الوسائل الهامة لعلاج الخجل في الخطابة

 هذه بعض الوسائل الهامَّة في علاج الخجَل والتغلُّب عليه، أو احتوائه عند ارتقاء المنبر وإلقاء الموعِظة، أو مَن كان حديث عهدٍ به، الذي من شأنه - أي الخجَل - أن يَحُول بين الواعِظ وبين المستمعين، والتحدُّث إليهم ومخاطبتهم، ومن الله التوفيقُ والسَّداد...

 والخجلحالة نفسيَّة (تُفقِد الإنسان قدراته، أو يتهيأ له أنَّه قد افتقد قدراته ومهاراته الاجتماعية المطلوبة للتفاعل مع موقفٍ معيَّن، وله أعراضٌ (تَظهر في شكل تلَعثُمٍ أو احمرار في الوجه، وربَّما رعشة، وتسارع في ضربات القلب، أو التعرق وله أسباب عدَّة، بعضها وراثي بكونه يلعب دورًا فيه، وبعضه بسبب التنشئة الأسريَّة وتأثير الأبوين على الأبناء، والأسلوب التربوي، والحماية المفرطة، والخوف الزائد عليه ونحوها.
 والخجَل في الخطابة وإلقاء الدَّرسنوعٌ منه يمكن معالجتُه من خلال اكتساب المهارات، والتدرُّب على الإلقاء، والتحدُّث إلى النَّاس، ومخالطة المجتمع، وهو ما سنحاول في هذه العجالَة بيانَه وتوضيحه، ونوعٌ منه يَحتاج إلى جهدٍ وجهاد ومثابرَة، وهو الخجل الناتج عن التعرُّض لسحرٍ أو مسٍّ شيطاني، فبالرغم من امتلاك الخطيب المقدرةَ الكلاميَّة، والأساليب البيانيَّة، وقوة الشخصيَّة، والثِّقة بالنَّفس، لكنَّه يَشعر أنَّ هناك مَن يقيِّد تفكيرَه، ويكبِّل إرادته، ويؤثِّر في عقله، فيجعله شارد الذِّهن كثير النسيان، ويقف الخطيب إزاء ذلك عاجزًا عن أداء مهمَّة الخطابة، غير قادر على إكمال ما بدأ به، وربَّما أُصيب بالإحباط أو الإغماء أحيانًا، ولعلَّ الوقت يَسمح لبيان هذا النَّوع من الخجل، وبيان العلاج المناسب له.
 إنَّ افتقاد مهارة المخاطَبة والحوار في المواقف الاجتماعية، وخاصَّة في الخطابة في المسجد والمجامع العامَّة، وخاصَّة لمن هو صاحب قدرات ومهارات وخبرات سابقة - يكون علاجه أيسر وتقويمه أسهل، ومن التدابير والعلاجات المجرَّبة ما يلي:
• كتابة الخطبة حرفيًّا في كشكول خاصٍّ يعدُّ لهذا الغرَض، والتمرُّن على قراءتها بصوتٍ مرتفع لعدَّة مرَّات، ومحاولة حِفظها عن ظَهر قَلْب، ويستحسن أن تكون قصيرةً واضحة المعالِم، أو كتابة المحاوِر الرئيسة والخطوط العامَّة في ورقةٍ صغيرة إن خشِي النِّسيان، والنَّظر إليها عند الحاجة، ولا يَنقُص ذلك من قدره كما يظنُّ البعض...
 • يفضَّل إلقاء الخطبة أو الموعظة على مجموعة من روَّاد المسجد؛ ليتعوَّد على مواجهة النَّاس، ثمَّ التمرُّن على مهارات اجتماعية بسيطة، لكنَّها ذات قيمة عظيمة وفائدة قوية، منها:
• التحدُّث وأنت تنظر إلى الوجوه والأعين مرفوع الرَّأس.
 ومنهاالتحيَّة الإسلاميَّة على من تمر عليهم، والتحدُّث مع الناس ومخاطبتهم في الأماكن العامَّة، كل ذلك يكسِب الثِّقة وقوة الشخصيَّة...
إنَّ كثيرًا من الأعراض التي يحسُّ بها بعضُ الخطباء مبالَغٌ فيها، وإنَّ هذا الشعور الذي يعاني به مَن يُصاب بالخجَل ربَّما لا يتعدَّى حيِّز النفس، فبعضهم يَنتابه شعور بأن المستمعين يَسخرون منه، وأنَّه أصبح مثارًا للاستهزاء، وربَّما انتابه قلق عندما يرى فلانًا من الجالسين يَبتسم أو يَخرج من المسجد أو يتحرَّك في جلسته ويحدِّق بنظره إليه، والحقيقة أنَّ هذه الظَّواهر لا ينبغي أن تَثني من عزيمة الخطيب؛ لأنَّه ربَّما ابتسم المستمِع لفكرةٍ خطرَت على باله، أو خروجه من المسجد لحاجة أو كان غير مرتاح في جلسته ونحوه، إضافة أنَّ الخجل والقلَق الذي يبدو على وجهك وتخشى أن يَنتبه له النَّاس ربَّما لا ينتبه له أحد، بل هو تجربة داخليَّة شخصيَّة فحسب...
 ومن أسباب الخجل لدى البعض:
حضور شخصيَّة مرموقة، أو علميَّة أو أدبية؛ بل ربَّما ممَّن لديه لحية كثَّة في الخطبة، فتراهم عند دخول شخصيَّة من هؤلاء يتصرَّفون بشكلٍ خارج عن إرادتهم، ويفقدون السيطرةَ على زمام الحديث والخَطابة، وربَّما أُصيب بالإغماء؛ ولذا يجب التحلِّي بالثِّقة النفسيَّة.
 والعلاجهو الاستمرار بالخطابة والشجاعة الأدبيَّة؛ لأنَّ من يستمع إليك إن كان صاحب علمٍ وعقل ودين يَنبسط عند سَماعه لآيات القرآن وأحاديث المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، بل ويفرح بقيامك بالدَّعوة والأمرِ بالمعروف، وإن كان غير ذلك فلا يَنبغي أن تهتمَّ به أو تصغِي إليه أو تلقي له بالاً، وليعلَم الخطيب أنَّ مَن حضَر لن يضرُّوه أو ينفعوه، فلا داعي للرَّهبة منهم، أو الخجَل منهم؛ فهم يَحتاجون إلى التعليم والتوجيه مهما كان موقعهم في المجتمع.
 • ومن العلاجات النافعة كما ينصح الأطباء النفسانيون: التعرُّض لتلك المخاوف التي يواجهها، والتي يحاول الشخص تجنُّبها، والتدرُّبُ على ذلك والاستمرارُ فيه كفيلٌ بأن يزيل تلك الحالَة النفسيَّة نهائيًّا، مع التعرُّف على طبيعة تلك المخاوف، وأن تَنظر إلى الوجوه والأعين مرفوع الرَّأس أثناء الخطابة، وعلى الخطيب أن يكثِر (من المواجهات، وهذه المواجهات يمكن أن تكون تدريجيَّة، ابدأ بمن تألَف وبمن تحبُّ من الإخوة، والأصدقاء، والجيران، والمصلِّين، وسوف تجد نفسك وسَّعتَ من شبكتك الاجتماعيَّة، ومن ثمَّ بدأ الخوف يتلاشى.
 • أن يختار للخطبة المواضيع السَّهلة، ويجتنب المواضيع المعقَّدة المتشعبة، ويركز على وحدة الموضوع، ويختار الآيات القرآنيَّة والأحاديث النبويَّة الشريفة، ويكثر من الاستشهاد بها في خطبه؛ فهي إلى كونها فيها الشِّفاء والنور فهي خير زادٍ للخطيب تعينه على الاستذكار والتذكُّر، أمَّا الكلام الكثير فإنَّه يُنسي بعضه بعضًا، ربَّما نسي كلمةً أو جملة أو عبارة كان قد حفظها أوجبَت له الارتباك والتلعثُم.
 وبعض الخطباء يتكلَّف في المستوى العلمي للخطابة مع أنَّ غالب من يحضرون المسجد من عوام الناس، فربما نسي أو خانَته عبارةٌ أو جملة فيَقع في الخجَل، والخطبة في الأساس شُرعَت للتذكير بأمور الآخرة، والحثِّ على التمسُّك بفضائل الأعمال، والنَّهي عن مساوئها.
 • من الأساليب الهامة: الدُّعاء بأن يلهِمه الله الصَّوابَ ويسدِّد لسانه، ويقوِّي قلبه، وليكثر من هذا الدعاء الذي دعا به نبيُّ الله موسى عليه السلام: ﴿ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾ [طه: 25 - 28]، وأن يَستعين بالله في جميع أموره وحوائجه، وإذا حان وقتُ الخروج للخطبة، فليقرأ دعاء الخروج من البيت والدخول للمسجد، وليتبرَّأ من حولِه وقوَّته، وليتضرَّع إلى ربِّه في أن يوفِّقه ويعلِّمه ما ينفعه وينفع به.
 نصيحة:
عند الإحساس بالخجل والتعرُّق، وسرعة نبضات القلب، يَنبغي على الخطيب في مثل هذه الأحوال أن يَختم وعظَه بعبارة: "أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم"، أو يقول: "والحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين"، وليحذر من الاسترسال والاستمرار وكأنَّه يريد إعادة ثِقة الجمهور به، ممَّا يترتَّب عليه ربما نتائج عكسيَّة، ويحاول أن يَجمع قواه، ويتذكَّر النَّصائح التي ذكرناها أثناء جلسته بين الخطبتين، ولا يطيل فيها بل يضمِّنها الآيات القرآنيَّة، والأحاديث النبويَّة الشريفة، ثمَّ يدعو بما تيسَّر من الأدعية المأثورة؛ لأنَّ الدعاء فيه خير كثير، وبرَكة واسعة، ويسعفه ممَّا هو فيه.

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.