هل يشرع للعاجز عن السجود أن يرفع شيئا يسجد عليه؟

السنة في حق من لم يستطع السجود على الأرض أن يومي إيماء، ولا يرفع شيئا ليسجد عليه، وقد صحت بذلك الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم، وروي مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فعن جابرِ بنِ عبدِ اللَّهِ -رضي اللَّه عنه-، أنَّ رسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عادَ مَريضًا، فرآه يُصَلِّى على وَسادَةٍ؛ فأَخَذَها فرَمى بها، فأَخَذَ عودًا لَيُصلِّىَ عليه فأَخَذَه فرَمَى به وقالَ: "صَلِّ على الأرضِ إنِ استَطَعتَ، وإِلّا فأومِئْ إيماءً، واجعَلْ سُجودَكَ أخفَضَ مِن رُكوعِكَ" رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (3718).
قال ابن حجر العسقلاني في "مختصر زوائد مسند البزار على الكتب الستة ومسند أحمد" (1/ 276) بعد ذكره للحديث: "هَذَا الإِسْنَادُ صَحِيحٌ"، وقال الشيخ الألباني رحمه الله في "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم" (ص78): "رواه الطبراني والبزار وابن السماك والبيهقي وسنده صحيح".
وأكثر الأئمة على وقفه. انظر: "فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود" (10/ 272).
كما صحت الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم بنهيهم عن ذلك الفعل، وأن السنة أن يومئ إيماء، ولا يرفع شيئا يسجد عليه.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : "كان عمر يقولُ: (إذا لم يَستَطِعِ المَريضُ السُّجودَ: أومَأَ برأسِه إيماءً، ولم يَرفَعْ إلى جَبهَتِه شَيئًا) رواه ابن أبي شيبة (3720).
وعن عَلقَمَةَ قال: "دَخَلتُ مَعَ عبدِ اللَّهِ على أخيه عُتبَةَ، نَعودُه وهو مَريضٌ، فرأَى مَعَ أخيه مِروَحَةً يَسجُدُ عَلَيها، فانتَزَعَها مِنه عبدُ اللَّهِ، وقالَ: اسجُد على الأرضِ، فإِن لم تَستَطِعْ فأَومِئْ إيماءً، واجعَلِ السُّجودَ أخفَضَ مِنَ الرُّكوعِ" رواه ابن أبي شيبة (3722).
وعن ابن جريج، قال: "قلت لعطاء: إذا لم يستطع أن يسجد على الأرض، أيسجد على حصير، أو يرفع إليه بطحاء على خمرة فيسجد عليه؟ قال: لا، ولكن ليومئ إيماء برأسه، ويجعل السجدة أخفض من الركعة". ابن أبي شيبة (4266).
والمذاهب الأربعة على أنّ السنة في حقه أن يومي إيماء، ولا يرفع شيئا، لما سبق ذكره من الأدلة.
"تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي" (1/ 200):
قال الزيلعي رحمه الله: "ولا يرفع إلى وجهه شيئا يسجد عليه لقوله - عليه الصلاة والسلام - إن قدرت أن تسجد على الأرض فاسجد؛ وإلا فأوم برأسك.
قال - رحمه الله - فإن فعل أي رفع شيئا يسجد عليه، وهو يخفض رأسه: صح؛ لوجود الإيماء ....
"وعن يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَرِيضِ: إِذَا لَمْ يَسْتَطِعِ الْقِيَامَ: يُصَلِّي جَالِسًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ يَسْجُدُ، فَلْيُومِئْ إِيمَاءً، وَيَجْعَلِ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ، وَلَا يَسْجُدُ عَلَى حَجَرٍ وَلَا عَلَى عُودٍ" "الآثار لأبي يوسف" (ص67).
وقال الشافعي: "ولا يرفع إلى جبهته شيئا ليسجد عليه؛ لأنه لا يقال له ساجد حتى يسجد بما يلصق بالأرض.
فإن وضع وسادة على الأرض، فسجد عليها: أجزأه ذلك إن شاء الله تعالى.
ولو سجد الصحيح على وسادة من أدم، لاصقة بالأرض: كرهته له؛ ولم أر عليه أن يعيد. كما لو سجد على ربوة من الأرض، أرفع من الموضع الذي يقوم عليه: لم يُعِد؛ لأنّ أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - تسجد على وسادة من أدم، من رمد بها" انتهى باختصار يسير من "الأم" (1/100).
وقال ابن قدامة رحمه الله:
"وإن عجز عن السجود على بعض هذه الأعضاء، سجد على بقيتها، وقرب العضو المريض من الأرض غاية ما يمكنه.
ولم يجب عليه أن يرفع إليه شيئا؛ لأن السجود هو الهبوط، ولا يحصل ذلك برفع المسجود عليه. وإن سقط السجود عن الجبهة، لعارض من مرض أو غيره، سقط عنه السجود على غيره؛ لأنه الأصل" انتهى من "المغني" (2/ 195).
التعليقات