السّماع بين الحق والهوى
لو سألت الناس عن أهم حاسة أنعم الله-عز وجل-بها على عباده، فغالبهم سيجيبك على الفور: حاسة البصر؛ ذلك لأن البصر هو مفتاح التمتع بزينة الحياة الدنيا، وبه يستطيع الإنسان أن يواصل رحلته في الحياة دون الاستعانة بالآخرين في غالب شؤونه، وهم محقون في ذلك بلا شك، ولكن الحقيقة القرآنية التي أبرزتها عشرات الآيات وعضدتها الأحاديث النبوية الشريفة، أن حاسة السمع أعظم وأنفع نعمة للعبد في آخرته.
فبالسمع يعرف المرء أمور دينه، ويحفظ كتاب ربه، وينتفع بالمواعظ والخطب ويتلقى العلوم الشرعية والدنيوية، وبالسمع يكون الإنسان أقرب للهداية وأقبل للوحي، في حين أن من فقد نعمة السمع ولو كان مبصراً لم ينتفع بكل هذا الخير، لذلك فالتاريخ الإنساني زاخر وحافل بمئات وربما الآلاف من النماذج الفذة من فاقدي البصر، الذين برعوا في شتى العلوم وصاروا أئمة وعلامات في شتى الفنون، في حين لم يحفظ لنا التاريخ إلا نادراً -والنادر لا حكم له- مما برع في العلوم والمعارف وهو أصمّ!!.
هذه المقدمة التقابلية تدفعنا للغوص قليلاً في مسألة تقديم السمع على البصر في سجل نعم الله-تعالى- على عباده، وكيف يمكن للمرء أن يستفيد من هذه النعمة العظيمة بالمقارنة بين استخدام هذه النعمة بين أهل الحق وأهل الهوى! وكيف أن ذات النعمة ستكون سبباً لنجاة فريق من الناس، وسبباً لبوار وضلال فريق آخر!
السمع والبصر بين القرآن والعلم
من نعم الله -تعالى- على خلقه؛ الحواس التي وهبها له، وفى مقدمتها نعمتي السمع والبصر، والتي يمنُّ على خلقه بإنشائها في العديد من آيات القرآن الكريم، وقد جاءت مجتمعة بالإنشاء في سبعة مواضع من القرآن الكريم، في حين جاء ذكرت كلمة (السمع) بمشتقاتها وتصاريفها في القرآن الكريم (185) مرة، بينما جاء ذكرت كلمة (البصر) بمشتقاتها وتصاريفها (148) مرة، وترافقت كلمتا (السميع) و(البصير) في (38) مرة، كذلك تلازمت كلمتا (العُمْي) و (الصُّم) في ثماني آيات.
البديع أن في كل هذه الحالات جاء ذكر (السمع) قبل (البصر)، فيما عدا عدد قليل من آيات العذاب أو الإنذار به، أو آيات وصف الكفار والمشركين دون إشارة إلى خلق هاتين الحاستين، أو وصف لوظيفة كلٍ منهما، فتقدم فيها ذكر (البصر)على ذكر السمع، وذلك لعلم الله -تعالى- بأهمية السمع وأثره في حياة الإنسان ومصيره.
العجيب المذهل أن العلم التجريبي قد أثبت إعجاز القرآن في تقديم السمع على البصر؛ فقد قال علماء الأجنة أنه على الرغم من أن تكوُّن حاستي السمع والبصر متزامن تقريباً في المراحل الجنينية الأولى، إلا أن الأذن الداخلية للجنين تصبح قادرة على السمع في شهره الخامس تقريباً، بينما العين لا تفتح، ولا تتكون طبقتها الحساسة للضوء إلا في الشهر السابع، وحتى في هذا الوقت لا يستطيع الجنين أن يرى لعدم اكتمال تكوُّن العصب البصري، ولكونه غارقاً في ظلمات ثلاث.
والجنين يولد وحاسة السمع عنده مكتملة، في حين أن حاسة البصر تستمر في النمو عند الوليد حتى سن العاشرة، ولذلك يكتسب الطفل المعارف الصوتية قبل المعارف المرئية.
