دخول الصبيان المساجد
• تعريف الصبي:
يقول الشيخ : عبدالله الفوزان:
الصبيان: جمع صبي، وهو في اللغة: من حين يولد إلى أن يفطم، أما الفقهاء فيقولون: الصبي من دون البلوغ()، وهذا هو المراد بموضوعنا هنا، ويؤيد ذلك الحديث الآتي: "مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين" فسماه صبياً وقد جاوز السابعة. فإن كان مميزاً وهو من بلغ سبع سنين، فإن وليه يحضره إلى المسجد؛ لأنه مأمور بتكليفه بالصلاة إذا بلغ هذه السن. لما ورد عن سبرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله e: "مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين. وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها"(). ( أحكام حضور المساجد)
• دخول الصبيان غير المميزين المسجد:
يقول الدكتور : عبدالمجيد البيانوني:
" ويكره إدخال الصبيان الذين لا يميّزون المساجد وكذلك البهائم والمجانين ، لحديث واثلة بن الأسقع t قال : سمعت رسول الله e يقول : ( جنّبوا المساجد صبيانكم ، ومجانينكم ، وشراءكم وبيعكم ، وخصوماتكم ورفع أصواتكم ، وإقامة حدودكم ، وسلّ سيوفكم ، واتّخذوا على أبوابها المطاهر ، وجمّروها في الجمع ) () ، ولأنه لا يؤمن تلويثهم إياه ، وهو يتنافى مع تعظيم حرمات الله ، ولا بأس بتعليم الصبيان في المساجد ، وينبغي أن يؤدّبوا بآدابه ويعوّدوا صيانته ومراعاة حرماته" () . ( تذ كرة العابد بحقوق المساجد)
ويقول الشيخ ابن عثيمين حول الأخطاء المتعلقة بآداب المساجد أن من الأخطاء:
" تهاون بعض الآباء في إحضار الأطفال غير المميزين إلى المسجد، مع عدم تفهيمهم لحرمة المكان؛ مما يؤدي إلى حصول التشويش على المصلين؛ بسبب ركضهم وصياحهم. فالصواب أنه لابد من تعليمهم حرمة المسجد، ولزوم الهدوء فيه؛ وإلا فلا يشرع إحضارهم . (مجموع فتاوى ابن عثيمين ج13/18 ) " (تنبيه الساجد إلى أخطاء روَّاد المساجد)
ويقول الشيخ / عبدالله الجارلله :
" وكرِهوا إِدخالَ الصَّبيان المساجدَ إِذا كانوا يَعبثون ويلعبون " (رسالة إلى أئمة المساجد والمؤذنين والمأمومين)
ويرى الشيخ عبدالله الفوزان جواز إدخال الصبي المسجد سواء كان مميزا أو غير مميز:
" وأما إذا كان الصبي غير مميز، فقد ورد في نصوص الشريعة ما يدل على جواز دخوله المسجد، وهي نصوص صحيحة صريحة، رواها عدد من الصحابة – رضي الله عنهم – بألفاظ متعددة. . .
ومن ذلك ما روى أبو قتادة الأنصاري – رضي الله عنه – أن رسول الله e كان يصلي وهو حامل أمامه بنت زينب بنت رسول الله e، ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس، فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها.
وفي لفظ: (رأيت النبي يؤم الناس، وأمامه بنت أبي العاص . . .على عاتقه . . )().
فهذا الحديث دل على مسألتين:
الأولى: جواز إحضار الصبي إلى المسجد وإن كان صغيراً، لما ورد في بعض الروايات: (بينما نحن في المسجد جلوساً خرج علينا رسول الله e يحمل أمامه . . . وهي صبية . . )()؛ وجواز حمله في الصلاة ولو كانت فريضة لقوله: (رأيت رسول الله e يؤم الناس . . ) الحديث.
الثانية: أن ثياب الأطفال وأبدانهم طاهرة ما لم تعلم نجاستها()، وعليه فلا يجوز منعهم من المساجد لمجرد احتمال تنجيسهم لها.
