ مهمة في الحياة الاجتماعية، ومتطلبات التعامل مع الآخرين، وإعطاء كل ذي حق حقه، وعلى إمام المسجد مسئولية اجتماعية كبيرة، فإليه يرجعون في شئونهم؛ إذ الإمامة قدوة دينية وخُلقية واجتماعية قبل أن تكون صلاة في المحراب أو خطبة على المنبر، ولذلك كان التعامل الاجتماعي – بما هو سلوك خلقي رفيع – هو أساس نجاح الإمام أو عدمه، ومن هنا كان من دعاء عباد الرحمن: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74].
فإمامة المتقين قائمة أساساً على نيل صاحبها درجة عالية جداً من الصفة نفسها؛ حتى يكون أهلاً للائتمام به فيها. وكفى بذلك امتحاناً وابتلاء.
وحتى يقوم الإمام بالمهمة الاجتماعية المأمولة منه ينبغي له أن يقوم بما يلي:
العمل على تقوية الروابط الاجتماعية بين المصلين، من خلال تفقد أحوالهم، وعيادة مرضاهم، ومساعدة محتاجهم، والتخفيف عن معاناتهم، ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم.
إصلاح ذات البين وحل الخلافات بين المتخاصمين من الأزواج وذوي الأرحام، والمتنافرين من الجيران، ويمكن أن يتم ذلك عن طريق تشكيل لجنة من أهل الفضل والصلاح من أهل الحي؛ للسعي في إصلاح ذات البين.
التماس الحل لمشكلة تقع بين اثنين من جماعة المسجد، والصلح بينهما، وقطع أسباب الخصومة والخلاف.
تلمس أحوال الفقراء والمساكين المحتاجين إلى دعم ومساعدة، وجمع المال الذي يعينهم على الخروج من المأزق الذي يقعون فيه.
حث المصلين على فعل الخير، ومساعدة المحتاجين، وكفالة الأيتام ومعالجة المرضى، والتعاون في ذلك مع الجمعيات الخيرية والجهات المعنية.
توجيه المصلين إلى الزيادة في أعمال البر والإحسان إلى الفقراء في المناسبات المختلفة كشهر رمضان والأعياد، ودخول المدارس، لتخفيف العبء عن أولئك الفقراء في تلك المواسم المباركة.
العمل مع أصحاب الوجاهات من رجالات الحي على حل مشكلات جيرانهم، وتوفير الفرص التعليمية والوظيفية لشبابهم حتى يتجنب الجميع مشاكل البطالة والفراغ المفسدة لأبناء المجتمع.
العمل على تنمية أفراد المجتمع من خلال التركيز على العمل، وتشجيع الإيجابية بالحض على الاعتماد على النفس والبعد عن التواكل.
بث روح الحوار بين أفراد المجتمع، والحث على تقبل أفراده لوجهات النظر المختلفة فيما بينهم، فالاختلاف بين أبناء الحي الواحد والمجتمع الواحد يجب ألا يفسد للود قضية. [القيام بأداء رسالة المسجد الاجتماعية، للدكتور علي بن عمر بادحدح، بتصرف يسير].
يتضح مما سبق أن المسجد يعتبر قلب المجتمع المسلم، وشريان حياته الاجتماعية؛ ولذا يجب علينا أن نتفطن لدوره المنشود، ونسعى جاهدين بكل ما أوتينا من قوة أن نعيد للمسجد رسالته السامية، ومكانته التي كان عليها في صدر الإسلام، ليعيش المسجد في عصورنا الدور الذي عاشه في عصور الرعيل الأول، فأهمية المسجد لا تقتصر على كونه مكاناً لأداء الصلوات، بل هو أهم مكان للمجتمع الإسلامي.
التعليقات