أيضاً الإنسان يفقد حاسة البصر قبل فقدانه حاسة السمع عند بدء النوم أو التخدير أو الاختناق، أو عند التسارع الشديد أو عند الاحتضار.
كما أثبت العلم أن حاسة السمع أكثر شمولاً وأوسع دائرة من حاسة البصر؛ فالإنسان يسمع بزاوية 360، يعني يسمع من كل اتجاه، في حين اقتصار الساحة البصرية على 180، فالموجات الصوتية تسير في جميع الاتجاهات، ويمكنها الالتفاف حول الزوايا، والانتقال عبر السوائل والأجسام الصلبة، بينما أشعة الضوء تسير في خطوط مستقيمة أو متعرجة، ولكنها لا تستطيع اختراق الجوامد، وتتحلل إلى أطيافها في السوائل، وتُمتص طيفاً بعد الآخر؛ فسبحان من أودع كتابه الكريم وخلقه القويم كل هذه الأسرار والبدائع.
احتفاء القرآن الكريم بالسمع
المتجول في كتاب الله بعين بصيرته يرى الاحتفاء الكبير في آياته بالسمع، وكيف قرن الله -عز وجل- السمع بكل خير يحدث للإنسان في حياته، ومدى الضلال والتيه الذي يقع فيه عندما يُسلب هذه النعمة العظيمة؛ حقيقة وحكماً، وللسمع في القرآن الكريم عدة معاني:
1-السمع المجرد: والمقصود به مطلق السمع بلا فهم ولا تدبر، السمع الذي يميز الكلام عن الصمت، والأصوات عن السكتات؛ قال-تعالى-: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ)[البقرة: 171]، والسمع هنا صاحبه لا يفهم ولا يعقل، ولكن يسمع من يناديه، ويجيب من يكلمه، ولكنه بسبب عدم فهم صار مثل الأصمّ عديم الحاسة.
2-السمع المظلم: وهو سماع من ضلّ وأعرض عن نداءات الوحي ورسل الهداية، على الرغم من عقل وفهم هذه النداءات السماوية؛ قال-تعالى-: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)[البقرة: 75]، وهذه الآية نزلت في شأن اليهود الذين كانوا يعرفون صدق نبوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وحقيقة رسالته، ومع ذلك كفروا به مثلما فعلوا عندما حرّفوا التوراة وزورها بعد علمها بها.
3-السمع المنير: وهو سماع أهل الإيمان والتقى والاستقامة الذين سمعوا فأطاعوا، وفهموا فاهتدوا، وعقلوا فاتبعوا، فأنار السمع حياتهم ونوّر طريقهم بنور الوحي والسماء؛ قال-تعالى-: (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)[المائدة:83].
وهذا النوع الثالث من السمع هو الذي أراده الله -سبحانه- من عباده، السمع الذي يكون رسول الإيمان إلى القلب وداعيه ومعلمه، السمع الذي هو أصل العقل وأساس الإيمان، والذي ينبه القلب لمعاني المسموع ويحركه نحو التدبر والفهم.
ولذلك ربط القرآن الكريم بين السمع والعقل في قوله-تعالى-: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ)[الملك:10]؛ فالسمع هو السبيل الأول للعقل ومناط التفكير والهداية؛ قال ابن عباس -رضي الله عنهما- في تفسيره قول الكافرين في الآية: "لو كنا نسمع الهدى أو نعقله، أو لو كنا نسمع سماع من يعي ويفكر، أو نعقل عقل من يميز وينظر". وإلى هذا المعنى يشير الإمام البقاعي في تفسيره "نظم الدرر في تناسب الآيات والسور"، إذ يقول: "ولما كان السمع أعظم مدارك العقل الذي هو مدار التكليف قالوا: نسمع، أي سماعا ينفع بالقبول للحق والرد للباطل، أو نعقل، أي بما أدته إلينا حاسة السمع وغيرها عقلا ينجي".
وأيضا ربط الله -تعالى- السمع بالطاعة؛ فقال: (وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا)[التغابن:16]، وقال:(وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ)[النساء:46].