ومن الأدلة – أيضاً – ما ورد عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: أعتم رسول الله e في العشاء حتى ناداه عمر: قد نام النساء والصبيان . . الحديث(). فدل هذا الحديث على مسألتين:
الأولى: جواز دخول الصبيان المساجد، وحضورهم الصلوات، وهو صريح في أن ذلك وقت صلاة العشاء في ظلمة الليل. وقد بوب البخاري – رحمه الله – على هذا الحديث بقوله: (باب وضوء الصبيان. . – إلى قوله -: وحضورهم الجماعة والعيدين والجنائز وصفوفهم)، وهذا يدل على أن البخاري فهم أن هؤلاء الصبيان كانوا حضوراً في المسجد، وهذا هو الظاهر. خلافاً لمن قال: إن المراد: ناموا في البيوت؛ لأن عمر – رضي الله عنه – نبه النبي e إلى أنهم ناموا، ولو كان ذلك النوم في البيوت لكان طبيعياً ولا حاجة للتنبيه إليه().
وإنما خصهم بذلك؛ لأنهم مظنة قلة الصبر عن النوم، ومحلّ الشفقة والرحمة، بخلاف الرجال().
المسألة الثانية: أن لفظ "الصبيان" في الحديث جمع معرف باللام، فيعم كل صبي صغيراً كان أو كبيراً " (أحكام حضور المساجد)
• دخول الصبيان المميزين المسجد :
يقول د. عبد المجيد البيانوني :
" وأمّا دخول الصبيَان المميّزين المساجدَ ، والاعتناء بهم ، وترغيبهم ورعايتهم ، ومتَابعتهم على ذلك فهذا ممّا يجبُ وجوباً مؤكّداً على أوْلياء أمورهم ، ليَنشأ الأبناء على حُبّ المساجد ، ويعتَادوا على التردّدِ إليها في مختَلف الأوقَات " ( تذ كرة العابد بحقوق المساجد)
ويعلق الشيخ عبد الله الفوزان على حديث سبرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله e: "مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين. وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها"() بقوله:
" إن الحديث يدل على الإذن للصبيان بدخول المساجد؛ لأنها أماكن أداء الصلاة. وعلى ولي الصغير أن يعوده الذهاب على المسجد وحضور الجماعة، فيأخذه معه، ويجعله بجانبه، لينشأ على حب العبادة والتعلق بالمسجد، فيسهل عليه الأمر بعد البلوغ " ( أحكام حضور المساجد)
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن حكم دخول الأطفال المسجد السؤال التالي :
س/ ما حكم دخول الأطفال والمجانين المسجد ؟
فأجابت:
" على ولي أمر المجنون منعه من دخول المسجد؛ دفعًا لأذاه عن المسجد والمصلين، والسعي في علاجه، أما الأطفال فلا يمنعون من دخول المسجد مع أولياء أمورهم أو وحدهم إذا كانوا مميزين وهم أبناء سبع سنين فأكثر؛ ليؤدوا الصلاة مع المسلمين.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء "
فتاوى اللجنة الدائمة رقم ( 6278 )
• منع الصبيان من دخول المسجد عند خوف العبث :
يقول الشيخ عبد الله بن جبرين حول منع الصبيان ونحوهم من المساجد عند خوف العبث واللعب فيه :
" وذلك أن من طبيعة الأطفال كثرة اللعب والحركة، والتقلب والاضطراب، مما يشوش على المصلّين والقراء، وأهل الذكر والعلم، ولا يستطع وليه التحكم في تسكينه غالبًا، فهو في الصلاة يكثر الالتفات والتقدم والتأخر، ومد اليدين، وحركة القدمين، وذلك مما يشغل من يصلى إلى جانبه، ويلهيه عن الإقبال على صلاته، مما يذهب الخشوع، وينقص الأجر، ثم إن الأطفال الذين دون سن التمييز لا يؤمن تلويثهم للمسجد، فقد يحصل منهم التبول ونحوه، والروائح المستكرهة، واللعاب والبصاق ونحو ذلك، لعدم فهمهم بحرمة المكان، وصعوبة تأديبهم، والتحكم فيهم، فلذلك يتأكد على أوليائهم منعهم من دخول المساجد إلا بعد التأكد هن فهمهم، وتعلمهم احترام المسجد، وتربيتهم على النظافة والأدب، وحفظهم عن كثرة الحركة، وما يسبب ضررًا أو تشويشًا للمنظر الظاهر في بيوت الله التي أذن أن ترفع.
