"أما بعد، أيها الناس، فقدِّموا لأنفسكم، تَعْلَمُنَّ، والله ليُصْعَقَنَّ أحدُكم، ثم ليَدَعَنَّ غنمه ليس لها راعٍ، ثم ليقولَنَّ له ربُّه، وليس له تَرجمان ولا حاجب يَحجبه دونه: ألم يأتك رسولي، فبلَّغك، وآتيتُك مالاً، وأفضَلت عليك؟ فما قدَّمت لنفسك؟ فليَنظرُنَّ يمينًا وشمالاً، فلا يرى شيئًا، ثم لينظرُنَّ قُدَّامه، فلا يرى غير جَهنَّم، فمن استطاع أن يَقِيَ وجهه من النار ولو بشِقِّ من تمرة، فليَفعل، ومن لم يجد، فبكلمة طيِّبة؛ فإن بها تُجزى الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضِعف، والسلام عليكم وعلى رسول الله ورحمة الله وبركاته".
وهناك الخُطب السياسية كتلك التي خطَبها أبو بكر عند تولِّيه أمور خلافة المسلمين بعد وفاة الرسول، وكخطبة زياد بن أبيه في البصرة، يتهدَّد أهل العراق، وهي المسماة بـ"البتراء"؛ لأنها -كما يَروُون- قد خلَت من تحميد الله، وإن كان هناك من يقول: بل حمِد زياد فيها ربَّه كسائر الخُطباء المسلمين؛ ذلك أن من تقاليد الخطابة الإسلامية أن يَفتتح الخطباء كلامهم بحمد الله، وإلا سُمِّيت الخطبة: "بتراء"، وأن يُوَشُّوها ببعض آيات القرآن المجيد، وبالصلاة على النبي -الكريم-، وإلا نبَزوها بأنها "شَوْهَاء".
وهناك كذلك خُطب الحجاج، وخُطب خلفاء بني العباس، وخلفاء الفاطميين ووُزرائهم، ورجال دولتهم...، وهناك الخطب الحربية؛ كالخطبة المنسوبة إلى طارق بن زياد حين حطَّ هو وجنوده رِحالهم على أراضي شبه جزية أيبيريا، وهي -على قِصَرها الشديد- من أشهر الخطب في تاريخ الأدب العربي، وهناك -أيضًا- الخُطب المذهبية؛ كخطب بشَّار، وواصل بن عطاء، والشريف الرَّضي، والخطب الوعظية؛ كخطب الحسن البصري، وكذلك ابن نباتة، الذي ترَك وراءه كتاب خُطبٍ كاملاً، وإن لم يَنفرد بين علمائنا القدامى بهذا؛ إذ لكثير من علماء العصور المتأخرة دواوينُ خُطب مثله.
وهناك لون من الخطب جَدَّ في العصر الحديث، هو الخطب القانونية؛ كخطب المحامين والنواب العموميين... وكذا هناك نوع من الخطب، هي خطب السياسة المعاصرة...
التعليقات