الصلاة جماعة في البيت حكمها وأجرها بالنسبة لجماعة المسجد
الأصل وجوب صلاة الجماعة وهذا ما تدل عليه الأدلة الشرعية من القرآن والسنَّة ، وإذا كان الله تعالى قد أوجب الصلاة جماعة في أرض القتال : فأولى أن تكون واجبة في حال الإقامة والأمن .
وصلاة الجماعة واجبة في المساجد لا في أماكن العمل والدراسة، وهذا في حال أن يكون المسلم من المكلفين ، الرجال ، القادرين ، والذين يمكنهم سماع الأذان من غير مكبرات للصوت ..
ويدل على ذلك : أن النبيُّ صلى الله عليه وسلم هَمَّ بتحريق البيوت على من يصلي في بيته – وقد يكونون يصلون جماعة - .
فعَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ... وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقَامَ ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ ). رواه البخاري ( 657 ) ومسلم ( 651 ) - واللفظ له - .
ولذا فإنه لا مقارنة بين جماعة البيت وجماعة المسجد ، والأجور والفضائل إنما هي لجماعة المسجد ، فمن ترك جماعة المسجد واختار جماعة البيت أو العمل : لم يحصِّل أجر جماعة المسجد ، وهذا إن سلِم من الإثم أصلاً .
الذي له عذر يمنعه من حضور صلاة الجماعة في المسجد له أجر الجماعة وإن صلاها في بيته.
وقد يُعذر المسلم فيرخّص له في ترك صلاة الجماعة في المسجد كأن يكون بعيداً لا يصل له صوت الأذان في وضعه الطبيعي ، أو يكون مريضاً ، أو خائفاً ، وإذا كان الأمر كذلك : فعليه أن يصلي جماعة مع أهل بيته ممن لا تجب عليهم الجماعة ، أو مع من هم مثله من المعذورين ، وهنا يصح التفاضل بين جماعة المسجد وبين جماعة هؤلاء من حيث العدد فمن كانت جماعته أكثر كان أحب إلى الله، لكن ليس هناك مجال للمقارنة بين الأجور الأخرى ، مثل الخطوات التي يخطوها المصلي للمسجد ، والتبكير لحضور الصلاة ، وإعداد الله له نزلا في الجنة كلما غدا أو راح ، وغير ذلك ، فمثل هذه الأجور يحرمها من يصلي في بيته ، إلا أن يكون من المحافظين على الصلاة في المسجد فأقعده المرض أو العذر ، فهذا يكتب له من الأجر مثل ما كان يعمل ، كما صحَّ ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
المعذورَ يُكتبُ له أجرُ الجماعةِ كاملاً إذا كان مِن عادتِه أن يصلِّي مع الجماعةِ ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا مَرِضَ العبدُ أو سافرَ كُتِبَ له مثلُ ما كان يعملُ صحيحاً مقيماً ) . "الشرح الممتع" ( 4 / 323 ) .
ومن لم يتيسر له أحد يصلي معه : فليصل وحده ، والصلاة كلما كثر عدد أفرادها : كان ذلك أحب إلى الله .
وإن تعمد التأخر عن الجماعة الأولى أَثم ، وصلاته جماعة خير من صلاته منفرداً ، لكن ليس له ثواب الجماعة الأولى فمن تأخر بغير عذرٍ وقصد أن يصلي جماعة ثانية أو ثالثة – كما يحصل في مساجد الأسواق - : فهؤلاء يأثمون على تعمد تفويتهم الجماعة الأولى ، ويحرمون من أجورها ولو صلوا جماعة بعدد أكبر من الجماعة الأولى .
قالَ الشيخ ابن العثيمين رحمه الله :
" وأما قول القائل : إنهم إذا صلوا في المسجد ولو بعد الجماعة الأولى : فإن لهم أجر سبعِ وعشرين درجة : فهذا ليس بصحيح ؛ فأجر سبعٍ وعشرين درجة لا يكون إلا في الجماعة الأولى فقط ، أما الثانية : فلا شك أن الصلاة في جماعة أفضل من الصلاة على وجه الانفراد ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في رجل دخل وقد فاتته الصلاة : ( مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ ؟ ) فقام أحد القوم فصلى معه ؛ ولأنه عليه الصلاة والسلام قال : ( صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ ، وَمَا كَانُوا أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ) ، لكن كون الجماعة الثانية تنال أجر الجماعة الأولى : فهذا ليس بصحيح ، وإلا لكان كل الناس يذهبون إلى المسجد متى شاءوا ، ويصلون جماعة ويقولون : أخذنا أجر سبع وعشرين درجة ، فهذا لا أعلم أحداً قال به ، أي : أن الصلاة الثانية كصلاة الأولى في الحصول على أجر سبع وعشرين درجة ، فلا أعلم أحداً قال بهذا " " لقاء الباب المفتوح " ( 44 / السؤال رقم 10 ) .
وأما من تأخر عن الصلاة بعذر ووصل المسجد وقد انتهت الصلاة : فيكتب له أجر الجماعة ولو صلى وحده .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ صَلاَّهَا وَحَضَرَهَا وَلَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ) .
رواه أبو داود ( 564 ) – واللفظ له - والنسائي ( 855 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود".
وفي " عون المعبود " ( 2 / 192 ) :
" وهذا إذا لم يكن التأخير ناشئاً عن التقصير " انتهى .
والله أعلم
التعليقات