وقد روى ابن ماجه في سننه عن واثلة بن الأسقع t قال: قال رسول الله r {جنبوا مساجدكم صبيانكم، ومجانينكم، وشراءكم، وبيعكم، وخصوماتكم، ورفع أصواتكم، وإقامة حدودكم، وسلَّ سيوفكم } () () إلخ. قال البوصيري في الزوائد: "إسناده ضعيف، فإن الحارث بن نبهان متفق على ضعفه" () اهـ. لكن له شواهد، فقد رواه الطبراني في الكبير عن أبي الدرداء وأبي أمامة وواثلة قالوا: سمعنا رسول الله r يقول: { جنبوا مساجدكم صبيانكم، ومجانينكم، وخصوماتكم، وأصواتكم، وسلّ سيوفكم، وإقامة حدودكم... إلخ } (). [لكن في إسناده العلاء بن كثير الليثي الشامي وهو ضعيف] ().
ورواه الطبراني في الكبير أيضًا عن مكحول عن معاذ مرفوعًا: { جنّبوا مساجدكم صبيانكم، وخصوماتكم، وحدودكم، وشراءكم, وبيعكم } ()....) إلخ. لكن معاذا قد مات قديمًا فلم يدركه مكحول (). ولعلّ هذه الشواهد يقوى بها الحديث ليعرف أن له أصل، والعلة ما ذكرنا، فإن الصبيان وكذا المجانين يصعب تأديبهم والقبض عليهم، ولجهلهم بحرمة المكان يحصل منهم العبث الكثير والخبث، وتنجيس المكان ونحو ذلك فيتأذى بهم المصلّون ويشوشون على من حولهم فلزم منعهم " ( فصول ومسائل تتعلق بالمساجد )
وأما الشيخ عبد الله الفوزان: فيرى أن الأطفال لا يمنعون من دخول المسجد وإنما يمنعون من العبث والتشويش:
" وأما منع الصبيان من دخول المساجد بحجة التشويش على المصلين بما يحدث منهم من بكاء أو صراخ أو لعب، فهذا مردود؛ لأن الصبي إن كان مميزاً أمكن تأديبه وتعليمه السلوك الطيب والأخلاق الحميدة، لا سيما في بيوت الله. فيتعلم الإنصات، وحسن الاستماع، والهدوء؛ لأن ما يسمع من هؤلاء المميزين من الألفاظ السيئة، والعبارات البذيئة، والحركات التي لا تناسب المسجد إنما هو بسبب إهمال الأولياء، وعدم العناية بهذه الناشئة.
ومن أسباب ذلك: ترك الصغار في الصف متجاورين فيحصل منهم اللعب والحركات التي تشوش على المصلين عموماً وعلى من يجاورهم خصوصاً. أما إذا فرّق بينهم، أو صلى صبي بجانب وليه فإنه يزول هذا المحذور. وهذا هو الواجب على الأولياء وجماعة المسجد الذين يكثر الصبيان فيهم، وإن تركوهم وشأنهم صاروا مصدر إزعاج. وقد يصعب علاج الأمر إن لم يتدارك من أوله. وهذا أمر مشاهد وملحوظ. وإن كان الصبي غير مميز فيمكن حمله في الصلاة،
كما فعل النبي e، أو تلهيته بشيء من اللعب، كما ثبت في السنة() " ( أحكام حضور المساجد)
• طرد الصبيان من المسجد:
يقول د. عبد المجيد البيانوني :
ومن المنْكرات الشنيعةِ ما يفعله بعض العوامّ والجهَلة من طرد هؤلاء المميّزين من المسجد ، وتعنيفهم وانتهارهم ، لأدنى صوت يصدر منهم ، وربّما بغير سبب ، فربّما كانوا السببَ في نفُورهم من الدين ، وانْحرافهم عنه ، لما تتركه تلك المواقف من آثار سلبيّة في نفوسهم ، ولكن لا ينبغي أن يقفَ الصبيّ المميِّز خلف الإمام ، لحديث أَبِي مَسْعُودٍ t قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ e يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ ، وَيَقُولُ : ( اسْتَوُوا وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ ، لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ) ، قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ : فَأَنْتُمُ الْيَوْمَ أَشَدُّ اخْتِلَافًا " () . ( تذ كرة العابد بحقوق المساجد)
ويقول الأستاذ علي حسن فراج بعد أن ذكر عددا من الأخطاء المتعلقة بآداب المساجد أن منها:
" اعتقاد بعضهم صحة حديث " جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم ..."()؛ فمن ثم يقوم بطرد الصبيان المميزين من المسجد. وفي ذلك تنفير لهم من المسجد ورواده. فالصواب هو تعليمهم وتوجيهم بالتي هي أحسن " (تنبيه الساجد إلى أخطاء روَّاد المساجد)
