ثبت فضل التبكير إلى صلاة الجمعة، وأن المصلين يتفاضلون في الأجر بحسب التبكير، كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ المَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ رواه البخاري(881)، ومسلم(850).
والذي يفهم من هذا: أن الفضل يعود لمن بكر وجلس ينتظر الصلاة.وأما من جاء مبكرا ثم خرج لحاجة له ثم عاد، فالذي يظهر: أنه يفرق بين المعذور وغيره .
فمن خرج لحاجة ماسة كقضاء الحاجة والوضوء، أو شيء عرض له ، لا يمكنه تأجيله ، فهذا معذور، فيرجى له حصول الأجر كاملا .
وأما من خرج لحاجة غير ماسة ويمكن تأخيرها لما بعد الصلاة ، فهذا قد قطع انتظاره للصلاة ، فليس له من الثواب إلا بمقدار ما عمل .ونظير ذلك: خروج المعتكف من المسجد يبطل الاعتكاف ، لأن الاعتكاف هو المكث في المسجد لطاعة الله تعالى .
إلا إذا خرج لما لا بد منه ، كقضاء الحاجة ، والوضوء ، والاغتسال ، وإحضار الطعام إذا كان ليس له من يحضره له إلى المسجد ، ونحو ذلك من الأمور التي لا بد منها ولا يمكن فعلها في المسجد .
وقال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله:
" وفي حديث علقمة مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: دليل على حرص الصحابة على التقدم في الجمعة، وعلى تأسفهم إذا وجدوا غيرهم قد سبقهم، لقول ابن مسعود: (رابع أربعة)؟! كأنه انتقد نفسه، وأحب أن يكون هو الأول.
والمراد تقدم الإنسان في نفسه، لا بمنديله ولا بكتابه ولا بكرسي المصاحف، كما يفعل بعض الناس اليوم، تجده يضع المنديل بعضهم يضع المسواك بعضهم يضع المفاتيح ... فالمراد بالتقدم إلى الجمعة: أن يتقدم الإنسان بنفسه.
ولهذا اختلف العلماء رحمهم الله في جواز وضع الشيء في المكان ليحجزه لنفسه؟ فمنهم من أجاز ذلك، ومنهم من منعه؛ فمن أجازه قال إن النبي صلى الله عليه وسلم أذن ببناء الخيمة في المسجد، وهذا نوع من الحجز لأن مكان الخيمة لن يصلي فيه أحد ولن يستقر فيه إلا صاحبه، ومنهم من منع ذلك وقال إنه لا يجوز وأن هذا تحجر لمكانٍ غيرُه أحق به منه.
والراجح التفصيل في هذا: أنه إذا وضع هذا الشيء ليحجز به المكان، وهو قد خرج من المسجد لعذر وسيعود بعد انتهاء عذره؛ فإن هذا لا بأس به لحاجة الإنسان إلى الخروج.
وإن كان وضع هذا المكان وخرج إلى بيته وأهله ومتجره؛ فهذا جناية على من سبق، لأنه أحق بهذا المكان منه" انتهى من "التعليق على الكافي" (2/221).
التعليقات