سلم الإمام قبل تمام الصلاة وتكلم بعد تنبيهه ثم أكمل، فهل تصح صلاته؟

 الإمام في مثل هذه الحال مأمور بالمبادرة إلى إكمال الصلاة، ولا يشتغل بتعليم المأمومين.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ، فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا، وَقَالَ: ( إِنَّ فِي الصَّلاَةِ شُغْلًا ) رواه البخاري (1199)، ومسلم (538).
قال النووي رحمه الله تعالى:
" قوله صلى الله عليه وسلم: ( إن في الصلاة شغلا ) معناه؛ أن المصلي وظيفته أن يشتغل بصلاته فيتدبّر ما يقوله، ولا يعرج على غيرها، فلا يرد سلاما ولا غيره " انتهى. "شرح صحيح مسلم" (5 / 27).
وروى البخاري (401) ومسلم (571)، عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: "صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ـ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: لَا أَدْرِي زَادَ أَوْ نَقَصَ ـ، فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَحَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ؟ قَالَ: (وَمَا ذَاكَ؟) قَالُوا: صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا، فَثَنَى رِجْلَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، فَلَمَّا أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ قَالَ: (إِنَّهُ ‌لَوْ ‌حَدَثَ ‌فِي ‌الصَّلَاةِ شَيْءٌ لَنَبَّأْتُكُمْ بِهِ، وَلَكِنْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي، وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّى الصَّوَابَ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ، ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ).
فلما تأكد النبي صلى الله عليه وسلم من نقص صلاته، قام، فصلى ما بقي عليه منها، ثم سجد للسهو، ثم سلم، ثم علم الصحابة رضي الله عنه ما ذا عليهم، وكيف يصنعون.
إلا أن هذا الإمام في مثل هذه المسألة غالب الظن أنه لم يتعمد فعل ما يعلم حرمته، بل حاله كما حصل من الصحابة لما تكلموا عند خروج النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة سهوا.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: "صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى صَلاَتَيِ العَشِيِّ - قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: سَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ وَلَكِنْ نَسِيتُ أَنَا - قَالَ: فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي المَسْجِدِ، فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، وَوَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى اليُسْرَى، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَوَضَعَ خَدَّهُ الأَيْمَنَ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ اليُسْرَى، وَخَرَجَتِ السَّرَعَانُ مِنْ أَبْوَابِ المَسْجِدِ، فَقَالُوا: قَصُرَتِ الصَّلاَةُ. وَفِي القَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَفِي القَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ طُولٌ، يُقَالُ لَهُ: ذُو اليَدَيْنِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتِ الصَّلاَةُ؟
قَالَ: (لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ).
فَقَالَ: (أَكَمَا يَقُولُ ذُو اليَدَيْنِ؟)
فَقَالُوا: نَعَمْ، فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ، فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ: ثُمَّ سَلَّمَ؟ فَيَقُولُ: نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ، قَالَ: ثُمَّ سَلَّمَ" رواه البخاري (482)، ومسلم (573).
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
" ولم أعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن صحابته، ولا عن الإمام [يعني : الإمام أحمد] نصًّا في الكلام في غير الحال التي سلّم فيها معتقدا تمام الصلاة، ثم تكلم بعد السلام...
هذه حال نسيان، غير ممكن التحرز من الكلام فيها، وهي أيضا حال يتطرق الجهل إلى صاحبها بتحريم الكلام فيها " انتهى. "المغني" (2 / 450 - 451).
فغالب الظن أن هذا الإمام قد تكلم جهلا بالحكم، وظنا منه أن هذا أمر جائز ، وهو عذر لا تبطل به الصلاة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" لأن الله عفا عن الخطأ والنسيان، ولأنه قال: ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) فمن لم يبلغه أمر الرسول في شيء معين لم يثبت حكم وجوبه عليه، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمارا لما أجنبا فلم يصل عمر، وصلى عمار بالتمرغ، أن يعيد واحد منهما، وكذلك لم يأمر أبا ذر بالإعادة لما كان يجنب ويمكث أياما لا يصلي، وكذلك لم يأمر من أكل من الصحابة حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء، كما لم يأمر من صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء " انتهى. "مجموع الفتاوى" (22 / 102).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" الجهل هو: عدم العلم، ولكن أحياناً يعذر الإنسان بالجهل فيما سبق دون ما حضر، مثال ذلك: ما ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة: (أن رجلاً جاء فصلى صلاة لا اطمئنان فيها، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: ارجع فصل فإنك لم تصل، كرر ذلك ثلاثاً، فقال له: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني)؛ فعلَّمه، ولكنه لم يأمره بقضاء ما مضى، لأنه كان جاهلاً، إنما أمره أن يعيد الصلاة الحاضرة " انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (19 / 32 ترقيم الشاملة).

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.