• الأثر التربوي لتعويد الصبيان دخول المسجد :
يرى الأستاذ عبدالله سالم نجيب أنه لا يمنع من تعويد الأبناء الواعين التردد على المسجد :
" إن النهي الوارد في الحديث عن دخول الصبيان المساجد لا يمنع المسلم من تعويد أبنائه الواعين المدركين التردد على المسجد وذلك لأن النهي قصد به الحفاظ على حرمة المساجد من عبث الصبيان وهزلهم وفضلاتهم ، فإذا ما صحب الأب بنيه إلى المسجد وحافظ عليهم وراقبهم امتنع ذلك المحذور ، وحصل تعويد البناء على محبة المساجد وحرمتها وإيلافها، وهو من الضروريات التي ينبغي تربية الأبناء وتعويدهم عليها ، وقد كان أبناء الصحابة كابن عباس وابن عمر وابن الزبير والحسن وغيرهم رضي الله عنهم لا ينقطعون عن المسجد النبوي الشريف : يحضرون الصلوات ويستمعون الخطب ويحفظون القرآن والحديث ". (تاريخ المساجد الشهيرة )
• إبعاد الصبيان عن الصف الأول:
يقول الشيخ عبد الله الفوزان :
وإذا تقدم الصبيان – ولا سيما المميزون – إلى الصف الأول أو كانوا وراء الإمام فإنه لا ينبغي إبعادهم – على الراجح من قولي أهل العلم – لما يلي:
1. ما ورد في حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: نهى النبي e أن يقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه، وفي لفظ: (أن يقيم الرجل الرجل)()، فهذا نهي صريح في إقامة الرجل أخاه من مكانه ثم يجلس فيه، والصبي المميز داخل في هذا الحكم.
قال القرطبي: (نهيه e عن أن يقام الرجل من مجلسه إنما كان ذلك لأجل أن السابق لمجلس قد اختص به إلى أن يقوم باختياره عند فراغ غرضه، فكأنه قد ملك منفعة ما اختص به من ذلك، فلا يجوز أن يحال بينه وبين ما يملكه . . )().
2. أن إبقاءهم في أماكنهم فيه ترغيب لهم في الصلاة، واعتياد المسجد. أما طردهم وإبعادهم – كما يفعله كثير من الناس() – فهذا فيه محاذير عديدة منها:
• أن هذا مخالف لما كان عليه سلف الأمة، فإنه لو كان تأخير الصبيان أمراً مشهوراً لاستمر العمل عليه،
كتأخير النساء، ولنقل كما نقلت الأمور المشهورة نقلاً لا يحتمل الاختلاف(). وأما ما ورد من أن بعض السلف أخّر الصبي فهو إما رأي صحابي، أو محمول على صبي لا يعقل الصلاة، ويعبث فيها().
أن طرد الصبي من الصف الأول يؤدي إلى كسر قلبه، وتنفيره من الصلاة، وبغضه المسجد. والشارع
الحكيم يحرص على ترغيبهم في الصلاة وحضور المسجد.
• أن هذا قد يؤدي إلى اجتماع الصبيان في مكان واحد متأخر، وهو سبب في عبثهم وتشويشهم.
_أن هذا الصبي يكره الرجل الذي أقامه من مكانه ويحقد عليه، ويدوم على ذكره بسوء؛ لأن الصغير عادة لا ينسى ما فعل به().
ثم إن إحضار الصبيان للمسجد ليس مقصوراً على تعليمهم الصلاة وترغيبهم في المسجد، بل هناك مقاصد أخرى منها:
أن يكون الصبي صغيراً وليس له في البيت من يرعاه وقت الصلاة فيصحبه المصلي معه. أو يكون الإنسان في السوق أو في الطريق ومعه ابنه فتحضر الصلاة فيدخله المسجد معه. ونحو ذلك مما يعرض ولا سيما في أوقات الصلاة.
أما ما ورد في حديث أبي مسعود – رضي الله عنه – من قوله e: "ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونـهم، ثم الذين يلونـهم"() فهذا لا يفيد تأخير الصغار عن أماكنهم، وإنما هو حث لأولي الأحلام والنّهى – وهم أصحاب العقول – على التقدم ليكونوا وراء الإمام، لتنبيهه على سهو إن طرأ، أو استخلاف أحدهم إن احتاج إلى ذلك. ولو كان المراد النهي عن تقدم الصبيان لقال: لا يلني إلا أولو الأحلام والنهى().