وأيضا ربطه بالبشارة؛ فقال: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)[الزمر:17،18]، وجعله الله-تعالى-معياراً لخيرية الإنسان، ودليلاً على علم الخير فيه، وانتفاؤه هو انتفاء للخير فيه؛ قال: (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ)[الأنفال:23].
بالجملة السمع الذي أراده الله -تعالى- من عباده المؤمنين هو سماع القبول والاستجابة الذي يتضمن أنواع السماع كلها؛ أدركوا المسموع وفهموه، واستجابوا له، وعملوا بمقتضاه.
ومن بديع الاحتفاء أن كلمة (السمع) لم تأت في القرآن إلا مفردة لأن السمع واحد لا يتكرر، أما الأبصار فإنها متعددة وللإنسان قدرة على سد منافذ البصر، لكن ليس له قدرة على سد منافذ السمع.
والقرآن فرّق بين السماع والاستماع والإصغاء والإنصات، وكلها مشتقات من أصل الحاسة أو النعمة، فرّق بينهم بطريقة بليغة ودقيقة ومناسبة للموقف: فالسمع يكون بقصد ومن دون قصد، وهو مطلق السمع أو السمع المجرد؛ قال-تعالى-:(وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ)[القصص: 55].
أما الاستماع فيكون بقصد ونية نحو المسموع من أجل التبين والفهم، وهو ما يسبق عملية الاستجابة أو الإعراض؛ قال الله-تعالى-: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ)[الأحقاف: 29].
والإصغاء يكون السمع فيه بتركيز وتأثر وتفاعل القلب والمشاعر؛ قال-تعالى-: (إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا)[التحريم: 4].
وأعلاها الإنصات هو ترك الأشغال والسكوت والتفرغ للاستماع، وحضور القلب وشهود العقل؛ قال -تعالى-: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[الأعراف: 204]، وعن أبي موسى الأشعري قال؛ قال رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلم-: "إنما جُعِل الإمام ليؤتمّ به فإذا كبّر فكبّروا وإذا قرأ فأنصتوا"(أخرجه مسلم في صحيحه ورواه أهل السنن).
السمّاع بين الحق والهوى
قال ابن خلدون: "السمع أبو الملكات اللسانية"، وعلل ذلك بما كان في ماضي العرب من الأخذ والتلقي عن بعضهم بالسماع والرواية؛ فالقدرة على الحفظ السريع من المتحدث والنقل عنه لا بد له من سمع يسبقه لتقوم عليه الرواية، فالسمع كان ملكة في ألسنة العرب، يأخذها الآخر عن الأول، واللاحق عن السابق.
وبالتالي فمسؤولية المسلم تجاه حواسه عامة وسمعه خاصة من أهم المسئوليات وأدقها؛ قال الله -تعالى-: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)[الإسراء:36].
والقرآن الكريم قد بيّن لنا استخدام أهل الحق لنعمة السمّع التي منحت إليهم بأنفع سبيل، ومنها:
1-الاستماع إلى القرآن الكريم: الذي هو نور الوحي ومادة حياة القلب وروح المؤمن؛ قال-تعالى-: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[الأعراف:204]، ورتب على حسن الاستماع للقرآن الهداية والحكمة والعقل الراجح؛ قال-تعالى-: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)[الزمر:18]، وجعل من سمات المؤمنين أنهم بمجرد سماع أوامر الله -تعالى- فإنهم يطيعون؛ قال تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[النور:51].
أما من خذلهم الله -عز وجل- وصرفهم عن الاستماع لنور السماء فإن عصاة مارقون لا ينتفعون بسماع، ولم تنبت شجرة الهداية في قلوبهم بسبب إعراضهم عن السماع؛ قال-تعالى-: (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ)[الملك:10]، وقال: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا)[البقرة:93].
والاستماع للقرآن الكريم سيقود المستمع إلى التدبر في الآيات الكونية والتعرف على قصص الأوليين وأخبار المرسلين ومصير المكذبين وعاقبة المتقين؛ قال-تعالى-:(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)[يونس:67]، وقال:(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)[السجدة:26]، وهكذا نرى كيف اهتم الإسلام بحاسة السمع التي هي آلة مهمة في معرفة الحقائق في كل من الكتب الثلاثة: كتاب الله المسطور؛ القرآن، وكتاب الله المنظور؛ الكون، وكتاب الله المأثور؛ تاريخ الأمم السابقة.
