آسام الهندية.. مأساة إسلامية متكررة .. وكالعادة "العالم أصم"
الأزمة قديمة ومتكررة، والمتهم الأول دائمًا، هو خطوط الاستعمار وترسيمات الحدود، التي راعت فيها الدول الاستعمارية أن تظل ملتهبة؛ لتضمن لها موطئ قدم في أي مكان بالعالم، حتى بعد انتهاء سنوات احتلالها الغاشم.
وكما تعودنا وسنظل، فإن يومًا واحدًا لا يمر، دون أن نسمع عن جريمة ترتكب بحق المسلمين الأقلية، في كل دول العالم، وأصبحت الاعتداءات المتكررة، والتنكيل بالمسلمين سمة عالمية، وعنوانًا رئيسًا في نشرات الأخبار الدولية، في حين تحتل زاوية جانبية – هذا إن وجدت – في إعلامنا العربي والإسلامي.
عالم أصم وأبكم، عن دماء المسلمين، لكنه بوق صادح، حين تطال حرية غيرهم من الكائنات الحية، حتى الحيوانات، هذا هو التوصيف الحقيقي، لما تشهده ولاية آسام المسلمة بالهند، من مآس يومية، منذ مناداتها بالاستقلال عام 1979م، وحتى الآن، فقدت خلالها ما يزيد عن 20000 مسلم قضوا حرقًا وذبحًا وقتلاً بالرصاص.
آراكان جديدة
وفي مشهد مستنسخ من أزمة مسلمي أراكان ببورما، وما حدث هناك من عمليات قتل وتنكيل وذبح، تجددت الأحداث بنفس الطريقة، في ولاية آسام الهندية، حين هاجم مسلحون من قبائل بودو البوذية بالولاية، السكان المسلمين، اعتقادًا منهم بأنهم وراء جريمة قتل، لأربعة شبان بوذيين.
وبعد أن قامت وسائل الإعلام الهندية البوذية، بواجبها في إشعال الموقف، قامت ميليشيات بوذية بمجزرة ضد مسلمي آسام، راح ضحيتها العشرات، وتم التهجير القسري لحوالي 60 ألفًا منهم، إلى مدن أخرى داخل البلاد، بعد حرق 500 قرية، حتى قوات الأمن، قامت بفتح النار على الاحتجاجات، وقمع المتظاهرين المطالبين بحمايتهم، من ويلات البوذيين هناك، وحتى الآن وبرغم مرور ما يقرب من 3 سنوات على المذابح لم تقدم الحكومة المسئولين عنها للمحاكمة.
البداية
ووفقًا للمراقبين، فإن أعمال العنف، ضد مسلمي ولاية آسام قد تجددت في نهاية يوليو 2012، أي بعد أقل من شهر، من بداية الأزمة في أراكان بورما، لأسباب متطابقة، وكانت النتائج كارثية على المسلمين في الدولتين، في تجاوزات بوذية، ليست الأولى ضد مسلمي الهند، فهناك أحداث سابقة ومتكررة كثيرة، كان أشهرها وأكثرها عنفا، أحداث آسام عام 1984م، والتي أسفرت عن مجازر، راح ضحيتها آلاف المسلمين، وتم التهجير القسري لحوالي 300 ألف مسلم.
ويضم شمال شرق الهند، الذي يشترك في حدوده، مع الصين وميانمار وبنجلاديش وبوتان، أكثر من 200 مجموعة عرقية وقبلية، ويعاني من حركات انفصالية، منذ استقلال الهند عن بريطانيا عام 1947م، ويسود شعور بمعاداة الوافدين، خصوصًا المسلمين منهم بين أبناء القبائل، التي تسكن ولاية آسام، وهي قبائل يدين أغلبية أبنائها، بالديانة الهندوسية، وبعضهم تحول إلى المسيحية، خلال القرون الثلاثة الماضية.
ويمثل المسلمون في آسام نسبة 30.9%، من إجمالي عدد سكان الولاية، حيث تعتبر ثاني الولايات الهندية، من حيث عدد المسلمين، بعد جامو وكشمير، ويبلغ عدد المسلمين بها حوالي ثمانية ملايين ونصف المليون نسمة.
أزمة تاريخية
تاريخيًا، تعاني الهند من أزمة وطنية مزمنة، منذ الاستقلال، ناتجة عن تقسيم شبه القارة الهندية، إلى دولتي الهند وباكستان، ومنذ ذلك الحين، اتسع الشرخ بين مسلمي البلاد وهندوسيها، بعد أن ضربوا مثالاً قويًا، في الوحدة الوطنية، والنضال المشترك، ضد شركة الهند الشرقية، والاستعمار البريطاني في انتفاضة عام 1857م.
وفي 17 يوليو 1947م، أصدر البرلمان البريطاني، قانون استقلال الهند، الذي أنهى الحكم البريطاني لها، وتمَّ تنفيذ القرار في 15 أغسطس من العام نفسه، وأَوْعَزَت بريطانيا بعد انسحابها إلى تلك الإمارات، التي كانت تحكمها في الهند، بأن تنضمَّ إمَّا إلى الهند أو باكستان، وَفْقًا لرغبة سكانها، مع الأخذ بعين الاعتبار التقسيمات الجغرافية في كل إمارة، وتكوَّنت تَبَعًا لذلك دولتا الهند وباكستان، حيث استقلَّت باكستان في 14 أغسطس 1947م، وأصبح محمد علي جناح، حاكمًا عامًّا لباكستان، واخْتِيرَت كراتشي عاصمة لها، بينما حصلت الهند على استقلالها، في اليوم التالي، وأصبح جواهر لآل نهرو رئيسًا لوزرائها، واخْتِيرَت نيودلهي عاصمة لها.
ما بعد الاستقلال
ونتيجة لتراكم سياسات ما بعد الاستقلال عام 1947، والسوء المتعمد لترسيم الحدود، عاني مسلمو الهند، أشد ويلات التمييز والإهمال، والإحصاءات المتوفرة، تشير إلى أن عدد المنتسبين من المسلمين، إلى الجيش والشرطة، يقلون عن الواحد في المائة، إضافة إلى مشكلات عدة، من أهمِّها مشكلة الفقر، حيث تصل نسبة المعدومين بينهم، إلى أكثر من 75%، وكذلك التخلُّف التعليمي، وندرة فرص العمل؛ حيث تتوزع على المسلمين، بطريقة غير عادلة؛ ففي مجال الزراعة، يعمل أكثر من 70% من المسلمين فيها، ويعمل 1% أو أقل في مجالات الصناعة، كما يقوم المتعصِّبون الهندوس، بالاضطرابات المناهضة للإسلام، حاملين ملصقات مكتوب عليها: "اتركوا القرآن أو اتركوا الهند"، إضافةً إلى تعرُّض الشريعة الإسلامية، في المجتمع الهندي، إلى عمليَّات تقليص خطيرة؛ حيث أُبْطِلَ القانون الإسلامي في مجال الجريمة، والعقود، والأرض، والإدلاء بالشهادة، وغير ذلك من المشكلات.
التعليقات