وتجوز مصافة الصبي، وذلك بأن يقف معه رجل بالغ في صف واحد، أو يصلي بالغ بعدد من الصبيان، فيكونون صفاً – وهذا على الراجح من قول أهل العلم، وهو قول الجمهور – لورود أدلة صحيحة صريحة تفيد ذلك؛ ومن ذلك حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن جدته مليكة – رضي الله عنها – دعت رسول الله e لطعام صنعته، فأكل منه، فقال: "قوموا فلأصل بكم"، فقمت إلى حصير لنا قد اسودّ من طول ما لبث فنضحته بماء، فقام رسول الله e واليتيم معي، والعجوز من ورائنا، فصلى بنا ركعتين().
فهذا الحديث دليل على جواز مصافة البالغ الصبي؛ لأن هذا اليتيم صفّ مع أنس – رضي الله عنه – خلف النبي e. واليتيم: من مات أبوه ولم يبلغ. ( أحكام حضور المساجد)
وقال الشيخ ابن باز:
" الأصح أنهم - أي الصبيان - إذا تقدموا لا يجوز تأخيرهم ، فإذا سبقوا إلى الصف الأول أو إلى الصف الثاني فلا يقيمهم من جاء بعدهم ، لأنهم سبقوا إلى حق لم يسبق إليه غيرهم فلم يجز تأخيرهم لعموم الأحاديث في ذلك ، لأن في تأخيرهم تنفيراً لهم من الصلاة ، ومن المسابقة إليها فلا يليق ذلك .
لكن لو اجتمع الناس بأن جاءوا مجتمعين في سفر أو لسبب ، فإنه يصف الرجال أولاً ، ثم الصبيان ثانياً ، ثم النساء بعدهم إذا صادف ذلك وهم مجتمعون ، أما أن يؤخذوا من الصفوف ويزالوا ويصف مكانهم الكبار الذين جاءوا بعدهم فلا يجوز ذلك .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ( ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى ) ، فالمراد به التحريض على المسارعة إلى الصلاة من ذوي الأحلام والنهى وأن يكونوا في مقدم الناس ، وليس معناه تأخير من سبقهم من أجلهم " انتهى ."مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (12/400) .
وقال الشيخ ابن عثيمين:
" إنَّ الصبيان إذا تقدَّموا إلى مكان ، فهم أحقُّ به مِن غيرهم؛ لعموم الأدلَّة على أنَّ مَن سبقَ إلى ما لم يسبق إليه أحدٌ فهو أحقُّ به ، والمساجدُ بيوتُ الله ، يستوي فيها عباد الله ، فإذا تقدَّم الصبيُّ إلى الصفِّ الأول ـ مثلاً ـ وجَلَسَ فليكنْ في مكانِه ، ولأننا لو قلنا بإزاحة الصِّبيان عن المكان الفاضل ، وجعلناهم في مكان واحد أدى ذلك إلى لَعبِهم ؛ لأنَّهم ينفردون بالصَّفِّ " انتهى. "الشرح الممتع" (3/4).
وقال أيضا : " يجوز أن يكون الصبيان في الصف ولو قطعوا الصف ؛ لأنهم بشر ليسوا حجراً وليسوا أعمدة , فهم لا يقطعون الصفوف , ولا يجوز لأحد أن يبعدهم من مكانهم - أيضاً - حتى ولو كانوا خلف الإمام مباشرة في الصف الأول ، فإنه لا يحل لأحد أن يبعدهم من مكانهم " انتهى . "لقاء الباب المفتوح" (106/24) .
المراجع:
• ( كتاب: تذ كرة العابد بحقوق المساجد (رسالة في فضل المساجد وخصائصها وأهمّ أحكامها) إعداد د. عبد المجيد البيانوني 1421هـ )
• ( كتاب: أحكام حضور المساجد تأليف عبد الله بن صالح الفوزان عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعودا لإسلامية )
• ( كتاب: رسالة إلى أئمة المساجد والمؤذنين والمأمومين للشيخ عبدالله بن جارالله الجارلله )
• ( كتاب: تنبيه الساجد إلى أخطاء روَّاد المساجد إعداد:( أبي الطيب )علي حسن فراج تقديم:الشيخ الدكتور عبد الرحمن الصالح المحمود )
• ( كتاب: فصول ومسائل تتعلق بالمساجد جمع الفقير إلى الله تعالى عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين )
• ( كتاب: تاريخ المساجد الشهيرة .. عبدالله سالم نجيب )
التعليقات