هل يعيد تحية المسجد إذا خرج للوضوء؟
روى البخاري (444)، ومسلم (714) عَنْ أَبِي قَتَادَةَ السَّلَمِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ).
وتحيّة المسجد سنة عند جماهير العلماء.
قال ابن رجب رحمه الله تعالى:
" وفي الحديث: الأمر لمن دخل المسجد أن يركع ركعتين قبل جلوسه.
وهذا الأمر على الاستحباب دون الوجوب عند جميع العلماء المعتد بهم؛ وإنما يحكى القول بوجوبه عن بعض أهل الظاهر.
وإنما اختلف العلماء: هل يكره الجلوس قبل الصلاة أم لا؟
فروي عن طائفة منهم كراهة ذلك، منهم: أبو سلمة بن عبد الرحمن، وهو قول أصحاب الشافعي.
ورخص فيه آخرون، منهم: القاسم بن محمد، وابن أبي ذئب، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه " انتهى من "فتح الباري" (3/ 270 – 271).
ثانيا:
من تكرر دخوله هل يكره له الجلوس حتى يصلي ركعتين؟
هذه المسألة محل خلاف.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (10/305):
" وأما إذا تكرر دخوله، فذهب الحنفية، والمالكية - إن قرب رجوعه له عرفا - والشافعية في قول مقابل الأصح عندهم: إلى أنه تكفيه لكل يوم مرة.
والأصح عند الشافعية: تكرر التحية بتكرر الدخول على قرب، كالبعد.
وإذا كانت المساجد متلاصقة، فتسن التحية لكل واحد منها " انتهى.
وينظر أيضا للفائدة، في ذكر خلاف العلماء في هذه المسألة، ومأخذ كل قول: "أحكام تحية المسجد" للشيخ دبيان بن محمد الدبيان، حفظه الله: (10-13).
وقال المرداوي رحمه الله تعالى في "تصحيح الفروع":
" إذا تكرر منه دخول المسجد، فهل يعيد التحية أم لا؟
وجّه المصنّف -يعني: ابن مفلح - أنّها كالسجود- أي سجود التلاوة -.
قلت: وتشبه أيضا إجابة مؤذن ثانيا وثالثا، إذا سمعه مرة بعد أخرى، وكان مشروعا، فإن صاحب "القواعد الأصولية" قال تبعا للمصنّف: ظاهر كلام أصحابنا يستحب ذلك، واختاره الشيخ تقي الدين.
فعلى هذا يعيد التحية إذا دخله مرارا من غير قصد الصلاة.
وقال ابن عقيل: لا يصلي المقيمُ التحية لتكرار دخوله؛ للمشقة " انتهى من "الفروع وتصحيح الفروع" (2/308).
فيظهر أن القول بعدم تكرار الصلاة بتكرار الدخول فيه مراعاة رفع الحرج.
قال المازري رحمه الله تعالى:
" وقد قال بعض أصحابنا: إن من تكرر دخوله إلى المسجد فإنه تسقط عنه تحية المسجد كما أن المختلفين إلى مكة والمترددين إليها من الحطّابين وأهل الفاكهة يسقط عنهم الدخول بالإِحرام، وكذلك أسقطوا سجود التلاوة عن القرأة والمقرئين " انتهى من "المعلم بفوائد مسلم" (1/ 448).
وينظر: "تحفة الراكع والساجد بأحكام المساجد"، للجراعي (382).
وقد أفتى الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله، بسقوط تحية المسجد عمن كان فيه، وخرج، ومن نيته أن يعود إليه، كما هي صورة ما جاء في السؤال هنا.
سئل الشيخ رحمه الله:
" دخلت المسجد وصليت ركعتين تحية المسجد وخرجت بنية الرجوع، فإذا رجعت هل يلزمني أصلي ركعتين؟".
فأجاب:
" إذا خرج الإنسان من المسجد بنية الرجوع : فإن رجع عن قرب : فإنه لا يصلي تحية المسجد مثل لو خرج يتوضأ ورجع أو خرج يأتي بكتاب من البيت ورجع أو خرج يكلم إنسانا ورجع هذا لا يصلي لأن الوقت قصير أما إذا طال الوقت فليصل ركعتين كلنا إذا صلينا الظهر نخرج من المسجد بنية الرجوع إلى صلاة العصر، فهل نقول إذا رجعنا لصلاة العصر لا نصلي ؟ ..
المهم أنه إذا كان لشغل يرجع به قريب: فهذا لا يصلي؛ اكتفاء بالأول ..
السائل : الدليل؟
الشيخ : أن الرسول عليه الصلاة والسلام أذن للمعتكف أن يخرج للحاجة إلى بيته ثم يرجع. فدل هذا على أن الخروج اليسير لا يعتبر خروجا من المسجد، فكأن هذا الذي خرج من المسجد، وهو بنية الرجوع عن قرب: كأنه لم يخرج منه .
السائل : ليس فيه دليل لإسقاطها .
الشيخ : نعم .
السائل : ليس فيه دليل على ... في إسقاطها .
الشيخ : لا لا فيه دليل قلت لك إذا خرج المعتكف أصل المعتكف لا يجوز أن يخرج من المسجد فلم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخروج قاطعا للاعتكاف إذن فكأنه لا زال في المسجد... هذا يعتبر داخل المسجد؛ يعني لا يعتبر خارجا منه، هذا دخل الدخول الأول وخروجه للحاجة التي رجع قريبا، كأنه لم يخرج، كأنه لا يزال باقي ... " انتهى، من "لقاء الباب المفتوح" (125/30) – ترقيم الشاملة – باختصار. وينظر أيضا اللقاء رقم (76/26).
وأفتى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى بالقول الثاني في المسألة، وأنه يصلي تحية المسجد، وإن كان خرج منه على نية الرجوع. فقد سئل:
" إذا كان الشخص في درس ثم ذهب إلى دورة المياه وعاد هل يعيد تحية المسجد؟
فأجاب:
يأتي بتحية المسجد إذا راح وتطهر وجاء، يصلي تحية المسجد، سنة الوضوء وسنة التحية جميعا " انتهى. من "فتاوى الدروس".
والأمر في ذلك واسع إن شاء الله، فيسع من كان جالسا لدرس، أو لأمر، وخرج من المسجد، ثم عاد: ألا يصلي تحية المسجد؛ لا سيما إن تكرر منه ذلك، أو شق عليه.
التعليقات