2-الاستماع للعلوم النافعة: وأنفع العلوم؛ العلم بالله وأسمائه وصفاته وعقيدته وشريعته، بمعرفة أحكام الدين التي يقيم بها المسلم دينه ويضبط عبادته وينظم علاقاته مع الآخرين، وما يلزمه من أجل سياسة دنياه بدينه بمعرفة الحلال والحرام في معاملاته وأمور دنياه. قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "نضر الله امرأ سمع منا حديثا فبلغه، فرب مبلغ أحفظ من سامع" أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد وهو حسن صحيح.
ومن الاستماع النافع: الاستماع إلى العلوم التجريبية النافعة للمسلمين في أمور دنياهم والتي تساعدهم على استعادة أمجاد حضارتهم التليدة، والخروج من التبعية المهينة للغرب الذي يتحكم في قرار المسلمين ويتدخل في شئونهم ويمس سيادتهم بسبب التخلف العلمي والتقني الذي أصبحت عليه الأمة الإسلامية اليوم. ويكفي فخراً أن المسلمين في عصر السماع النافع للعلوم التجريبية كانوا هم رواد ومشيدي لبنات أعظم حضارة عرفتها البشرية.
3-صيانة السمع من الأمور الضارة: وهو من أهم أولويات المسلم في العصر الحديث، فالعصف الذهني المرئي والمسموع عبر الوسائط الكثيرة للإعلام وضعت المسلم على خط النار؛ فالإعلام العالمي يشن حملات لا هوادة فيها على عقول ونفوس وقلوب المسلمين من أجل صرفهم عن دينهم!!
فالمسلم يجب أن يصون سمعه من أمور كثيرة مثل الغيبة والنميمة واللغو والفحش والخنا والزور، يصون سمعه من خمر النفوس وقرآن الشيطان؛ الأغاني والمعازف. يصون سمعه من الاستماع إلى الأكاذيب والافتراءات والشائعات خاصة تلك التي تعلق بأعراض العفيفات الطاهرات؛ ففي حادث الإفك الشهيرة عاتب الله -تعالى- من سمع الشائعات عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- ولم ينكر أو يرد الكلام؛ قال-تعالى-: (وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ)[النور:16].
كما يجب صيانة السمع عن الاستماع للخائضين في ذم الدين؛ فقد نهى الله -تعالى- المؤمنين أن يجلسوا في مجلس فيه كفر بالله وآياته، أو فيه استهزاء بأي شيء متعلق بالإسلام؛ قال-تعالى-: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)[النساء:140].
والاستهزاء بآيات الله -عز وجل- في العصر الحديث له أشكال كثيرة ذات إطارات جذابة وأغلفة براقة، وليس كما كان يحدث من قبل بصورة واحدة ومن جهة معروفة -المنافقين- ولكنه اليوم قد يأتي على لسان مغني أو مغنية في حفلة أو مهرجان، وقد يأتي على لسان نكتة يلقيها ممثل أو هاتك في فيلم أو مسلسل أو إعلان، وقد يأتي على مقال يكتبه علماني أو ملحد في موقع أو جرنال، وهكذا، مما ينبغي الحذر منه والابتعاد عنه وصيانة السمع منه.
أهل الحق سمعوا وفهموا وأطاعوا واتبعوا فكافأهم ربهم في الآخرة بخير سمّاع؛ قال تعالى: (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا تَأْثِيماً. إِلَّا قِيلاً سَلَاماً سَلَاماً)[الواقعة:25-26]، وصرف عنهم شر السمّاع؛ سماع صوت جهنم؛ قال-تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ)[الأنبياء:102-101].
وأهل الهوى لما اتبعوا شهواتهم وأغلقوا آذانهم فسمعوا ولم يفهموا ولم يعقلوا ولم يطيعوا، لما جعلوا السمع وسيلة للفساد والضلال، كان الجزاء من جنس العمل، حرموا السمع في الآخرة كما عطلوه في الدنيا؛ قال-تعالى-: (لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ)[الأنبياء:100].
التعليقات