إذا مرت امرأة أمام الإمام فهل تبطل صلاة المأمومين؟

 إذا مرت امرأة بين يدي المصلي قريبا منه، أو بينه وبين سترته، قطعت صلاته، على الراجح، إماما كان أو مأموما؛ لما روى مسلم (510) عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي، فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إِذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ الْحِمَارُ، وَالْمَرْأَةُ، وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ). قُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ، مَا بَالُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْكَلْبِ الْأَحْمَرِ مِنَ الْكَلْبِ الْأَصْفَرِ؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَأَلْتَنِي، فَقَالَ: (الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ).

وروى ابن خزيمة في "صحيحه" (831) عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (تعاد الصلاة من ممرّ الحمار والمرأة والكلب الأسود) وصححه الألباني في "الصحيحة(3323) ".
والأقرب أن الحديث غير محفوظ بهذا اللفظ: (تعاد الصلاة)؛ قال الشيخ ياسر آل عيد، حفظه الله: " «فهذا الحديث قد رواه بهذا اللفظ من الثقات: شعبة، ويونس بن عبيد، ومنصور بن زاذان، وأيوب السختياني، وقتادة، وجرير بن حازم، وخالد الحذاء، وحبيب بن الشهيد، وسليمان بن المغيرة، وعاصم الأحول، وقرة بن خالد، وسهل بن أسلم العدوي، وسلم بن أبي الذيال، وأشعث بن عبد الملك، وعمر بن عامر السلمي، وقيس بن سعد المكي، والحسن بن ذكوان، وهم سبعة عشر رجلًا، وتابعهم غيرهم.
وانفرد عنهم هشام بن حسان فأتى دونهم بهذا اللفظ: "تعاد الصلاة من: ممر الحمار، والمرأة، والكلب الأسود"، فإنه رواه بالمعنى الذي ظهر له، والله أعلم، وهو لفظ شاذ لمخالفته فيه عامة من روي الحديث من الثقات عن حميد بن هلال، والله أعلم.» انتهى، من "فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود" (8/ 17).
قال الشوكاني رحمه الله: " وأحاديث الباب تدل على أن الكلب والمرأة والحمار تقطع الصلاة. والمراد بقطع الصلاة: إبطالها، وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة، منهم: أبو هريرة وأنس وابن عباس في رواية عنه، وحكي أيضا عن أبي ذر وابن عمر، وجاء عن ابن عمر أنه قال به في الكلب، وقال به الحكم بن عمرو الغفاري في الحمار. وممن قال من التابعين بقطع الثلاثة المذكورة: الحسن البصري وأبو الأحوص صاحب ابن مسعود.
ومن الأئمة: أحمد بن حنبل، فيما حكاه عنه ابن حزم الظاهري، وحكى الترمذي عنه أنه يُخصص بالكلب الأسود، ويتوقف في الحمار والمرأة. قال ابن دقيق العيد: وهو أجود مما دل عليه كلام الأثرم من جزم القول عن أحمد بأنه لا يقطع المرأة والحمار.
وذهب أهل الظاهر أيضا إلى قطع الصلاة بالثلاثة المذكورة " انتهى من "نيل الأوطار" (3/ 15).
وينظر: "الأوسط" لابن المنذر (5/ 100)، "المحلى" لابن حزم (2/ 320).
والمذهب المعتمد عند الحنابلة: أنه لا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود البهيم.
وأما قطعها بمرور المرأة والحمار: فرواية عن أحمد. قال المرداوي: " اختارها المجد، ورجحه الشارح، وقدمه في المستوعب وابن تميم، وحواشي ابن مفلح، وجزم به ناظم المفردات، وهو منها. واختاره الشيخ تقي الدين، وقال: هو مذهب أحمد" انتهى من "الإنصاف" (2/ 107).
وقال ابن المنذر رحمه الله: " أما حجة من قال: «يقطع الصلاة الكلب» ، والمرأة، والحمار، فظاهر خبر عبيد الله بن الصامت، عن أبي ذر قال: وهو خبر صحيح لا علة له، فالقول بظاهره يجب، وليس فيما يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا التسليم له، وترك أن يحمل على قياس أو نظر" انتهى من "الأوسط" (5/ 104).
إذا لم يكن للمصلي سترة، فمر واحد من الثلاثة المذكورة بين يديه، فإن مر قريبا منه، على بعد ثلاثة أذرع من قدميه، فأقل: بطلت صلاته.
فإن مر فيما وراء ذلك، أي على بعد أكثر من ثلاثة أذرع: لم تبطل صلاته.
قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (1/ 383): "(وإن مر بينه) أي المصلي (وبينها)، أي سترته، كلب أسود بهيم (أو لم تكن له سترة، فمر بين يديه، قريبا) منه، (كقربه من السترة)، أي ثلاثة أذرع فأقل، من قدميه [أي: تحسب المسافة من مكان وقوفه] = (كلب أسود بهيم، وهو ما لا لون فيه سوى السواد: بطلت صلاته)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا قام أحدكم يصلي، فإنه يستره، إذا كان بين يديه مثلُ مُؤْخِرة الرحل، فإن لم يكن، فإنه يقطع صلاته: المرأة والحمار والكلب الأسود» …" انتهى.
وإنما قدروا ذلك بثلاثة أذرع؛ لأن هذا هو موضع السترة؛ لما روى النسائي (749) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلَالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ فَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَسَأَلْتُ بِلَالًا حِينَ خَرَجَ مَاذَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ وَعَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ، وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ، ثُمَّ صَلَّى وَجَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ " وصححه الألباني.
ورواه البخاري (506) عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، كَانَ " إِذَا دَخَلَ الكَعْبَةَ مَشَى قِبَلَ وَجْهِهِ حِينَ يَدْخُلُ، وَجَعَلَ البَابَ قِبَلَ ظَهْرِهِ، فَمَشَى حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجِدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبًا مِنْ ثَلاَثَةِ أَذْرُعٍ، صَلَّى؛ يَتَوَخَّى المَكَانَ الَّذِي أَخْبَرَهُ بِهِ بِلاَلٌ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِيهِ".
إذا قطعت صلاة الإمام، بطلت صلاته وصلاة المأمومين.
قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (1/ 384): "(وإن مر ما يقطع الصلاة) وهو الكلب الأسود البهيم (بين الإمام وسترته قطع صلاته وصلاتهم) لأنه مر بينهم وبين سترته" انتهى.
وعليه؛ فإن كانت المرأة مرت أمام الإمام على بعد ثلاثة أذرع من قدميه، فأقل، بطلت صلاة الجميع. وإن مرت أبعد من ثلاثة أذرع من قدميه لم تبطل صلاته ولا صلاة المأموين.
والثلاثة الأذرع، بالمقياس العصري: قريب من متر ونصف المتر.

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.