جواز طرد المؤذي للمصلين في صلاتهم بأقواله وأفعاله من المسجد
يجب على المسلمين أن يراعوا رفعة بيوت الله تعالى ، وتطهيرها من الأقوال والأفعال غير اللائقة بتلك البيوت ، قال الله تعالى : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ . رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ) النور/36 ، 37 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) أي : أمر الله تعالى برفعها ، أي : بتطهيرها من الدنس ، واللغو ، والأفعال والأقوال التي لا تليق فيها ، كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية الكريمة : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) قال : نهى الله سبحانه عن اللغو فيها " انتهى .
"تفسير ابن كثير" (6/62) .
و لا يحل لأحدٍ أن يجهر بالقرآن أو الذِّكر فيشوش على غيره من المصلين .
فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ : اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ : ( أَلاَ إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ ، فَلاَ يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ، وَلاَ يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِى الْقِرَاءَةِ ) ، أَوْ قَالَ : ( فِي الصَّلاَةِ ) رواه أبو داود ( 1332 ) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
فمن يشوش على الناس صلاتهم برفع صوته : فهي أذية لهم ، وعلى الناس تنبيهه وزجره ، فإن لم يرتدع : جاز طرده من المسجد ، وإن كان مريضاً أو مجنوناً : فيُخاطب وليُّه بمنعه من دخول المسجد ، فإن لم يستجب الولي ، أو ذلك المؤذي : جاز طرده من المسجد ؛ صيانةً لبيوت الله من العبث فيها ؛ وحفاظاً على صلاة الناس وعبادتهم ، وطرد هذا أولى من طرد المؤذي للناس برائحة البصل والثوم .
فعن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قال : ( إِنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لاَ أَرَاهُمَا إِلاَّ خَبِيثَتَيْنِ ، هَذَا الْبَصَلَ وَالثُّومَ ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ ، فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا ) رواه مسلم ( 567 ) .
قال القرطبي رحمه الله :
" قال العلماء : وإذا كانت العلة في إخراجه من المسجد أنه يُتأذى به : ففي القياس : أنَّ كلَّ من تأذى به جيرانه في المسجد بأن يكون ذرب اللسان [سليط اللسان] ، سفيهاً عليهم ، أو كان ذا رائحة قبيحة ، أو عاهة مؤذية كالجذام ، وشبهه ، وكل ما يتأذى به الناس : كان لهم إخراجه ، ما كانت العلة موجودة حتى تزول .
قال أبو عمر بن عبد البر : وقد شاهدتُ شيخنا أبا عمر أحمد بن عبد الملك بن هشام رحمه الله أفتى في رجل شكاه جيرانه ، واتفقوا عليه أنه يؤذيهم في المسجد بلسانه ، ويده ، فشُوور فيه ، فأفتى بإخراجه من المسجد ، وإبعاده عنه ، وألا يشاهِد معهم الصلاة ، إذ لا سبيل مع جنونه واستطالته إلى السلامة منه ، فذاكرتُه يوماً أمره ، وطالبته بالدليل فيما أفتى به من ذلك ، وراجعته فيه القول ، فاستدل بحديث " الثُوْم " ، وقال : هو عندي أكثر أذى من أكل الثوم ، وصاحبه يُمنع من شهود الجماعة في المسجد " انتهى من "تفسير القرطبي" (12/267 ، 268 ) باختصار .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : يوجد في قريتنا شاب مختل العقل ، ويقلد الناس في كل شيء ، ويحضر للجامع عند كل صلاة ويصف مع الناس للصلاة ، ولكنه يركع قبل الإمام ، ويسجد أيضاً كما يشاء ، وكل أفعاله تخالف أفعال المصلين لدرجة أننا تضايقنا منه ، هل يجوز لنا أن نمنعه من الحضور للمسجد ؟ .
فأجاب :
" هذا الرجل المختل العقل : لا شك أن حضوره إلى المسجد على هذا الوجه الذي ذكره السائل موجب لانشغال المصلين به ، ولهذا أوجه النصيحة إلى وليِّه أن يمنعه من الحضور إلى المسجد ؛ لما في ذلك من أذية المصلين ، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي رآه يتخطى رقاب الناس وهو يخطب الناس يوم الجمعة ، فقطع النبي صلى الله عليه وسلم خطبته وقال له : ( اجلس فقد آذيت ) : فإنَّ ما ذكره السائل عن هذا الرجل أشد إيذاءً من تخطي الرقاب ؛ لأن متخطي الرقاب غاية ما يكون منه أن يشغل الناس عن استماع الخطبة ، أما هذا فإنه يشغل الناس عن الخشوع في الصلاة ، وحضور القلب فيها ، فأكرر النصيحة لوليه أن يمنعه من حضور المسجد تفادياً لإيذائه ، وإذا كان وليه لا يسمع ما أقول : فإني أقول لكم أنتم أهل المسجد : اتصلوا بوليِّه ، واطلبوا منه منعه ، فإن وافق على ذلك : فهو المطلوب ، وإن لم يوافق : فاتصلوا بالجهات المسؤولة عن المساجد لمنعه ، فإن لم يكن هناك مسؤول عن المساجد : فلكم أن تمنعوه ، وليكن هذا بواسطة الإمام ، أو المؤذن ؛ لأنهما أقرب مسؤول عن المسجد ؛ ولئلا تحصل الفوضى والنزاع بينكم وبين وليه ؛ لأنه إذا كان الأمر قد أتى من إمام المسجد أو مؤذنه : كان أهون على الناس" انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" ( شريط 209 ، وجه : ب ) . فعلى هذا ؛ يجوز منع المؤذي من دخول المسجد ، إن لم يكف عن إيذاء المصلين برفع صوته والتشويش عليهم .
التعليقات