حكم تخصيص شهر رمضان ببعض الأطعمة
اعتياد بعض الناس تخصيص شهر رمضان بمطعومات معينة، من الحلوى وغيرها، لا شيء فيه، ولا يدخل في البدع؛ لأنهم لا يتقربون إلى الله بهذا التخصيص، وإنما هو من قبيل العادة.
والبدعة هي الإحداث في الدين؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ رواه البخاري (2697) ، ومسلم (1718).
وقوله صلى الله عليه وسلم: مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ رواه مسلم (1718).
والبدعة الإضافية كما قال الشاطبي رحمه الله: " طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية ...
ومنها: التزام العبادات المعينة في أوقات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان وقيام ليلته" انتهى من "الاعتصام" (1/ 51).
وأما التزام العادات المعينة ، في أوقات معينة، فلا يدخل في حد البدعة.
وفي "صحيح البخاري" (5403) ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ:
"إِنْ كُنَّا لَنَفْرَحُ بِيَوْمِ الجُمُعَةِ، كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تَأْخُذُ أُصُولَ السِّلْقِ، فَتَجْعَلُهُ فِي قِدْرٍ لَهَا، فَتَجْعَلُ فِيهِ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ، إِذَا صَلَّيْنَا زُرْنَاهَا فَقَرَّبَتْهُ إِلَيْنَا، وَكُنَّا نَفْرَحُ بِيَوْمِ الجُمُعَةِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَمَا كُنَّا نَتَغَدَّى، وَلاَ نَقِيلُ إِلَّا بَعْدَ الجُمُعَةِ، وَاللَّهِ مَا فِيهِ شَحْمٌ وَلاَ وَدَكٌ".
ففي هذا الحديث : أن الصحابية كانت تصنع طعامها هذا ، في يوم الجمعة خاصة ، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتحينون يوم الجمعة ، ويفرحون به ، لأجل ما يصيبون من هذا الطعام عندها.
فهل يقال: إن هذا بدعة ؟!
أو : ما الفرق بين ما يصنع في شهر رمضان ، وما كان يعتاده أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة ؟!
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: "ولو سمع ما يقال عن العوائد بأَنها بدع محدثة ، لاعتبر جميع ما لم يكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعهد أَصحابه ، من المآكل والمشارب والملابس والمراكب، وكافة أَنواع وسائل الحياة، مما استحدث بعد تلك العهود من البدع والمنكرات !!
والقول بذلك في غاية السقوط والبطلان ، والجهل التام بأصول الدين ومقاصده.
وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في معنى البدعة واضح جلي.
ولا يخفى على أُولي البصائر والأَفهام ، أَن القصد بالإِحداث المردود : ما كان في الدين ، كالزيادة فيه، أَو التزام طريقة لم يلتزم بها الرسول عليه الصلاة والسلام" انتهى من "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (2/ 128).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" الفرق بين العادة والعبادة:
أن العبادة : ما أمر الله به ورسوله تقرباً إلى الله، وابتغاءً لثوابه .
وأما العادة: فهي ما اعتاده الناس فيما بينهم، من المطاعم والمشارب والمساكن والملابس والمراكب والمعاملات ، وما أشبهها.
وهناك فرق آخر: وهو أن العبادات الأصل فيها المنع والتحريم ، حتى يقوم دليل على أنها من العبادات، لقول الله تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الله) الشورى/21، أما العادات : فالأصل فيها الحل إلا ما قام الدليل على منعه.
وعلى هذا، فإذا اعتاد الناس شيئاً ، وقال لهم بعض الناس: هذا حرام، فإنه يطالب بالدليل، يقال: أين الدليل على أنه حرام؟
وأما العبادات : فإذا قيل للإنسان: هذه العبادة بدعة، فقال: ليست ببدعة، قلنا له: أين الدليل على أنها ليست ببدعة، لأن الأصل في العبادات المنع ، حتى يقوم دليل على أنها مشروعة " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (72 / 2) .
وقال أيضاً: " البدعة شرعًا ضابطها: " التعبد لله بما لم يشرعه الله".
وإن شئت فقل: " التعبد لله تعالى بما ليس عليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا خلفاؤه الراشدون". فكل من تعبد لله بشيء لم يشرعه الله، أو بشيء لم يكن عليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخلفاؤه الراشدون = فهو مبتدع ، سواء كان ذلك التعبد فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته ، أو فيما يتعلق بأحكامه وشرعه.
أما الأمور العادية التي تتبع العادة والعرف : فهذه لا تسمى بدعة في الدين ، وإن كانت تسمى بدعة في اللغة، ولكن ليست بدعة في الدين ، وليست هي التي حذر منها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انتهى من" مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (2 / 292).
التعليقات