عدم صحة الصلاة في المسجد الذي به قبر

لا تجوز الصلاة في مسجد بني على قبر ، أو وضع فيه قبر ؛ للأحاديث الواردة في لعن من اتخذ القبور مساجد . ولا تصح الصلاة في هذا المسجد ، على الراجح من كلام أهل العلم ، وعليه فيلزمك إعادة الصلاة .

سئل الشيخ ابن باز رحمه الله ما نصه : " هل تصح الصلاة في المساجد التي يوجد فيها قبور؟
فأجاب : المساجد التي فيها قبور لا يصلى فيها، ويجب أن تنبش القبور وينقل رفاتها إلى المقابر العامة ، يجعل رفات كل قبر في حفرة خاصة كسائر القبور، ولا يجوز أن يبقى في المساجد قبور ، لا قبر ولي ولا غيره ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى وحذر من ذلك، ولعن اليهود والنصارى على عملهم ذلك ، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) قالت عائشة رضي الله عنها: ( يُحذّر ما صنعوا ) متفق عليه.
وقال عليه الصلاة والسلام لما أخبرته أم سلمة وأم حبيبة بكنيسة في الحبشة فيها تصاوير فقال: ( أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله ) متفق على صحته ، وقال عليه الصلاة والسلام: ( ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك ) خرجه مسلم في صحيحه، عن جندب بن عبد الله البجلي. فنهى عن اتخاذ القبور مساجد عليه الصلاة والسلام ولعن من فعل ذلك، وأخبر: أنهم شرار الخلق ، فالواجب الحذر من ذلك. ومعلوم أن كل من صلى عند قبر فقد اتخذه مسجداً ، ومن بنى عليه مسجداً فقد اتخذه مسجداً ، فالواجب أن تبعد القبور عن المساجد ، وألا يجعل فيها قبور ؛ امتثالاً لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، وحذراً من اللعنة التي صدرت من ربنا عز وجل لمن بنى المساجد على القبور ؛ لأنه إذا صلى في مسجد فيه قبور قد يزين له الشيطان دعوة الميت ، أو الاستغاثة به ، أو الصلاة له ، أو السجود له ، فيقع الشرك الأكبر، ولأن هذا من عمل اليهود والنصارى ، فوجب أن نخالفهم ، وأن نبتعد عن طريقهم ، وعن عملهم السيئ .
لكن لو كانت القبور هي القديمة ثم بني عليها المسجد فالواجب هدمه وإزالته؛ لأنه هو المحدث، كما نص على ذلك أهل العلم؛ حسماً لأسباب الشرك وسدا لذرائعه.
هنا شبهة يشبه بها عباد القبور، وهي وجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده.
والجواب عن ذلك: أن الصحابة رضي الله عنهم لم يدفنوه في مسجده، وإنما دفنوه في بيت عائشة رضي الله عنها، فلما وسع الوليد بن عبد الملك مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في آخر القرن الأول أدخل الحجرة في المسجد، وقد أساء في ذلك، وأنكر عليه بعض أهل العلم، ولكنه اعتقد أن ذلك لا بأس به من أجل التوسعة. ­فلا يجوز لمسلم أن يحتج بذلك على بناء المساجد على القبور، أو الدفن في المساجد؛ لأن ذلك مخالف للأحاديث الصحيحة؛ ولأن ذلك أيضاً من وسائل الشرك بأصحاب القبور، والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (5/388).
ومما يدل على عدم صحة الصلاة في المسجد الذي به قبر ، ما روى الترمذي (317) وأبو داود (492) وابن ماجه (745) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ ) والحديث صححه ابن خزيمة وابن حبان والألباني ، وينظر : صحيح سنن الترمذي .
قال في زاد المستقنع : " ولا تصح الصلاة في مقبرة ".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه : " قوله :  ولا تصح الصلاة في مقبرة  نفي الصحة يقتضي الفساد ؛ لأن كل عبادة إما أن تكون صحيحة ، وإما أن تكون فاسدة ، ولا واسطة بينهما ، فهما نقيضان شرعا ، فإذا انتفت الصحة ثبت الفساد .
وقوله :  الصلاة  يعم كل ما يسمى صلاة ، سواء كانت فريضة أم نافلة ، وسواء كانت الصلاة ذات ركوع وسجود أم لم تكن ؛ لأنه قال :  الصلاة  وعليه فيشمل صلاة الجنازة فلا تصح في المقبرة . لكن قد دلت الأدلة على استثناء صلاة الجنازة ، كما سنذكره إن شاء الله ، وعلى هذا ؛ فالمراد بالصلاة ما سوى صلاة الجنازة ...
فإذا قال قائل : ما الدليل على عدم صحة الصلاة في المقبرة ؟ .
قلنا : الدليل :
أولا : قول النبي صلى الله عليه وسلم :  الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام  ، وهذا استثناء ، والاستثناء معيار العموم .
ثانيا : قول النبي صلى الله عليه وسلم :  لعن الله اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد  والمساجد هنا قد تكون أعم من البناء ؛ لأنه قد يراد به المكان الذي يبنى ، وقد يراد به المكان الذي يتخذ مسجدا وإن لم يبن ؛ لأن المساجد جمع مسجد ، والمسجد مكان السجود ، فيكون هذا أعم من البناء .
ثالثا : تعليل ؛ وهو أن الصلاة في المقبرة قد تتخذ ذريعة إلى عبادة القبور ، أو إلى التشبه بمن يعبد القبور ، ولهذا لما كان الكفار يسجدون للشمس عند طلوعها وغروبها ، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند طلوعها وغروبها ؛ لئلا يتخذ ذريعة إلى أن تعبد الشمس من دون الله ، أو إلى أن يتشبه بالكفار .
وأما من علل ذلك بأن علة النهي عن الصلاة في المقبرة خشية أن تكون المقبرة نجسة ، فهذا تعليل عليل ، بل ميت لم تحل فيه الروح " انتهى من "الشرح الممتع" (2/237).
وسئل رحمه الله : " عن حكم الصلاة في مسجد في قبلته قبر ؟
فأجاب بقوله : لا يجوز أن يوضع في المسجد قبر ، لا في قبلته ولا خلف المصلين ، ولا عن أيمانهم ، ولا عن شمائلهم ، وإذا دفن أحد في المسجد ولو كان هو المؤسس له فإنه يجب أن ينبش هذا القبر وأن يدفن مع الناس ، أما إذا كان القبر سابقا على المسجد وبني المسجد عليه ، فإنه يجب أن يهدم المسجد وأن يبعد عن القبر ، لأن فتنة القبور في المساجد عظيمة جدا فربما يدعو إلى عبادة هذا المقبور ولو بعد زمن بعيد ، وربما يدعو إلى الغلو فيه ، وإلى التبرك به وهذا خطر عظيم على المسلمين ، لكن إن كان القبر سابقا وجب أن يهدم المسجد ويغير مكانه ، وإن كان المسجد هو الأول فإنه يجب أن يخرج هذا الميت من قبره ويدفن مع المسلمين ، والصلاة إلى القبر محرمة ولا تصح الصلاة إلى القبر لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تصلوا إلى القبور ) . والله المستعان " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/374).

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.